بين يدي انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية الذي يبدأ فعالياته اليوم يثور سؤال موضوعي لماذا هذا الجدل المحتدم هذه المرة حول دور الحركة ولماذا لم يثر ذات الجدل في المرة الماضية مثلاً؟! ربما يكون أهم الأسباب في أن المؤتمر ينعقد هذه المرة بعد ثورات الربيع العربي التي أعادت الحركات الإسلامية في العالم العربي إلى المشهد السياسي بل والتي منحتها دوراً في قيادة بلاد الربيع العربي بعد طول غياب واضطهاد من قِبل الأنظمة القهرية الطاغوتية التي حكمت تلك البلاد ردحاً من الزمن. ذلك ما جعل الإسلاميين في السودان بعد أن غُيِّبت حركتُهم عن الفعل والمشهد السياسي لسنوات طويلة بالرغم من أنها لعبت دوراً في تسلُّم السلطة الحالية في السودان لا يختلف عن ذلك الذي لعبته الحركات الإسلامية مؤخراً في بلاد الربيع العربي إلا من حيث أسلوب الوصول إلى سدة الحكم.. ذلك ما جعل الإسلاميين يتساءلون عن دور الحركة فيما تشهده البلاد من تحدِّيات خطيرة نشأت عن اتفاقية نيفاشا وغيرها بما في ذلك تداعيات الانفصال والعلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب أو بين السودان ودولة جنوب السودان وقضية الفساد الذي استشرى في البلاد والحرب التي اشتعلت بعد الانفصال في مناطق مختلفة من بينها جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ومآلات التفاوض مع جنوب السودان والاستهداف الذي تعرض له السودان ولا يزال من أمريكا وحلفائها ومكانة السودان الدولية التي تردَّت كثيراً جرّاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي تُمسك بخناق البلاد وغير ذلك من مشكلات شَعَرَ الإسلاميون أنَّها تضرب البلاد في ظل نظام حكم نشأ على أيديهم ويحمِّلهم الكثيرون كثيراً من أوزاره بالرغم من أن حركتهم مُغيَّبة تماماً عن الفعل وعن القرار. أخذ التململ يتزايد خاصة بعد المذكرات الاحتجاجية التي قادها الشباب والمجاهدون بصفة خاصة والذين قدموا كثيراً من التضحيات في سبيل تركيز دعائم المشروع الإسلامي وكانت تلك المذكرات تركِّز على قضايا الفساد وتعدَّدت لقاءات الشباب ومذكِّراتهم وكان من أهم ما طُرح في تلك المذكرات واللقاءات السؤال عن علاقة الحركة الإسلامية بما يجري في أروقة السلطة والعلاقة بين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني الذي من المُفترض أنه الذراع السياسي للحركة الإسلامية ولكن كانت قناعة معظم الشباب أنه لا وجود للحركة الإسلامية وأنها اختُطفت ولم يعد لها دور في البناء الهيكلي لأجهزة الدولة أو أي تأثير على المؤتمر الوطني الذي تمكَّن من تهميشها وإبعادها. ذلك ما اعترف به الرجل الثاني في الحركة الإسلامية حسن عثمان رزق نائب الأمين العام الذي قال إن الحركة الإسلامية لا علاقة لها بالنظام الحاكم ولا يمكن اعتبار وجود بعض رجالات الحركة الإسلامية في السلطة معبِّراً عن دور للحركة في أجهزة الدولة ذلك أن أجهزة الحركة من مؤتمر عام أو مجلس شورى أو أمانة عامة لا سلطان لها على الدولة ولا تناقش شؤونها في أجهزة الحركة التنظيمية. يحتدم الجدل الآن حول دستور الحركة الجديد الذي يريد أن يُحدث بدعة مُدهشة تتلخَّص في أن يتم اختيار الأمين العام في مجلس الشورى!! وأن تنشأ قيادة جماعية تمنح الحركة وجوداً رمزياً يُسكت الأصوات التي تتحدَّث عن تهميش الحركة في سدة الحكم بينما يتم اختيار رئيس المؤتمر الوطني وزعماء الأحزاب جميعاً من قِبل المؤتمر العام فياله من إضعاف لمقام الأمين العام للحركة الإسلامية!!. جدلية العلاقة بين الحركة والذراع السياسي ظلت وستظل مثار نقاش لا ينتهي وسيظلُّ الجدل محتدماً حول أي الخيارين أفضل: تذويب الحركة الإسلامية في التنظيم السياسي كما حدث في تجارب الحركة من لدن جبهة الميثاق الإسلامي ثم الجبهة الإسلامية القومية ثم المؤتمر الوطني أم الإبقاء على الحركة الإسلامية كتنظيم دعوي يحفظ المرجعية ويُمسك البوصلة ويمثل دور المرشد الناصح المقوِّم الناهض بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ عبد الجليل الكاروري في بحث مختصر وقيِّم ضرب مثلاً لسيادة المرجع والمرشد الأعلى بقضية نبي بني إسرائيل وهو يبقى بعيداً عن الحكم وينصب ملكاً هو طالوت بناء على طلب من القوم ينهض بوظيفة الجهاد وتسيير أمور الدولة وهو ما يجعل الحركة الإسلامية باقية وراعية ومرشدة تمثل المرجعية العُليا كما ضرب مثلاً بالأنبياء الذين نهضوا بوظيفة المرجعية الدينية والأخلاقية والدعوية وفي نفس الوقت قيادة الدولة وتمثل هذا في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. عدد مقدَّر من القيادات الفكرية في الحركة الإسلامية تميل إلى الإبقاء على الحركة الإسلامية كتنظيم دعوي منهم غازي صلاح الدين والكاروري وعبد الرحيم علي الذي انتقد احتفاظ الأمين العام للحركة (علي عثمان) بمنصب نائب الرئيس.. كل هؤلاء يرَون أن تذويب الحركة في التنظيم السياسي يعطِّل الوظيفة الأساسية للحركة الإسلامية المتمثلة في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. السؤال الذي لن يستطيع دعاة التذويب أو الحل الإجابة عنه هو كيف يجوز أن تقوم الحركة بالدور السياسي بكل ما فيه من تضحيات وسجون واستشهاد حتى تصل إلى الحكم ثم تنسحب تاركة شأن الحكم لتنظيم سياسي قد يستقوي عليها وينقلب بسيف السلطة كما حدث من المؤتمر الوطني (الابن العاق للحركة الإسلامية)؟! منبر السلام العادل اختار (التوحيد) الذي اختاره الإسلام في رسالة رسوله الخاتم ولا يوجد سبب للثنائية (العلمانية) التي تُبعد الشأن السياسي عن الحركة الإسلامية وعن الدعوة.. حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا اختارا التوحيد بحيث تحكم الحركة الإسلامية وتحمل المرجعية والدعوة وسيف السلطان. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.