أكد عضو المكتب القيادي مسؤول ملف المناطق المتأزمة بالمؤتمر الشعبي المحامي أبو بكر عبد الرازق، أن حزبه يعيش فترة المراجعات الفكرية والسياسية النظرية والواقعية، وأشار إلى أن الحل لمشكلة دارفور يتمثل في الاستجابة لمطالب الحركات المسلحة، وأن تقوم علاقة الدولة مع دولة الجنوب على التواضع على إرساء علاقة طيبة معها، وفتح الحدود للتجارة والرعي والعلاقات الاجتماعية، وأضاف في هذا الحوار الذي أجرته معه «الإنتباهة» أن وجود منطقة منزوعة السلاح تشرف عليها آلية إفريقية هو تعبير عن انعدام الثقة بين الدولتين وعجزهما عن إدارة علاقة بينهما توطد للسلام والأمن والاحسان في هذه العلاقة، وهو أقرب إلى نمط الوصاية الدولية الذي ينتقص من السيادة الوطنية بين الدولتين، ولا ندري الى مدى واقعاً قد تستمر هذه الوصاية، فإلى تفاصيل الحوار: في البدء حزب المؤتمر الشعبي بوصفه حزباً ليس له وجود وفاعلية في الساحة السياسية.. فماذا أنت قائل؟ بالطبع نحن حركة فكرية لها اثر في الساحة السياسية منذ عام 1944م، وشكلنا ملامح في تاريخ السودان السياسي، إذ ساهمنا في قيادة حركة الصحوة الإسلامية الحديثة في السودان، وفي انتشار ثقافة إسلامية واسعة، وكنا مؤثرين في تفجير ثورة أكتوبر عام 1964م وثورة شعبان عام 1973م، وكنا ضمن الجبهة الوطنية التي شاركت في العمل المسلح الذي قادته الجبهة الوطنية عام 79م، وكنا من مؤسسيها، كما أننا قررنا ورتبنا ونظمنا وقدنا انقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989م، وأتينا بالرئيس البشير الآن، وحزبنا من أكبر المؤثرين في الساحة الفكرية والسياحية في العالم، بحيث يشهد الحزب تواصلاً للأجيال يصل كل المراحل الدراسية، لذلك نحن حزب حي يمتلك أفكاراً حية تساهم بأثرها في الواقع. أنا أسألك عن المؤتمر الشعبي بعد الإنقاذ، وأنت تحدثني عما قبل الإنقاذ؟ المؤتمر الشعبي حركة إسلامية ممتدة، وقدم الكثير مما هو ايجابي وما هو سلبي للسودان والعالم، ولكنه الآن يعيش فترة المراجعات الفكرية والسياسية النظرية والواقعية، ويقدم أفكاراً جديدة ويرسيها في سياق عمل دؤوب في الواقع الثقافي والسياسي مثل الحرية والثورة والعدالة والمساوة. قلت إن حزبكم يعيش حالة من المراجعات ما المقصود بها؟ المراجعات هي أولوية للحركة المطلقة في النظر والتطبيق، وما يتفرع عنها من شورى وعدالة ومساواة ووطن للجميع سواء بسواء دون ظلم أو استفراد أو استبداد أو فساد أو إقصاء معانٍ تعيش بين الناس في سياق خير الشعب الحر. باعتبارك مسؤولاً عن ملف المناطق المتأزمة كيف تنظر لقضية النيل الأزرق؟ ليست هنالك مصلحة لوالٍ منتخب أن يبتدر حرباً أو يدعو إليها، لا سيما أنه من الذين جربوها من قبل ويدركون تماماً الآثار السالبة المترتبة، وفي تقديري ما تم انقلاب، وفي تقديري أن التوتر مازال كثيفاً في النيل الأزرق، وما فعله عقار هو انسحاب تكتيكي لترتيب أوضاعه العسكرية، وأن الحرب لن يكون فيها منتصر او منهزم، لأن سنتها السجال مرة لك ومرة عليك، ومهما كانت الظاهرة العسكرية صغيرة فلن يستطيع أحد القضاء عليها إلا عن طريق الحوار والتفاوض وصولا للسلام، ولذلك على الحكومة أن تجلس لمائدة الحوار والتفاوض. إذن كيف تحل القضية في رأيك؟ يكون الحل في العودة لاتفاقية نافع وعقار التي عقدت بأديس أبابا، أما حل مشكلات البلاد كلها فيكمن في أن تكون حكومة انتقالية يرأسها تنفيذي «تكنوغراطي» وتدير السودان في فترة انتقالية تصل فيها لسلام في دارفور وجنوب كردفان والشرق، وتضع دستوراً انتقالياً، وتقام انتخابات حرة نزيهة لاختيار مجلس تأسيسي يضع دستور البلاد، وانتخاب رئيس الجمهورية وإحداث التحول الدمقراطي. وفي حالة رفض المؤتمر الوطني هذا، فالخيار هو أن تحشد الارادة الشعبية لثورة شعبية تفضي لتغيير النظام. في تقديرك أين تتجه مسارات الحل لمشكلة دارفور؟ الحل لمشكلة دارفور يتمثل في الاستجابة لمطالب أهل دارفور، لأنها معقولة ومقبولة وتنبني على وحدة الوطن، وتبحث عن عدالة في توزيع السلطة والثروة، وعن وطن حر ديمقراطي، وعن تنمية للإقليم وفق ميزانية مخصوصة ليست أقل مما منحته اتفاقية نيفاشا لجنوب السودان، وذلك يتم في مائدة الحوار والتفاوض، والإقرار بأن لدارفور قضية عادلة. كيف تنظر إلى مستقبل علاقتنا مع دولة جنوب السودان ، وما هو المطلوب من الطرفين؟ لا بد من التواضع على إرساء علاقة طيبة مع الجنوب تقوم على تجسير هوة عدم الثقة، وفتح الحدود للتجارة والرعي والعلاقات الاجتماعية ومرور البترول عبر الشمال، وعلى احترام سيادة كل دولة، وعلى العمل على ترسيم الحدود وجعلها ساحة للتكامل السياسي والاقتصادي المتكامل. باعتباركم حزباً ما هو رأيكم في الاتفاقية التي عقدت أخيراً مع دولة الجنوب؟ لدينا أطروحة مكتوبة قدمناها للرأي العام، واتحناها بين يدي القوى السياسية معارضة أو حكومة قبل انعقاد الاستفتاء في دولة الجنوب، وتناولنا فيها رؤية مستقبلية للمعاني والأطر مع دولة الجنوب في حالتي الانفصال او الوحدة، وكنا نرى ببصيرة نافذة ان الانفصال سيكون هو الخيار لأهل الجنوب، لاسيما أن الاتفاقية في محتواها هي انفصال حقيقي، ولا يمثل الاستفتاء شيئاً غير استكمال الشكل القانوني للدولة بنيل الاعتراف الدولي واعتراف دولة السودان، لكن كل شيء يمثل الانفصال في الاتفاقية، لذا قدرنا أن تكون علاقتنا مع دولة الجنوب بعد الانفصال بحيث تتيح حرية التنقل والاقامة والتجارة، وأن تصبح الحدود للتكامل الاجتماعي والاقتصادي والامني والثقافي، وأن يتم تبادل الخبرات والتعامل في كل المجالات حتى نستطيع احتواء الانفصال بمحتواه السياسي، وبالطبع فإن هذه الحريات الأربع التي تم الاتفاق عليها هي فرع من رؤية كلية لترتيب العلاقة بين الدولتين. منطقة «الميل 14» المتنازع عليها ماذا أنت قائل فيها؟ في تقديري وجود منطقة منزوعة السلاح تشرف عليها آلية افريقية هو تعبير عن انعدام الثقة بين الدولتين، وعجزهما عن ادارة علاقة بينهما توطد للسلام والامن والاحسان في العلاقة، وهو أقرب إلى نمط الوصاية الدولية الذي ينتقص الوطنية بين الدولتين وكل منهما عليه إدارة الجزء الذي يليه منها، وممارسة نظائر السيادة عليها، ولا ندري الى مدى واقعاً قد تستمر هذه الوصاية. ما هي إيجابيات وسلبيات الاتفاقية المنعقدة مع دولة الجنوب؟ جزء من الإيجابيات ما تناوناه سابقاً في الوصول الى الحريات الأربع، ومنها استقرار الهدوء النسبي، باعتبار الدولتين لاسيما انها دولة السودان، ولأن الحزب لا سبيل له لحل الاشكالات، فضلاً عن مراعاتهما لقرار «20-46» الذي ينص على اعادة العمل باتفاقية نافع وعقار باديس ابابا التي ستفضي الى السلام في النيل الازرق وجنوب كردفان وتحول ديمقراطي تكون بمقتضاه الحركة الشعبية حزباً سياسياً بما ينزع التوتر ويحقق السلام في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويؤدي الى قدر من الاستقرار الاقتصادي بإيقاف المصروفات على الحرب والاستعداد وشراء الذخيره وتشوين المتحركات، ويحقن الدماء ويتيح مجالاً واسعاً للاستثمار الزراعي في الولايتين على الحدود، وكذلك يتيح المجال للرعي والزراعة في كل هذه المناطق، مما يؤدي إلى الوفرة واستقرار الأسعار وانخفاضها، كما يؤدي لدعم خزينة السودان بما لا يقل عن 11مليار دولار على الأقل من التبادل التجاري من الجنوب، وما لا يقل عن ملياري دولار من نفط الجنوب، وكذلك استغلال نفط الشمال في تلك المناطق، واستئناف التعدين عن الذهب في جنوب كردفان، ونجاح الموسم الزراعي، كما يؤدي ايضا لاغناء أهل الجنوب وتوفير البضائع لهم وانخفاض أسعارها، وتحقيق عائدات من تصدير نفطهم وصادراتهم الاخرى، كما يحقن دماءهم اخوة لنا في الدين والوطن والانسانية والتاريخ والعواطف، كما يساهم في استقرار الدولتين واتجاههما الايجابي نحو التنمية، ويوفر عليهما الجهد والمال وتحويل طاقتهما إلى طاقة ايجابية لبناء والهدم. أما السلبيات فهي عدم حسم منطقة أبيي التي ينبغي أن تكون منطقة للتكامل يتوافق عليها اهلها من مسيرية ودينكا نقوك، وتتفق عليها الدولتان، وكذلك عدم حسم مشكلة حفرة النحاس في منطقة كفيا كنجي ومنطقة «الميل 14»، وعدم تقسيم الحدود، مما يجعل هذه المناطق قنابل موقوتة يمكن أن تنسف ما اتفق عليه من الايلولة والتبعية، فلن تكون هنالك إشكالية لو تم ترسيم الحدود بيننا وبين دول الجوار. وفي تقديرنا انه لن يكون هنالك قرار حازم لدى حكومتي الدولتين بعدم تطاول الحرب مطلقاً، حتى ولو تطاول الاجل في الوصول الى اجل، ويكمن التوافق على ذلك وفقاً لمنهج التسويات الذي يعني تقديم التنازلات المشتركة ريثما يصل الناس الى سلام. ايضا جزء من السلبيات يتمثل في الوصاية الدولية على ما يسمى منطقة منزوعة السلاح، ونفسية عدم الثقة المعبرة عنها. حديث بعض الخبراء الاقتصاديين عن ديون الدولة الخارجية بأنها سوف تجد حلاً بعد الاتفاقية، اي ان هنالك سبيلاً لإعفائها وحلها.. ماذا أنت قائل عن ذلك؟ الأصل في ديون السودان أنها كانت ديوناً على الحكومة المركزية، وهذا هو الوضع الطبيعي، اذ لا يكون هناك حل لها إلا اذا اتفق الطرفان على ذلك، وكل شيء يمكن أن يتم بالتراضي، ويكن التوافق على ذلك وفق التنازلات المشتركة، اما في ما يتعلق بإعفائها فإن المتفائلين يظنون ذلك، لكن تقديرات السياسة والعلاقات الدولية فإنها تبنى بغير هذا التفائل، لاسيما أنها ديون لمؤسسات دولية وبعضها للولايات المتحدة وغيرها من الدول، لذلك يصعب من سياق علاقة السودان بهذه الأطراف أن يتنبأ المرء بإعفائها في الأجل القريب. ماذا تقول في حق مكي بلايل؟ هو أخ وصديق ورفيق في مسيرة الفكر والسياسة والقضية والرسالة، ومثقف عميق الثقافة ومتدين، وهو جزء من الآمال الكبيرة التي نعول عليها في انتشار الإسلام المستنير، وكنت أرى فيه مدخراً للمشروع الاسلامي الكبير للناس كافة، ونسأل الله يسكنه الفردوس الأعلى. كيف تنظر إلى تحطم طائرة تلوي؟ وهل تعتبرها مؤامرة لشخص ما في الطائرة؟ لا استبعد أن يكون حادث الطائرة قد تم بفعل فاعل أو خلل فني، لكني استبعد أن يكون هنالك ارتطام بالجبل، لا سيما أن الصورة الحية التي نقلتها الفضائية السودانية للحادث في التو والحين، تبين أن الجو كان صافياً وليس هنالك ضباب، وان الطائرة قد سقطت بعيداً عن الجبل بمسافة كبيرة، وانها انفلقت لنصفين، وأن النار كانت حينها مشتعلة، كما أن الجبل لم يكن عالياً من حيث الارتفاع، كما أن هذه الرحلة رحلة عسكرية في إطار التوجيه المعنوي لرفع معنويات القوات المسلحة والدفاع الشعبي الموجودة بمناطق العمليات. أعيد لك السوال مرة أخرى.. هل كان ذلك بفعل فاعل أم أن هنالك مؤامرة ضد أشخاص مستهدفين بداخلها؟ إن الرحلة جاءت في سياق التوجيه المعنوي للقوات الموجودة، ولا اعتبره ذلك استهدافاً لشخص بعينه، واستبعد عقلية المؤامرة.