بالرغم من أن د. نافع علي نافع تخرّج في كلية الزراعة جامعة الخرطوم بكل ما تحمله الزراعة من خضرة وجمال ورقة، لكن د. نافع بدأ بكلماته الرصاصية القوية وكأنه اكتفى بالإبحار في مكنيزم الزراعة بعلمها المنظم لا بمردودها الحسي الظاهري الرقيق. وربما كان وهو المولود في قرية تميد النافعاب بنهر النيل بأهلها التربالة الذين يتسمون بالعفوية قد استبطن هذه العفوية في خطابه السياسي لكنه كان استلهاماً اختلط بمعطيات وتجارب، أي أنها عفوية اختلطت بدهاء السياسة لا بروح التربالة في «حيشان» النافعاب الواسعة وعندما تولى د. نافع رئاسة جهاز الأمن في العام 1989 وحتى سبتمبر 1995 اختلف البعض في مردود تجربته. فحين كان يراها بعضهم متوائمة مع الواقع الظرفي لثورة وليدة تتحسس خُطاها وتسعى لتأمين ظهرها لكنَّ آخرين يرون أن التجربة لم تستصحب تداعيات الواقع المحلي والدولي ببراعة، وتخندقت في خانة الحراسة المشددة للثورة الجديدة بآليات الضبط المعروفة ولكنها أغفلت جوانب التأمين النفسية والاجتماعية والروحية. وعندما سألته صحيفة البيان لاحقاً عن إدارته لتلك التجربة بطريقة صارمة قال: «ما كان ينبغي أن أفعل غير ذلك» لكنه قال إن توليه للمنصب كان يتصادم مع رغبته الشخصية. لكن هل وجد د. نافع نفسه مع مهام تنفيذية أوكلت له مثل عمله وزيراً للزراعة أو مستشار شؤون السلام أو وزيراً للحكم الاتحادي في ذلك الوقت ربما وقائع الأحوال تقول إن د. نافع في وضعه السياسي المهم في المؤتمر الوطني والجهاز التنفيذي السيادي الآن أقرب إلى ذاته في هذه المهام بالنظر إلى أنها تتيح له مساحة أكبر للقراءة وهو المتحمِّس لتجربة الإنقاذ، وله رؤى ربما تواجه ثمة تقاطعات ومعطيات عديدة إذا لم تكن تسندها هذه الصلاحيات الواسعة. ملفات السلام عندما اختير د. نافع في الثامن عشر من أغسطس 2007م لإدارة ملف دارفور في أعقاب وفاة د. مجذوب الخليفة تباينت الرؤى حول هذا الاختيار، ففي حين رأى مراقبون أن رصاصية خطاب د. نافع السياسي ومواقفه قد تعقد مهمته الجديدة، رأى آخرون أن الوضوح الذي يتميّز به وقوة نفوذه ستمكِّنه من لعب دور فاعل في العملية السلمية بدارفور. نافع والقوى السياسية بيد أن د. نافع وإن كان يرى البعض أنه وإن نجح في التعاطي في عملية التفاوض السلمي مع الحركات المسلحة في دارفور وفق الرأي الجمعي الرسمي لكنه بالمقابل ربما لا يتمكن من مد جسور مرنة ومتماسكة مع القوى السياسية الأخرى وذلك بالنظر إلى إرث خطابه السياسي «الرصاصي» مقارنة مع آخرين مثل د. غازي صلاح الدين ود. مصطفى عثمان وإن تناست تلك التيارات السياسية مثل قوله: «الأحزاب السياسية لو أُعطيت عُمْر نوح ولو كان الشعب السوداني أهل الكهف لن تستطيع إنجاز ربع ما أنجزته الإنقاذ». لكن من الثابت أن د. نافع اعتاد دوماً أن يكون صريحاً حسب قول الصحيفة الأمريكية لوس أنجلوس تايمز عندما قالت: «إن نافع قال لا أحب اللغة الدبلوماسية.. عليك أن تتمتع بالشفافية»، وذكرت الصحيفة أن الدبلوماسيين امتدحوه وقالوا إنهم يفضلون التفاوض معه لأنه لا يسعى لاسترضاء أحد». لكن مع ذلك فإن كشف أوراق النوايا بشكل قاطع وصارم في السياسة الدولية يرى المختصون أنه قد لا يكون مناسباً دائماً لأنه قد يقطع الطريق أمام هوامش المناورات والتكتيكات. مرحلة جديدة وبالرغم من أن د. نافع قد نُقِل عنه عبر تصريحات نفى فيها نيّة الدولة التدخل في الصراعات والخلافات في الساحة الرياضية وإن دخل أهلها«في خُرُم إبرة» إلا أنه زار في وقت سابق معسكر الهلال في الدوحة وقدّم دعماً مادياً للبعثة ويبدو أن خطابه الملتهب إن لم يكن في طريقه نحو البرودة والتجمُّد فعلى الأقل فإنه سيكون أكثر مرونة وتصالحاً مع القوى السياسية والمجتمع المدني استجابة للواقع السياسي ومآلاته المتسارعة والضاغطة، لكن يبقى د. نافع هو من أكثر المتحمسين والمتجردين لمسيرة الإنقاذ وإن كانت صراحته المعهودة تحتاج إلى ثمة رياح باردة أو سلوفان يغطيها أحياناً لكن مهما كان رأي القوى السياسية فيه فإن صراحته الحادة قد تبدو ضرورية في بعض المواقف، وها هي الصحيفة الأمريكية تقول:«قد نكره نافع إلا أنه يقول الحقيقة».