«يازول .. يا فردة .. علينا قاي» بهذه العبارة حاول أحد تجار الأكسسوارات في سوق حارة اليهود استقطابنا للشراء منه ونحن نتجول بين المحلات، وقد نجح بالفعل في مبتغاه ولم نجد أنفسنا إلا وقد دلفنا بداخل متجره ونشتري منه: «شئ وشويات» وعندما سألناه إن كان قد زار السودان فأجاب: «لا ولكن ناوي». عمومًا لم نشعر بالغربة طوال فترة إقامتنا في قاهرة المعز فوجه الشبه بين القاهرةوالخرطوم كبير لدرجة التطابق عدا أن الأولى تفوقت على الثانية عمرانيًا.. الغبن الذي كنا نشعر به إزاء السخرية من السودانيين في الأفلام والمسلسلات تلاشى وتحول إلى ود، وعبارة «أجدع ناس» لم تفارق آذاننا عندما نجيب ب«نعم» عندما يسألوننا «حضرتكو من السودان؟» ومن ثم لم نجد دولة ولا شعبًا حاضرًا في أم الدنيا كحضور السودان ومواطنيه. القاهرة تيييت تمنيت لو أن لدينا عقلية تفكر في تقليد فكرة «المترو» بدلاً من العقليات التي مازالت تفكر في إعادة السكة حديد «سيرتها الأولى» فبجنيه أو اثنين يمكنك أن تصل لكل أطراف القاهرة قبل أن يرتد إليك طرفك وبغض النظر عن سرعته الصاروخية فإن هذا الاختراع حمل في جوفه الكبير سفينة نوح عبء كبير عن شوارع القاهرة التي تفوقت على شوارع الخرطوم في الازدحام وقد لاحظنا أن مستخدمي الطريق لا يحترمون قوانين وقواعد المرور فيقف أحدهم خاصة أصحاب التاكسي في منتصف الطريق ليقل راكبًا غير آبه بالكلكسات المزعجة التي تطالبه بفتح الطريق، وقد اعتاد الجميع إطلاق الكلكسات حتى لو لم تكن هناك ضرورة وقد أطلق السودانيون وصف «القاهرة تييت» على العاصمة التي لا تنام ولا تعرف الهدوء. خسارة فيه! محمد اللمبي سائق التاكسي الذي أقلنا من المطار وجاب بنا «وسط البلد» وهو يبحث معنا عن فندق نظيف نقضي به ليلتنا ريثما ننتقل إلى شقة صباح اليوم التالي عبَّر عن محبته لشعب السودان وهو يحدثنا عن الطفرة التي وصلتها مصر :«أنبوب الغاز موصل لغاية شقتي يعني مبستعملش أسطوانة، مش كان أولى حكومتنا تديه للسودان بدل إسرائيل»؟ وعبَّر عن تقديره كذلك للمرأة السودانية واصفًا إياها ب «الحلوة والمتفانية ولكنها خسارة في الراجل السوداني» وعندما سألته لماذا؟ أجاب: «هو كسلان أوي، تلاقي الواحد بيبيع حاجات ولو سألته :«بكام دي»؟ يجيب: «بكدة» ويرفع أصابعه. القصر العيني يا عيني! عبَّر محدِّثي وهو طبيب سوداني عن رغبته الشديدة في إلحاق ابنه بإحدى كليات طب القصر العيني، وقال لي ونحن ندلف لداخل المبنى المهول الذي يضم المستشفى وكلياته إن القصر العيني عبارة عن جزأين الأول القصر العيني القديم تبرع به أحد المليونيرات ويدعى «العيني» وأُطلق اسمه على المستشفى والثاني القصر الفرنساوي وتبرع به عالم من فرنسا وهو بالطبع أكثر فخامة من سابقه. حلم العودة لمصر كان في نيتي التجول في «أم الدنيا» حضرها وريفها ومواقعها السياحية والإعلامية ولكن لم تسنح لي الفرصة لأن من ذهب للعلاج ليس كمن ذهب للسياحة ولابد أنني في الزيارة القادمة سأرى الوجه الحقيقي لمصر . دموع في ضريح السيدة أسعدنا الحظ بزيارة ضريح «السيدة زينب» وقد خنقتنا العبرات وقد سالت الدموع من العيون مثلنا مثل جميع المبتهلات ما بين طالبة للشفاء ومشتهية للولادة وغيرهن ممن طلبن شفاعة السيدة الكريمة ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وختمنا زيارتنا بصلاة المغرب في مسجدالسيدة ونحن ندعو المولى عز وجل أن يمكِّننا من أداء صلاة الجمعة به ومن زيارة مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه. مصر المحجبة مصر التي شاهدناها ليست هي مصر غادة عبد الرازق أو إلهام شاهين أو نادية الجندي وغيرهنَّ من ممثلات الإغراء اللائي رسمن في مخيلتنا صورة غير محبَّبة عن مصر فوصفناها ب«السفور» فنادرًا ما تصادفك فتاة غير محجبة وإن كان البنطلون هو «إستايل» الحجاب هناك. ليست الخرطوم وحدها! شعرت ببعض الرضا حين رأيت القاهرة تتفوق على الخرطوم في النفايات حتى في شوارعها الحيوية التي تقع في وسط البلد والبعض يقول إن النفايات أتت بها الثورة ولكن ما يدحض هذا القول أن ميدان التحرير معقل الثورة نظيف. الجمهورية.. نفسيآات «جاتني نفسيات» وأنا أدلف لمبنى صحيفة الجمهورية.. عمارة ضخمة وفخمة وتحسرت على حال «الكناتين» التي نمارس فيها صحافتنا ولم تهدئ زميلتي ست البنات مراسلتنا من القاهرة من حالي فقالت لي: «جريدة الأهرام 3 عمارات».. نفسيآات. مطعم السودان تكاد الخرطوم تتجسد في شارع السودان الذي تُباع فيه كل البضاعة السودانية «كسرة ، مفراكة.. إلخ» وحتى «ستات الشاي» بملامحهن المميزة، وفي مطعم السودان تجد السودانيين ومعظمهم يرتدي «الجلابية البيضا ومكوية». أمام مدخل المطعم احتسينا كؤوس «الشاي المنعنع» الذي أعدته لنا «اعتدال» التي أفادتنا أنها تبيع الشاي في وقت فراغها «عشان تطلع إيجار الشقة»، فعملها الأساسي هو تجارة الشنطة بين القاهرةوالخرطوم وطلبت منا أن نحجب صورتها لظروف تتعلق بها، أما «الرضية» فقد رحَّبت بذلك لأنها أتت إلى القاهرة منذ تسع سنوات مع زوجها ووجدت في بيع الشاي عملاً لا بأس به لمعاونة زوجها فهي تتحمل مصاريف الإقامة والإعاشة. عبد الستار عبيد مدير مطعم السودان مصري يدير مطعم السودان وهو مشروع شراكة سودانية مصرية ضمن شراكات أخرى تربط صاحبي المطعم وقال لنا عبد الستار إن المطعم يقدم للسودانيين الوجبات السودانية كأنهم على أرض السودان ب «الظبط» الكسرة والعصيدة وفي رمضان يقيم ليالي رمضان بحضور القنوات السودانية خاصة «النيل الأزرق» وأعضاء السفارة السودانية يحضرون لتناول الوجبات السودانية، وكذلك أي مسؤول سوداني يزور القاهرة وحتى ست الشاي سودانية والمشروبات سودانية ،أما الزبائن فمعظمهم سودانيون وهناك بعض المصريين والعرب. وأردف محدثي :«السودانيين ملهومش في الأكل المصري وحتى الأسر بتجي» وقال إنه زارالسودان مرة واحدة ويتمنى أن تتكرر. أما الشباب أصيل الدين وعلام وموسى فيعتبرون مطعم السودان نقطة الارتكاز التي يتجمعون فيها استعدادًا للانطلاق نحو أي مشاوير أخرى. فاطمة السمحة فاطمة سيد أحمد محسية من جزيرة ملوتا عبَّرت عن اعتزازها بنشأتها في جبل أولياء بحكم عمل والدها في البعثة التعليمية ووصفت جبل أولياء بالمدينة المتحضرة قائلة «لما كانت لغاية السجانة ما في كهرباء جبل أولياء كانت فيها كهرباء وكان فيها مركز شرطة ومدارس». فاطمة استلمت عملها، كمدير مالي بسفارة السودان بالقاهرة قادمة من وزارة المالية في شهر6/2010 وقد أكد لنا كل المرضى المسافرين عبر القومسيون أن فاطمة «بت بلد وجدعة» تعيب فاطمة على تجربة العلاج بالخارج أن السودان يخسر في كل تحويل كبير أو صغير «12» يورو وبها صعوبة للمريض الذي يتحتم عليه أن يأتي للسفارة ويكمل إجراءت استلام الشيك ثم يذهب للبنك، وكان هناك اتفاق بين المالية والخارجية ووزارة الصحة أن يتم التحويل مباشرة دون المرور بالسفارة بل يذهب للمستشفى الذي سيتلقى فيه المريض العلاج ولكنها اعترضت على الفكرة وذهبت برفقة المستشار الطبي لمقابلة السفير وقلنا له ربما يتم التحويل للمستشفى ولا يتم العلاج وقد يعالجه ببعض المبلغ ولا يعطيه بقيته وقد يتوفى المريض فاقتنع السفير بهذا المنطق وأصبح المبلغ يحول عن طريق السفارة ويسلم الشيك للمريض وأردفت: «نتمنى أن تكون هناك طريقة لإعطاء المريض نقوده في يده قبل حضوره، لا أتكلم عن إرهاق لأننا نخدم أهلنا السودانيين ولكن ذلك كان أسلم فلماذا تستفيد منها الحكومة المصرية مع العلم أننا في كل يوم نستخرج «30» شيكًا في كل واحد تذهب «12» يورو للحكومة المصرية.. وأتمنى أن ترتفع كفاءة أطبائنا حتى لا يحتاج المرضى للسفر وقد اتضح أن المسألة ليست مرتبطة بكفاءة الأطباء بل العلة في التشخيص وألأجهزة لأن معظم المرضى يأتون وهم لا يعرفون حقيقة مرضهم، وتساءلت: «التشخيص مسؤولية منو؟ طبيب أم أجهزة؟».