ما أصدق القائل.. تعوي الذئاب على من لا كلاب له!! فمن أسفٍ فإن السودان يعيش في عُزلة عن أي نصير يحميه أو قريب يؤويه في زمان باتت الكرة الأرضية فيه مجرد غابة تستأسد فيها الوحوش الكاسرة التي أضحت تفتك بالصغار من الأرانب والحملان الوديعة وتُخضعها لهيمنتها بلا كابح من قانون لجماحها وسعارها ولا رادع من أخلاق لجنونها ولا حاد من قوة لتسلطها وجبروتها. في هذا الزمان العجيب أصبح الصغار يلهثون خلف نصراء يحمونهم من غدر الكبار ومن هنا نشأت التحالفات التي تسود عالم اليوم فكيف لغزال ضعيف أن يأمن مكر ذئب غدّار بدون أن يلوذ بكلب يصد المتحرش به ويردعه بنباحه؟! قارنوا بربِّكم بين السودان وسوريا وكيف فتك النظام السوري بعشرات الآلاف من الأنفس وكيف استخدم الأسلحة المحرمة بدون أن يتمكن مجلس الأمن أو محكمة الجنايات الدولية من فعل شيء بسبب الحماية التي تسبغها روسيا والصين على ذلك النظام الوحشي والدعم الكبير من الأسلحة التي وفرتها إيران للنظام السوري الحليف مما جعله يصمد أطول من الأنظمة الأخرى التي سقطت بفعل ثورات الربيع العربي. قارنوا بين سوريا وهي تفعل بشعبها الأفاعيل بحماية من روسيا والصين وبين السودان الذي أصبح ضيفاً دائماً على مجلس الأمن يتحرَّش به الصغار والكبار بسبب قلة النصير أو قُل انعدامه. حتى دولة الجنوب الوليدة بادرت بعقد تحالف مع دولة الكيان الصهيوني وكانت المحطة الأولى التي يزورها سلفا كير بعد إنشاء دولته هي إسرائيل التي قدّم لها من الشكر ما لم تحظَ به في تاريخها الطويل فقد أثنى الرجل على إسرائيل ولم ينسَ كل ما قدمته لجنوب السودان طوال فترة الحرب التي اندلعت قبل استقلال السودان. إسرائيل تضرب مصنع اليرموك لإضعاف السودان عسكرياً وهو يخوض معركته ضد قطاع الشمال والجبهة الثورية التي أقامت بعض مكوِّناتها مثل فصيل عبد الواحد محمد نور مكاتب لها في تل أبيب وأعلن عبد الواحد على رؤوس الأشهاد عبر قناة الجزيرة أنه حليف لتلك الدولة وأنه سيفتح لها مكاتب في السودان عندما يؤول إليه الحكم فما أتعس السودان الذي يطمع فيه المرتزقة والعملاء ويتوقون لحكمه!! كتبنا مؤخراً عن شحنات الأسلحة التي لا تزال تترى من جنوب السودان إلى قطاع الشمال والجبهة الثورية ولا نزال ننتظر فك الارتباط الذي ظل حتى الآن حبراً على ورق وطُبِّق من طرف واحد هو السودان وسمعنا وقرأنا عن رفض من جانب الجنوب ولا أحد يدري ما تُسفر عنه الأيام فالليالي من الزمان حُبالى ولننتظر لنرى!! قلنا كذلك في مقال سابق إن «الحرب خُدعة» وإنه إذا كان سلفا كير قد وقَّع على الاتفاق مضطراً بعد أن أرغمته الظروف الحرجة التي تُمسك بخناق الجنوب فإن موسيفيني لم يُلقِ السلاح فعاصمة الرجل «كمبالا» هي التي تشهد إبرام الاتفاقيات لتقوية الجبهة الثورية وما زيارة مريم المهدي وصديق الهندي وغيرهما والتوقيع مع الجبهة الثورية إلا دليلاً على أن الرجل لا يخضع لاتفاق أديس أبابا بل إنه جزء من مخطَّط توزيع الأدوار الذي تنسقه سوزان رايس وروجر ونتر بين جوبا وكمبالا بل إن خُدعة جيش الرب الذي اتُّخذ ذريعة لإدخال الجيش الأوغندي إلى دولة جنوب السودان للعب دور معين في مخطط المؤامرة على السودان لا تخفى على أولي الأبصار لو كان قومي يعلمون أو يقرأون!! المهم أن كلب أمريكا المسعور «موسيفيني» لا يزال يكيد للسودان فهو من أيام قرنق صديقه وزميل دراسته في تنزانيا جزء من مشروع تحرير السودان وإعادة هيكلته فالرجل من قديم يسعى لإقامة سودان إفريقاني علماني نصراني يُخرج السودان من هُويَّته الإسلامية ومحيطه العربي الإسلامي. آسف للاستطراد الذي قصدتُ به أن المؤامرة تجري فصولُها على قدم وساق ومن هنا تأتي أهمية البحث عن حليف مضمون نهشُّ به على المتطاولين ونردع به الأعداء ونحمي به بلادنا من المتآمرين. إذا كانت روسيا تمتلك قاعدة عسكرية في طرطوس فإن بورتسودان أكثر أهمية وأعظم من حيث الموقع الإستراتيجي ومن شأن الكبار أن يتهافتوا عليها لإقامة قاعدة عسكرية يمكن للحكومة أن تجعل من الاتفاق حولها مأموناً تماماً لا يشكِّل أي خطر على أمننا القومي أو سيادتنا الوطنية أو معتقداتنا. إننا نحتاج إلى حسم التمردات التي تضرب السودان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بل إن الجبهة الثورية وقطاع الشمال يفكرون في الانتشار شرقاً ونحتاج إلى حليف قوي سنفيد كثيراً من إقامة قاعدة في البحر الأحمر تمنحه موقعاً أهم وأخطر في أهم منطقة في العالم يتهافت عليها الكبار ويطمعون في موطئ قدم يمنحهم وجوداً فاعلاً في مياهها وأراضيها. لقد رأينا كيف لعبت دولة قطر الصغيرة مساحة وسكاناً الضخمة ثروة وإعلاماً بالبيضة والحجر وكيف حمتْ نفسها من تغوُّل بعض الكبار بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية لكنها تمكنت بحماية أمريكا من إيذاء أمريكا نفسها بقناة الجزيرة التي سمَّاها كلٌّ من بوش ووزير دفاعه رامسفيلد بالقناة الشريرة (VICIOUS CHANNEL) حين وقفت ضد الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان وكيف تمكَّنت قطر من لعب أدوار أكبر بكثير من حجمها ووزنها في إشعال ثورات الربيع العربي إعلامياً وسياسياً وكيف كسرت الحصار على غزة المحاصرة بزيارة أميرها الهمام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. إننا في حاجة إلى توظيف موقعنا المتميِّز في البحر الأحمر بثمن غالٍ لا ينتقص من سيادتنا الوطنية لكنه يمنحنا حماية وقوة نحرر بها أرضنا ونحافظ على دولتنا ونحمي بها هويتنا وترابنا الوطني. لقد آن الأوان للبحث عن حليف نرتق به فتق بؤسنا وضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس بل على الدنيا بأجمعها فمتى نسترد كرامتنا المهدرة ونستقوي بمن نهشُّ بهم على الأعداء؟! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.