كما توقعنا بأن المجتمع الدولي لن يكافئ الخرطوم على إبرامها اتفاقها للتعاون مع دولة الجنوب، الذي ضم أكثر من ثماني اتفاقيات شملت كل النقاط الخلافية وغير الخلافية عدا أبيي والحدود، ولن يمنحها أية حوافز تشجع في تحسين الأوضاع الداخلية ولجم التوترات الداخلية وتخفيف الضغط الخارجي، فها هي الأخبار تحمل تصريحات لهيلدا جونسون ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة بدولة الجنوب تتحدث وتتوقع عن اتباع مجلس الأمن الدولي القرار«2046» بقرار آخر يدفع الحكومة للتفاوض مع ما يسمى بالحركة الشعبية قطاع الشمال والانخراط في عملية خاصة بالترتيبات الأمنية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وهليدا جونسون لا تتوقع، فهي عنصر فاعل ومركز ثقل حقيقي في العمل الدولي تجاه السودان منذ نيفاشا، ولعبت أكبر الأدوار في قضية جنوب السودان منذ أن كانت وزيرة للتعاون الدولي في بلدها النرويج، وهي ترس في ماكينة كبيرة تُحرِّك كل القرارات والسياسة الدولية المتعلقة بعلاقة السودان مع دولة الجنوب وملحقاتها.. وهي ليست طارئة على هذا الملف، بل يكتسب حديثها بُعداً حقيقياً، وما تقوله هو المخطط المتوقع حدوثه، وإن كان هناك عرّاب حقيقي للحركة الشعبية فهي السيدة جونسون التي حملت مشروع الحركة الشعبية في رحمها السياسي حتى ولادته وهي الآن تعمل على رعايته حتى يكبر ويشب عن الطوق ويلتهم ما تبقى من السودان.. ولكم حذّرنا الحكومة من خطورة مثل هذه الاتفاقيات التي تتم كتقيّة وإنحناء للعاصفة واتقاء شرور المجتمع الدولي، وتلبية لمطلوب مرحلي وليست نتاج رؤية إستراتيجية جامعة، فمهما حاولنا إرضاء المجتمع الدولي ونيل رضاه، فلن نستطيع، فالغرب لديه تصور محدد وجاهز للسودان لا لبس فيه ولا غموض ولا مجاملة، فتغيير النظام في الخرطوم وإحداث تحولات جوهرية مركزية هيكلية في تركيبة السودان الاجتماعية والسياسية وتحويل هويته الثقافية، هو جوهر الصراع الحالي في البلاد، وكل ما يظهر من تجليات هذا الصراع في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وما تقوم به أحزاب المعارضة المتحالفة مع الجبهة الثورية والحركة الشعبية في قطاعها الشمالي أو الأصل الحاكم في الجنوب، هو حلقات من مسلسل طويل يهدف لبلوغ هذا المرام والنتائج. وتجرى الآن في جوبا ويوغندا ودول إقليمية وعواصم دولية لقاءات وترتيبات مكثفة لإكمال الحلقة المقبلة من محاصرة الحكومة السودانية وحشرها في زاوية ضيِّقة تفرض عليها ضرورة محاورة ومفاوضة قطاع الشمال.. لكن الأقسى على القلوب والأمرّ مثل الغصّة في الحلوق، هناك أصوات داخل الحكومة تتماهى مع الرؤية التي طرحتها هيلدا جونسون وتوقعتها بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي حول المفاوضات مع قطاع الشمال، وكانت هناك تفسيرات من أصحاب هذه الأصوات بأن القرار «2046» يلزم الحكومة بالتفاوض مع قطاع الشمال.. هذا الحديث من هليدا جونسون الذي له أصداء لدى بعض الحكوميين هنا، يصدر في وقت لم تجف فيه دماء الشهداء من النساء والولدان في كادوقلي التي شنّت عليها الحركة الشعبية قطاع الشمال هجمات بالقذائف وصواريخ الكاتيوشا خلال الأسبوع الماضي وهي تحتضن ملتقى تشاوري حول قضايا السلام، حضرته وفود من أبناء الولاية ووفد من أبناء النوبة المقيمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسبق أن زار هذا الوفد البلاد قبل أسابيع قليلة في إطار البحث عن السلام الذي لا يأتي.. إن الصواب والحكمة تقتضيان أن لا نندفع مثل هذا الاندفاع دون أن نعطي أي ثمن، فما الفائدة والحافز الذي نلناه بعد توقيع الاتفاقية مع دولة الجنوب؟، ثم بالتقسيط المريح للطرف الآخر نجبر ونذعن لقرار آخر من مجلس الأمن الدولي يدعونا لتقبُّل قطاع الشمال وكل شروره وموبقاته.. لكن كما تقول الحكمة العربية القديمة عندما بحت أصواتنا من التحذير «لا يطاع لقصير أمر..» --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.