حسناً تتواصل اللقاءات بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي لتبادل الرأي حول القضايا الوطنية، ذلك لأن مثل تلك المحاولات تمثل اتصالاً وتواصلاً، أو كما يسميها أقطاب حزب الأمة باللقاءات التراكمية، وهي التي تؤسس لتفاهم مشترك، وتضيّق من هوة التباين حول المعالجات المأمولة لمختلف المحاور التي ظلت مناطاً للتركيز بحكم أنها تدور حول الوطن ومستقبله سلماً وأمناً وعافية للمجتمع واستقامة لحركة الاقتصاد. فحزب الأمة في آخر لقاء له مع شخصيات رفيعة من المؤتمر الوطني، عبّر من خلاله عن رغبته في المشاركة بمصداقية في صياغة دستور دائم للبلاد، بعيداً عن تدخلات الدولة وأجهزتها، وبمشاركة واسعة للطيف السياسي والحزبي والاجتماعي، ليخلص الجميع لرؤية موحدة تجاه القواعد الدستورية الواجبة لحفظ الحقوق، وإتاحة الحريات، والنص الصريح على ما ينبغي أن يبقى، وذلك الذي ينبغي أن يزول، استهدافاً لإقرار العدل، وإزالة الظلم، وكفالة الحقوق، وتطبيق كل الذي من شأنه أن يحقق المعاني اللازمة للحكم الرشيد. ولا أجد مسوغاً لرفض ذلك الذي تمخض عن لقاء الحزبين، بل كان السيّد رئيس الجمهورية سبّاقاً في الدعوة لجميع الأحزاب والفعاليات لتنفيذ هذه المهمة، حيث كانت دعوة خالصة لا يشوبها دخل أو اتجاه نحو العزل والإقصاء. وبالاطلاع على ما تفضلت به قيادة حزب الأمة من رد على ما أثير من حوار باللقاء المذكور، كانت وجهة نظر حزب الأمة تنصب حول قضيتين أخريين، إحداهما كيفية إقرار السلام في دارفور ورؤية الحزب تجاه تلك القضية، أمّا القضية الثانية فكانت هي علاقتنا بجنوب السودان، وكذلك رأي حزب الأمة بشأن ما يسمى قطاع الشمال الحركة الشعبية. وبشأن قضية دارفور، لا أرى أنَّ حزب الأمة كان موفقاً عندما أورد شرطاً بضرورة عقد ملتقى جامع لكل أهل دارفور بما في ذلك حملة السلاح، ليكون مُخرج ذلك الملتقى إصدار إعلان للمبادئ، وذلك لأن وثيقة الدوحة قد تجاوزت المبادئ إلى وضع وثيقة للسلام، تضمنت بشكل حصري كل البنود التي ظلت موضوعاً للشد والجذب والاختلاف، كما تضمنت المعالجات والآليات وغيرها، حيث انضمت لتلك الوثيقة معظم الحركات التي كانت تحمل السلاح. وكان من الممكن أن يكون رأي حزب الأمة حول وثيقة سلام دارفور بالإشارة إلى ما يرونه نقصاً أو عيباً بدلاً من جرَّنا تارة أخرى إلى وضع مبادئ عامة بعد مشوار طويل أقرَّت فيه تلك المبادئ وعُبّد الطريق نحو مناقشة الحلول والمعالجات وتشكيل آليات التنفيذ. كما أن حزب الأمة القومي في رده المذكور آنفاً للمؤتمر الوطني، ظل في محطة الكل، بذكر كل فعاليات وأحزاب وحركات دارفور، لأننا نعلم أن كلمة كل لا تتحقق وإذا تحققت فإنها من المستحيل أن تصل إلى مستوى الإجماع، وكان ينبغي لحزب الأمة أن ينظر إلى القضايا ويقترح الحلول بعيداً عن المثالية ومنهج الذين يتحدثون عن المدينة الفاضلة. أما رد حزب الأمة القومي للمؤتمر الوطني، حول اتفاق التعاون المشترك، فقد كان رداً موجباً بالرغم من إشارتهم إلى ضرورة المصداقية والمتابعة في تنفيذ ذلك الاتفاق، وهذه الإشارة الأخيرة هي ذات الذي يركز عليه المؤتمر بوصفه شرطاً لنجاح وتطبيق ذلك الاتفاق. وبشأن جنوب كردفان والنيل الأزرق، فإن حزب الأمة يبدو عليه أنه غير قادر على اقتراح حلول، لأنه أشار إلى ضرورة الجلوس مع ما يسمى قطاع الشمال بالحركة الشعبية وفقاً لاتفاق كان من صنع المؤتمر الوطني، وهو اتفاق أديس أبابا الذي وقَّعه د. نافع، وهنا لا يجوز لحزب معين أن يلزم حزباً آخر، خاصة إذا كان هذا الإلزام في طرف منه ليس من صناعة الحزب الذي يود فرض هذا الإلزام، فالمؤتمر الوطني حر في تعديل مواقفه أو إبقائها كما هي، ولا أحد يكرهه على ما لا يريد. ويا ليت حزب الأمة كان صادقاً في هذه الجزئية ليقول قادته صراحة إننا لا نملك حلولاً بشأن قضيتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فالحل بيد المؤتمر الوطني ونحن نقبل الذي يراه. والحوار بين الحزبين ينبغي أن يتواصل لإجلاء المواقف ووضع النقاط على الحروف. وعلى العموم فإن لقاءات حزب المؤتمر الوطني بحزب الأمة القومي لا يمكن النظر إليها إلا بأنها قد اختطت طريق البناء والتفاهم والتداول وليس الهدم على الإطلاق.