لعل ما يميز الأربعائية أن موضوعاتها لا تنتهي بانتهاء جلسات الأربعائية عند ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر كل خميس، بل تظل تداعياتها حاضرة وانعكاساتها تبدأ في الظهور وبشكل معمّق بعد انتهاء الأربعائية، فموضوع الأوقاف على سبيل المثال ما تزال له امتدادات مهمة لن تكتمل إلا بالندوة المزمع عقدها بمشاركة الدكتور عثمان أبو زيد، أحد الذين كتبوا عن الإعلام الوقفي بمنهج علمي، ثم هذا الموضوع الذي يطرح في هذا الأسبوع عن أثر التعليم النظامي في طمس الهوية الدنقلاوية. وربما تتاح لي الفرصة لكي أتحدث عن جوانب مهمة في تاريخ التعليم بدنقلا، فقد ضرب أهلنا الدناقلة على مر التاريخ المثل الأروع في الاهتمام بالتعليم وتوقير العلماء وهذا هو معيار رقي وتحضر الشعوب، ويكفي تدليلاً على ما أقول أنهم من بين كافة الشعوب أطلقوا اسم «باج» للكتابة، فبينما «كتب» بالعربية تعنى التقييد، من ربط الحبل على سنام الجمل، فكأن الكتابة بالعربية تعني تقييد المعاني وربطها حتى لا تنفلت إلى متاهات النسيان، بينما كلمة «باج»، تعني الظهور، فالشروق يطلق عليه «باج» لأن أشعة الشمس تقهر الظلام وتشع النور والضياء في الكون، وكذلك تفعل الكتابة لأنها تمحو ظلام الجهل، ورحم الله قوماً اختاروا هذا المصطلح الجميل والمعبِّر. ثم كانت الخلاوي بمنهجها القرآني أفضل أشكال التعليم الذي يحافظ على الهوية، وكأنهم هناك في دنقلا وضعوا للغة العربية قدسية خاصة لأنها تحمل القرآن، فكانوا يخصصونها فقط لقراءة القرآن بينما الشروحات الأخرى والمعارف كانت تتم بالدنقلاوية، حتى القواعد العربية كانت تدرس في الخلاوي بالدنقلاوية، سأتوقف قليلاً عند منهج التعليم السائد في الخلوة ومصادري في ذلك: كتاب الخلوة والعودة الحلوة للبروفسير أحمد علي الإمام، طبقات ود ضيف الله، ثم مصحف الشيخ زمراوي، وهو مصحف مخطوط يحتوي في مقدمته على بعض علوم العربية والفقه وعلم القراءات والتجويد. وإن كانت لي من أمنية في هذا الخصوص، فهي أن يحاول أصحاب الأوراق أو المحاضرون إعداد بحوثهم في أسطوانات ممغنطة لتسهيل الأمر على القائمين بتسجيل موضوعات الأربعائية ونشرها في هذا الموقع، فسيكون الأمر مفيدًا إذا نشرت تلك الأوراق كاملة كما أعدها المتحدثون. علماً بأنه سيخاطبنا من السودان العميد خليل باشا، وهو أحد المتخصصين في التراث النوبي وخاصة مسألة التعليم، كما وعدنا الباحث جراهام بل بمشاركة فاعلة عن موضوعات الأربعائية وسنخصص له حلقة إن شاء الله تعالى.