في الحلقة السابقة تحدثنا عن الحديث الذي يدور في الساحة عن الحركة الإسلامية في السودان، هل هي حركة مجتمع أم حركة ذابت في المجتمع؟ أم هي أخذت إجازة مفتوحة عقب البيان الأول للإنقاذ؟ أم هي حركة تجديدية؟ أم هي حركة فكرية أصولية مُستمَدَّة من الكتاب والسنة والقرءان دستورها؟ أم هي حركة أصبحت في عداد المفقودين؟ أم هي حركة ستلملم أطرافها وتنبذ العصبيات والجهويات والإقصاءات والانقسامات والتهميش لآل بدر وتعود سيرتها الأولى. كل هذه الآراء الإخوانية والرؤى هدفها الأول والأخير هو الإصلاح وعودة الروح إلى الجسد، وعلى الرغم من ذلك فقد حدثت ربكة في صفوف الحركة الإسلامية فهنالك من توقف تماماً عن العمل بل تم تهميش العضوية التي تنادي بالأصولية والسلفية والعضوية التي كانت تدير أمر الحركة الإسلامية في ساعة الشدة والعسر وزمن تضييق الخناق والزج في السجون. ومعظم هؤلاء الخُلَّص الصادقين المتجردين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الآن في الرصيف وفي حقيقة الأمر هم الرصيد الحقيقي للحركة الإسلامية وأصحاب الوجعة والصابرون والمتحسبون فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. فالحركة الإسلامية فقدت عدداً كبيراً من عضويتها بسبب الإهمال الشنيع فمنهم من ترك العمل وانزوى مما جعل الإحباط يصيب أعداداً كبيرة من العضوية الملتزمة وذلك بغياب البرنامج وعدم الالتزام بتطبيقه أحدث خللاً كبيراً (البرنامج التربوي ونظام الأسر والبرنامج الاجتماعي) مما جعل البعض يفكر في إنشاء وقيام جسد قوي للحركة الإسلامية يقوده مجموعة من الشباب والمجاهدين والشيوخ وأهل بدر والرصيف، وأن المجاهدين لهم رؤية وينشطون هذه الأيام لبلورة فكرة واضحة تحفظ ماء وجه المجاهدين والعهد الذي قطعوه مع الشهداء. فالحركة الإسلامية التي نعرفها ومنذ أن تربينا على هديها ونحن بالمرحلة المتوسطة لها خصائصها التي تميزها وتتفرد بها فهي ربانية تدعو للإيمان بالله والاعتراف بفضله وبشكر نعمه والانتفاع بما سخره للإنسان في الأرض والسماوات وتدعو إلى تزكية النفوس بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وإعمار الوجدان بحب الله وتعظيمه وطاعته وللمؤمنين أسوة حسنة في رسول الله. وكذلك ما يميز الحركة الإسلامية أنها شاملة أي أهدافها شاملة شمول الدين الحنيف تسعى لإسلام الحياة كلها لله تعالى تحقيقاً لمعنى لا إله إلا الله.. فالمجتمع بدولته وحكومته ومؤسساته الأخرى معينات للفرد ليسلم قلبه وجوارحه لله رب العالمين.. وكذلك فالحركة الإسلامية اجتهادية تعتمد القرءان الكريم والسنة المطهرة ومنهج النبوة أصولاً لاجتهادها ولالتزامها الفكري ولجهادها العملي وتحض على التفكر والتفقه والاستزادة من العلم والمعرفة بسنن الله الكونية والاجتماعية والنفسية وذلك لتحقيق الغاية من الخلق وهي العبودية لله رب العالمين وإعمار الأرض. والحركة الإسلامية كما تربينا على هديها منذ نعومة أظافرنا فهي دعوية تعلم الناس أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة وتهديهم إلى منهاج الدين الحق وترشدهم إلى مشكاة النبوة ومكارم الأخلاق وتأخذهم برفق ويسر إلى فهم أمور الدين والدنيا والتعامل معها عبر مدارج الالتزام والاختيار والعمل (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا). وكذلك فالحركة الإسلامية علمتنا وربّتنا وترعرعنا في أحضانها بأنها إصلاحية تهدف إلى دعوة الناس فرادى وجماعات إلى الاستقامة على أمر الله تعالى في شؤونهم الخاصة والعامة، محاسبة لأنفسهم ومراجعة لأعمالهم وأوبة لغفّار الذنوب، وتأخذ بالإحسان منهجاً وغاية وتسعى لإقامة أنموذج الإسلام في السودان إعماراً وعدلاً، وتنسق مع الجماعات الإسلامية والدعاة كافة لإحياء دور الأمة الإسلامية ورسالتها في العالمين. والحركة الإسلامية والتي تخرجنا في مدرستها علّمتنا الصدق والأمانة والإخلاص والتجرد وحب الأخ لأخيه في الله والتكافل والتراحم وترسيخ القيم ومكارم الأخلاق وتقوية النسيج الاجتماعي وتنزيهه من العصبيات القبلية والجهوية ورعاية الأسرة والطفل وتعزيز مؤسسات النظام الاجتماعي وتقويم مناهج التعليم بما يحقق نهضة الأمة وصلاح المجتمع وسلامته والاهتمام بالكادر الإعلامي ليكون معبِّراً عن قِيم المجتمع العليا وهادياً للسلوك القويم والعمل بالشورى وليس الانفراد بالقرار مع السعي المتواصل لتبليغ رسالة الله الخاتمة للناس كافة والعمل على تحقيق وحدة الأمة الإسلامية واسترداد دورها الرسالي في العالم والتفاعل مع قضاياها ومدافعة الظلم والطغيان والاستكبار ومناصرة المستضعفين. ولذلك كله ومن باب أولى إن كان الناس جادين لإعادة المياه إلى مجاريها لا بد من قيام حركة إسلامية قوية موحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا بعيداً عن القبلية والجهوية والتهميشية والإقصائية، أي حركة قوية نافذة تجبر ولاة أمورنا بالتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية كمنهج حياة شامل ومتكامل وإعادة كل العضوية الملتزمة التي فقدتها الحركة من آل بدر.. والله من وراء القصد وهو يهدي سواء السبيل.