لم أعرف أأضحك أم أبكي حين قرأتُ البيان الذي أصدره مجلس شورى الحركة الإسلامية فقد كشف البيان حالة التيه والضياع بل والموت السريري الذي تعاني منه الحركة الإسلامية، فبالرغم من أن الحركة لا تحكم كما سأبيِّن وكما اعترف نائب أمينها العام حسن عثمان رزق فإن البيان يقول في الفقرة الثالثة إنه ثمَّن ما تم من إنجاز خلال الدورة الماضية كما ثمَّن (الجهد الذي بذلته الحركة في تلك الفترة التي اتّسمت بتحدِّيات الانتخابات والاستفتاء والانفصال وما صاحب ذلك من متغيِّرات محلية وإقليمية كان أبرزها اتفاقية الدوحة لسلام دارفور ومهدِّدات السلام في هجليج وجنوب كردفان والنيل الأزرق محلياً ومن ثورات الربيع العربي وما نتج عنها من صعود للحركات الإسلامية للحكم في كلٍّ من القاهرة وتونس والمغرب وليبيا) ثم يقول في الفقرة الرابعة: (وثمَّن الاجتماع الجهود التي بذلتها بتوقيع اتفاقية التعاون بين السودان ودولة جنوب السودان)!! بالله عليكم ما هي علاقة الحركة الإسلامية بتلك القضايا السياسية التي يزعم البيان أن للحركة دوراً فيها بالرغم من أنها أسلمت العمل السياسي كله للمؤتمر الوطني أو قل إن المؤتمر الوطني انقلب عليها وأبعدها تماماً عن الفعل السياسي؟! العجب العجاب أن الحركة الإسلامية احتفت بصعود الحركات الإسلامية للحكم في دول الربيع العربي بالرغم من أنها تخلَّت عن الحكم في السودان بمحض إرادتها أو بفعل فاعل هو ابنها العاق (المؤتمر الوطني) فهل يا ترى كانت تعبِّر بذلك الاحتفاء عن الندامة والحسرة على تخلِّيها عن الحكم الذي صعدت إليه الحركات الإسلامية العربية أم أن ذلك يعبِّر عن رغبة في استرجاع الحكم وانتزاعه من ابنها العاق؟! ثم يشيد البيان في الفقرة التاسعة بالشورى التي شهدتها الدورة الماضية... إنه اللعب على الذقون ويا ويل الإسلام عندما يتلاعب به من ينتسبون إليه.. عن أية شورى يتحدث البيان.. أهي تلك التي مورست عندما تم انتخاب الأمين العام الأستاذ علي عثمان أم تلك التي مورست قبل يومين في الشورى التي جاءت بعبد القادر محمد زين أميناً عاماً على الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم أم تلك التي كانت مُغيَّبة طوال مسيرة الإنقاذ والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية؟! لعلَّ الرسالة التي تم تداولها بشكل واسع والتي أعلن بروف إبراهيم أحمد عمر عبرها عن رفضه للوصاية التي مورست من خلال التوجيه بانتخاب عبد القادر محمد زين تكشف حقيقة ما جرى فقد وصف بروف إبراهيم تلك الوصاية بأنها عمل (باطل ومعوِّق للشورى)!! أعجب والله أن يقارن الناس بين حسن رزق بتاريخه الوضيء وبين عبد القادر محمد زين رغم احترامي له... وأعجب أن يجرؤ الأخير على مجرد التفكير في منافسة حسن رزق الذي لا يزال يحتل منصب الرجل الثاني (نائب علي عثمان) في الحركة الإسلامية ولكن من وصفهم القيادي التاريخي بروف زكريا بشير إمام ب (الدوائر المعينة التي لا تريد للحركة الإسلامية أن تعود) لن يسمحوا بانتخاب أمثال حسن رزق إنما يريدون المسبِّحين بحمد قَتَلَة الحركة الإسلامية... اسمعوا بربِّكم لزكريا بشير إمام وهو يقول «الحركة السلامية بمجيء الإنقاذ أُضعفت بعد أن حُلَّت وهُمِّش رموزها الأساسيون تهميشاً كاملاً وأُحيلت إلى المعاش وهذا مستمر اليوم)!! اسمعوا أو اقرأوا نائب الأمين العام حسن رزق الذي أُسقط من منصب أمين عام الخرطوم (بالإشارة الطائفية) ليُؤتَى برجل الإشارة مما يشي باستحالة عودة الحركة الإسلامية فقد قال الرجل القوي الذي دفع ثمن قوته إقصاء عن الجهاز التنفيذي ومن مراكز القرار داخل المؤتمر الوطني منذ وقت مبكر... قال عن القيادات الإسلامية إنهم «لا يحكمون بمرجعية الحركة الإسلامية بمعنى أن مجلس شورى الحركة لا يحاسبهم ولا يضع لهم الخطط لأن الحركة وُئدت منذ إنشاء الدولة فلا يجب أن تُحاكَم الحركة وقد حُلَّت وعادت الحركة مرة أخرى في العام (2000) ومنذ ذلك الوقت تحاول أن تجد لها موطئ قدم مع المؤتمر الوطني والحكومة ولا تجده»!! ثم قال: «وجود النائب الأول لا يعني وجودنا في الدولة لأن الحركة لا تحاسبه على عمله في الدولة ولا يأتمر من الحركة وإن كان أمينها»!! ثم قال «ولا تتطرق اجتماعات الأمانة لشأن الدولة» ثم يختم بقوله «لذا الإخوان يرغبون في أن يُطلق سراح الحركة من القبضة الحزبية والحكومية لتتحرك في حرية في كل مجالات الحياة»!! هل فهمتم الآن لماذا أُقصي حسن عثمان رزق وأُتي بهذا ال (Yes man)؟! هل علمتم ما يُراد بالحركة؟! هل علمتم بالمصير المظلم والسجن الكئيب الذي ينتظر الحركة والذي سيكون أسوأ من سجنها القديم؟! لا أبرئ الترابي فالرجل يتحمَّل الوزر الأول حين عمد إلى أول عملية اغتيال للحركة بعد مجيء الإنقاذ. كاتب هذه السطور كان آخر عهده بالحركة الإسلامية قبل أن يستقيل أنه كان عضواً في المكتب التنفيذي لولاية الخرطوم وعندما كان خارج السودان كان آخر منصب يتقلده قبل أن يعود إلى السودان في يناير 1991 الأمين العام للحركة الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة لذلك فهو صاحب وجعة بل هو ثكلى على المآل الذي آلت إليه. في عجالة أختم فأقول إن علاقة الحركة الإسلامية بالسلطة التي تؤول إليها بل إن الجدل بين نظريتي التذويب والاستقلالية سيستمر لكني أرى أنه لا مناص من أن تحكم الحركة بمرجعيتها لأنها هي الحفيظ على البوصلة ولا يجوز للطلقاء أن يُمسكوا بالبوصلة ليُحيلوا القبلة إلى اتجاه آخر. لا تعجبني الثنائية أو الازدواجية التي تمنح الحزب الجانب السياسي وتترك الدعوة للحركة لأن في ذلك علمانية تتعارض مع توجُّه الحركة ومع الإسلام. أميل إلى التجربة التونسية والتركية التي تجعل حزب النهضة هو الحركة الإسلامية وكذلك حزب العدالة والتنمية في تركيا أكثر مما أؤيد التجربة المصرية الجديدة التي اعتمدت الثنائية أُسوة بالسودان حينما أُنشئ حزب الحرية والعدالة بالرغم من أن رئيس جمهورية مصر عضو في الحركة الإسلامية التي يتزعمها المرشد العام وبالتالي فإن زعيم الحركة أعلى من رئيس الجمهورية الذي كان مجرد عضو في مكتب الإرشاد. يكفي هواناً للحركة الإسلامية المُنشئة للإنقاذ وللمؤتمر الوطني أن يكون زعيمُها نائباً لرئيس الجمهورية بدلاً من أن يكون هو الرئيس ويكفي كذلك أن أجهزة الحركة لا سلطة لها بالرغم من البيان المضحك الذي أوردتُ طرفاً منه في صدر هذا المقال بينما تجد الغنوشي زعيم حركة النهضة (الحركة الإسلامية) هو الزعيم الذي تأتمر الدولة ممثلة برئيس الوزراء (عضو الحركة) بأمره. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.