الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الإمامة والرئاسة مذكرة لا تحتاج لعشرة..عبد الجليل النذير الكاروري
نشر في الانتباهة يوم 25 - 10 - 2012

مدرسة ابن عباس هي التي ألهمتني السؤال عن الخصوصية التي امتازت بها الصحف الأولى فجعلتها تتفرد بهذا التقرير عنا نحن البشر (بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى) الأعلى: (إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى) الاعلى 16 19 لماذا الصحف الأولى؟ إلى أن جاءتني الإجابة إن صحت بأن الميزة ليست للصحف على بقية التنزيل فكله كلام الله الحق، إنما الميزة في الرسل، إبراهيم وموسى ذلك أنهم صارعوا الحكام الطغاة فصرعوهم في مصر والعراق، الفرعون والنمرود. إلا أنهم لم يملكوا بعدهم فالله الذي نصرهم كان قادراً على توريثهم الملك ولكنه آثرهم بالآخرة في أشخاصهم، بينما أعطى الملك لذراريهم بفرعيها الإسرائيلي والإسماعيلي (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً) سورة النساء الآية «54»، وحتى لا نحسب أن ذلك لضعفهم أو لهوانهم صرح سبحانه بمقدراتهم وبفضلهم (وأذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) ص «45» فالأيدي إشارة للقوة والأبصار إشارة للرأي وهي مؤهلات الملك، ولم يمنعهم من اكتسابه إلا زهدهم (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) ص «46» رغم أن مقامهم عند الله: (وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) ص «47».
بهذا يتقرر أن الآخرة خير من الأولى وأن الإمامة في الدين أعلى من الرئاسة في الدنيا، فإننا حين نوصف وظيفة إبراهيم وموسى فسنجدها في القرآن الإمامة: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما) سورة البقرة الآية «124»، وفي موسى: (ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل. وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا) سورة السجدة الآيتان «23 24» أما التأهيل الذي به تُستحق الإمامة فهو فكري ونفسي (لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) سورة السجدة الآية «24».
أذكر أنني كتبتُ وأنا في الجامعة في ستينيات القرن الماضي رسالة بهذا المعنى من ست عشرة صفحة تحت عنوان (العبد الخالص) وقد كان أخي وزميلي أحمد علي الإمام. عافاه الله معجباً بها إلا أنني فقدتها مع بقية أوراقي لما أُخذنا إلى السجن، والسجن نصف موت تضيع بانقطاعه ممتلكاتك.
الرسالة كما حاولت استذكارها الآن ذات مرجعية قرآنية، لكني تساءلت عن الظروف الآنية التي كتبتها فيها وأنا في عهد الطلب. وعهد الطلب تدريب؟ فتذكرت أن نشاطي التدريبي وأنا بالجامعة كان في العمل الفكري والإعلامي بمعنى أنني ما كنت أحب أن الترشيح لمقاعد الاتحاد رغم وجودي في مكتب التنظيم كما كنت ألاحظ المسافة والتنافس بين الاتحاد والتنظيم من خلال إدارتي للصحيفة صحيفة الاتجاه الإسلامي لعل ذلك الظرف هو الذي دعاني لعقد المقارنة مبكراً بين الزمني والديني ومفهوم الإماة والرئاسة، ولعل الظرف الآني حيث حكمت الحركات الإسلامية في أكثر من بلد بعد سبعين سنة من سقوط الخلافة العثمانية التي كانت تحكم سبعين بلداً. هذا الظرف ونحن في السودان حيث يصل الرئيس عمر عُمْر مهاتير في الحكم ونحن نستقبل المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية والدورة الثالثة للانتخابات الرئاسية، كل هذا الآني هو الذي دعاني لاستدعاء ما كتبت قبل أربعين عاماً من جديد لعله يفيد فالأربعون في القرآن عمر جيل ومحطة تغيير.
الدراسة تقرر حسب ما قدمناه من سورة الأعلى.
إن الهداية غاية بينما الحكم وسيلة.
وإن الإمامة أعلى من الرئاسة.
ولها ديمومة بينما الرئاسة سلطة زمنية موقوتة.
وإن الرئاسة يلزمها شعب وإطار سياسي بينما الإمامة بلا حدود.
وإن الإمامة تأهيلها اليقين والصبر بينما الرئاسة تأهيلها السياسة والقوة.
هذه المقابلة ليست من الراس بل يؤيدها الكراس ما لم نخفه كما عاب الله على علماء بني إسرائيل أنهم يخفون الحقائق ويمارسون التزوير بخبرتهم (تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً) سورة الأنعام الآية «91» والإخفاء لا يكون فقط بإخفاء النص بل قد يكون بإخفاء البيان، ولأجل ذلك أخذ الله على العلماء الميثاق بالبيان (وإذ أخذ الله ميثاق الذين اتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) سورة آل عمران الآية «187»، من أجل البيان نعقد بتوفيق الله هذه المقارنة القرآنية بين الحكمة والحكم: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) سورة آل عمران الآية «26» هذه الآية من آل عمران التي اختارها الإمام البنا فاتحة لأوراده، في مقابل آية البقرة (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) سورة البقرة الآية «269».
فالحكمة أثنى عليها (خيراً كثيراً) بينما جاء إيتاء الحكم بلا ثناء (تؤتي الملك من تشاء). والحكم اُتبع إيتاؤه بنزعه (وتنزع الملك ممن تشاء) بينما أمنت الحكمة من النزع فلم يذكر فيها، بل في مقابل النزع كان الثناء! أما من حيث الترتيب فالبقرة حيث الحكمة سابقة في التلاوة لآل عمران حيث الملك! والترتيب في السور توقيفي كما نعلم. أما إذا اجتمعا الحكم والحكمة في الآية الواحدة فالتقديم للحكمة أو الإمامة أو النبوة وكلها بمعنى واحد: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيما) سورة النساء الآية «54»، وقوله على لسان موسى الذي يشير إلى ملك يوسف (يا قومي اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) سورة المائدة الآية «20» وملك يوسف نفسه قدم فيه التمكين العلمي على السياسي فهو المؤهل والمرجعية للحكم: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره) سورة يوسف الآية «21»، وبعدها بأربعين سنة كان التمكين السياسي (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين) سورة يوسف الآية «54» ليختار يوسف الحقيبة حسب السيرة c.v (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم) سورة يوسف الآية «55»، وبالوزارة تطلق يده بالتصرف في المال وفي العدل. (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) سورة يوسف الآية «56»، و(ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء...) سورة يوسف الآية «76»، كما أن يوسف نفسه في الآخر اختار الآخرة ولم يجعل الملك محطته الآخرة (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) سورة يوسف الآية «101»، يعني آباءه الذين صلحوا إلا أنهم ما ملكوا: إبراهيم واسحق ويعقوب.
الأمر الثاني الذي يقرره الوحي الذي نحن له تبع هو أن الإمامة والرئاسة أحياناً تجتمعان لواحد وأحياناً تفترقان. وكما أكرر كثيراً لمن يماري في أصول الحكم أن المثال التطبيقي موجود في القصص، ففي يوسف اجتمعت النبوءة والسياسة أو الإمامة والرئاسة (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث) سورة يوسف الآية «101» أما عند تأسيس المملكة الخالصة لبني إسرائيل والتي لم يشهدها موسى المُخلّص بسبب اعتذار الشعب الذين رجعوا للذل بعد هلاك يوسف! وإنما هلك لأنه ليس له ولد أخذنا التفسير من الكلاله آخر سورة النساء بعدها عاش شعبه الذل في مصر فاعتذروا عن قتال الجبارين! إلى أن طلبوه لما فاءوا بعد التيه ( الم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله) سورة البقرة الآية «246». وللذين يمارون في الدين فهذه دولة إسرائيل تتأسس ثانية على غرار وشعار دولة داود الأولى، حيث القتال هو أعلى قرار سياسي ولا بد له من ملك ليكون جهادًا، وإلا فهو عشواء! انتزع منه موسى لما تورط في معركة داخلية مع الأقباط (وقتلت نفساً فنجيناك) سورة طه الآية «40». هذا وفي تعيين طالوت مثال للمواصفة العلمية والجسمية التي بها يكون القائد، مجرداً عن النسب والمال (أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) سورة البقرة الآية «247» فهذه صورة للنبوة والسياسة كُلاً عند رجل، أما في نهاية القصة فتجتمعان في واحد (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) سورة البقرة الآية «2» فالمثال في القرآن اثنان، اجتماعهما كما اجتمعا في واحد مثل داود وسليمان وذو القرنين والذي قدم في رحلته العلاج للشأن الديني قبل الدنيوي (ووجد عندها قوماً فقلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) سورة الكهف الآية «86»، وكان آخر رحلاته علاج الشأن الأمني (فأعينوني بقوة اجعل بينكم وبينهم ردماً آتوني زبر الحديد....) سورة الكهف الآية «95»، أما مثال افترقهما ففي داود تسميته لطالوت (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) سورة البقرة الآية «247».
أما خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه الأنبياء فمثاله لا يكتمل بقياسه على المسيح حيث كان المسيح أعزل عن السلطان كما في الإساءات اليوم، حيث نسبوا جهاده للإرهاب وزواجه للشهوات! فالقرآن يحاكمهم على العهد القديم حيث كان أنبياء التوراة محاربين وملوكاً ولهم أزواج وذرية! (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل...) سورة الفتح الآية «29». فقد كان صلى الله عليه وسلم هو رجل الدين ورجل الدولة ونبي المرحمة ونبي الملحمة وقال عن نفسه (أنا الضحوك القتّال).
غير أن تاريخ الإسلام بعد العهد الراشد كان بين اجتماع السلطان والقرآن وافتراقهما، إلا أن تحُول الأمر إلى ملك تلازم مع وجود أئمة الهدى الذين ينصحون للملك وللعامة منذ الإمام مالك والحسن البصري في العهد الأول، وحتى الإمام البنا في عهد ملوك مصر.
ثم إن الحركات الإصلاحية اعتمدت على منهاج النبوة حيث تكون البداية بالدعوة ومن بعد الدعوة الدولة، كما هو في دولة العباسيين والفاطميين بالمشرق والمرابطين والموحدين بالمغرب. وفي العهد الحديث جماعة النور وحكومة رجب أردوغان. وحركة النهضة وحكومة الربيع التونسي. وجماعة الإخوان وحزب العدالة. والحركة الإسلامية والإنقاذ بالسودان.
الآن في مرحلة التقويم والمقاربة تختلف وجهات النظر بين اجتماع السلطتين وافتراقهما، بين من يريد للجماعة أن تكون مرجعية ويتولى ذراعها السياسي الحكم ومن يريد للجماعة أن تحكم بالأصالة ما دام في الأصول مثال اجتماع الأمر كله عند خليفة راشد! والبعض الآخر يريد إذا وصلنا للسلطة أن ننحر الناقة التي بلغتنا إياها وتكون الحكومة بالتفويض الشعبي هي الحكم والمرجع فلا داعي لمرجعية! ومن هذا الباب كان خلاف الإسلاميين في السودان حيث دعا بعضهم إلى ترئيس الشيخ، كما دعا آخرون إلى تشييخ الرئيس! ودراستنا هذه إذا اختارت بينهما تقول لا هذا ولا ذاك. لأنه قلما يجود الزمان بجمع كل المطلوب ومن تجتمع عليه كل القلوب ليكون هو (الإمام الرئيس). نعم قد تحقق ذلك كمثال في الأنبياء الكمّل، لكنه الآن بعيد المنال. فالأنبياء كانت عصمتهم بالوحي تسددهم، أما من بعدهم فللشيعة إمام معصوم، وبه كانت ولاية الفقيه، أما أهل السنة والجماعة فعصمتهم في السورة التي اختارها الإمام البنا لختام المجلس، حيث العصمة للجماعة في كل عصر (والعصْرِ «1» إن الإنسان لفي خسر «2» إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر «3»). ما زلت أذكر في وقت مبكر من الإنقاذ حين استأذنني أحد القيادات ليصلي الجمعة في مسجد الجامعة، وفي الصباح نشرت صحيفتنا الرسمية صورته وكلمته الداعية إلى ولاية الفقيه بالمين شيت! ثم سافر بعدها إلى أمريكا ولما عاد قال الدعوة لتنفيذ ما اقترح حيث اقترح ترشيح الأمين العام للرئاسة فكانت الفتنة.
مما جعلنا نحكم على التجربة بالفشل بأن يكون هناك أمين عام هو المرجع وأن يكون للحكومة رئيس! وفي تقديري ظلمنا التجربة بل ظلمها الذين اشعلوا المنافسة بتصغير مقام الأمانة الذي هو حسب هذه الدراسة هو بمكان (الإمامة) والتي هي الأكبر والأعلى.
السيناريو نفسه تكرر في ماليزيا، لمست ذلك لما زرتها وانور في السجن. حيث أطلعني الإخوان هناك على التحركات التي أدت للفصام بين قيادة الجماعة وقيادة الدولة فجئت إلى الخرطوم بهذا التصريح الذي نشرته الصحف (إن الذي اغرى أنور بماهتير هو الذي أغرى الترابي بالبشير، ففي كل من الدولتين المسلمتين الناميتين اغري رجل الدعوة برجل الدولة فكانت الفتنة) تقرير ماليزيا يقول بأن عرابهما واحد وكذلك مركزه! فإن القوى الدولية لما عجزت عن الاجتياح والاحتواء لجأت للانقسام فأفلحت!.
لما اطّلع أمين المؤتمر وقتها الأخ إبراهيم أحمد عمر على تصريحي قال لي إنه وهو يرافق مهاتير في زيارته للخرطوم، إن مهاتير قال (هناك من يريدون أن يوقعوا بيني وبين أنور إلا أنهم لن يستطيعوا!) إلا أنهم بعد ثلاثة أشهر من القول افلحوا كما يقول الأخ إبراهيم عن أنور إبراهيم؟
فعلينا إذن إذا أردنا العصمة من الفتنة أن ننصح بإعلاء دور الأمانة ليظل كبيراً لأنه هو المرجعية.
إن دوره في النص هو ما قرأنا (إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل) سورة البقرة الآية «246». فهي صورة أصوليًا مثالية، وواقعياً ممكنة! وقد اختارها الإمام البنا بعبقريته لما جعل القيادة في تنظيمه اسمها (مكتب الإرشاد) أما رئيس الجماعة فهو المرشد، ولأجل ذلك لم يجد الإخوان حين مكنوا في مصر عنتًا في فصل السلطتين الإرشادية والتنفيذية أو الإمامة والرئاسة. كما أن تجربة تركيا قد نجحت لما احتفظت بالمسافة نفسها بين جماعة النور وحكومة رجب، كما أن الغنوشي لم يستجب للدعوات التي دعته ليكون رئيس تونس، كيف ونحن لا ننسى دموعه التي سكبها لما زار بيت الشيخ الترابي بالخرطوم بعد الفتنة بين يدي الربيع العربي فقد اعتبر وقد كان في مكتبه من لندن مناصراً للشيخ فاعتبر بما حدث. فالمثال في المنطقة الآن حسب ما أفرزه الربيع العربي من حركات إسلامية صعدت للحكم هو الاحتفاظ بهذه المسافة فلا غناء للحاكم من مرجعية، فإن كثيراً من فساد الحكم يأتي من عدم الرؤية حيث عجلة العمل اليومي تعمي! كما أننا حيث أعدنا الحركة الإسلامية بعد المفاصلة أعدناها بوظيفة مرجعية وأداة تخطيطية. ثم إنها هي حكمنا عند الخلاف فلا بد من أن ينزل الجميع عند حكمها فهي الأعلى والله أعلى وأجل. فدوائر الحاءات الثلاثة متراكبة أدناها هو الكور والمركز. قد تكون تسمية الأمانة العامة ذات أصل اقتباسي من التنظيمات اليسارية، غير أن التنظيمات اليسارية قد انتحرت بالطريقة نفسها! فقد قرأت في مذكرات عبد الخالق الانقلابية تمثله بالقول:
حرام على بلابلة الدوح ٭٭ حلال للطير من كل جنس
وما زلت أذكر نبوءة (نصر الدين السيد) وقد كنا في السجن مع الترابي والصادق عبد الله والشريف الهندي الله يرحمه حيث قال نصر الدين بعد انقلاب الشيوعيين (والله ثلاثة أيام ما يتموها) وقد كان، فما هي إلا أيام حتى سمعنا سقوط عبد الخالق من حبل المشنقة في ليلة ماطرة من أغسطس بعد يوليو! ليكتب بعدها فؤاد مطر: الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟
إذن فالتجارب الإسلامية والإنسانية والسودانية تقول بفصل السلطات. والسياسة تقول بأنها هي فن الممكن. أذكر في اجتماع الشورى الماضي قال الأمين العام الأخ علي عثمان أن عبد الجليل هو صاحب المقولة: (ترئيس الشيخ وتشييخ الرئيس) لكن تمام الكلام هو ما كتبته للرئيس في أحد اجتماعات الشورى وهو أن ترئيس الشيخ وتشييخ الرئيس دعوتان قد مات أصحابهما فلنمتهما وعلى الأخوين أحمد عثمان مكي وعبد السلام المبارك الرحمة من الله. والأمور تجري بقدره.
يتساءل الصحفي أي الحاءات أعلى؟ وهذه الدراسة تجيب بأن الحكمة هي الأعلى إذا أخذناها بحقها وحقها العلو بها. فالمطلوب من المرشد أو الإمام أو الأمين أن يكبر على المنافسة فإن العامل العادي إذا ترفع عن الصغائر ناداه زملاؤه يا ملك! وتجربة أحزاب السودان الكبيرة كانت في عافية ما كانت هذه المسافة محفوظة فلما اضطربت اضطربت الأحزاب حيث أصر الختمية أن يملك أحمد كما استعجل الأنصار قبلهم أن يحكم الصادق كأنما حققتا مفهوم ترئيس الشيخ! فكيف كان تقويم التجربة التي عدل لها الدستور، إلا الصراع بين الإمامة والرئاسة. فالتاريخ يثبت أنه قد اهتزت صورة الإمامة كلما نافست على الرئاسة.
المادة من دستورنا المقترح التي قالت بمجلس تنسيق هي محل نقاش وقد طفح عنها رشح في أول استخدامها بالولاية المادة «22» (تنشأ القيادة العليا للحركة من قيادات الصعيد التنفيذي والسياسي والخاص) وإنما نشأ هذا النص من التخوف من تكرار النزاع السابق غير أن هذا النص في تقديري غير عاصم كما أنه لم يسم رئيس مجلس التنسيق! والأحزم ما دام الدستور للحركة أن يرأسها مرشدها أو أمينها على أن نوصف مهام الأمانة التي هي حسب هذه الدراسة مكان الإمام. وأن يختار لها من يأخذها بحقها فلا ينزل بها للمنافسة. فالفصل إنما يكون بالفصل لا بالدمج.
فإذا صوتنا لصالح هذه الدراسة علينا فك الاشتباك لتستقل الحركة بالمرجعية والقيادة الفكرية، وإنها هي الأعلى ما على قادتها على الصغائر! وتظل الحكومة هي المسؤولة عن التنفيذ وعن المواطنين. وليتواضع الداعون باسم البيعة أن نعطي للحكومة كل السلطة فإننا لم نصل بعد إلى خليفة راشد فما زالت تجاربنا قطرية تسدد وتقارب حتى تعود الخلافة التي ينشدها حزب التحرير! إن الكثيرين في حزبنا وحركتنا في صدورهم شيء من حتى وذلك لن يزول حتى تتمايز «الكيمان» ويصطلح على فرزها الإخوان ويختار الكل مقام من يصلح له. وحسناً فعلت الشورى الخاتمة إذ قررت عدم الجمع بين رئاسة الحركة ورئاسة الحكومة رغم حبي الكبير لكبر، وبشهودي النزاع هنا وهناك من وقت مبكر. إن مقولة السلطة المطلقة مفسدة مطلقة لحقّة. ولعل الثبات الذي في التجربة الإيرانية رغم الانقسام السياسي إلى إصلاحيين ومحافظين إنما هو من فصل السلطات والاحتفاظ بالمرجعية بعيداً عن المنافسة السياسية اليومية. إن اتهام القائد بأنه يؤيد أحد الطرفين لشيء آخر غير اتهامه بأنه يريد أن يحل محل الحاكم. ليكون هو الخصم والحكم.
إن مؤتمر نوفمبر سيكون مشهوداً من الربيع العربي، إذن فلنقدم نسقاً تنسيقياً بين الحركات يقوم على نسق تنظيمي متشابه هو الأقرب الآن لفصل السلطات بين الإرشاد والحكم أو الإمامة والرئاسة أو الأمانة والحكومة. وأمسك عن الخوض في التفاصيل حتى لا أفسد تجاوبكم مع هذه المذكرة التي لا تحتاج لعشرة لأن مرجعيتها القرآنية القائلة بأن الهداية هدف بينما السلطة وسيلة محل اتفاق.
(وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا) سورة الكهف الآية «24».
---
الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.