رغم مرور أكثر من شهر على ضرب مصنع اليرموك للأسلحة إلا أن الحادثة ما زالت مكان استفهام للعديد من المتابعين رغم تكرارها أكثر من أربع مرات وتتهم فيها الحكومة كل مرة دولة إسرائيل، والعجيب أن الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات والدول «المحبة للحرية والسلام» والداعية لها لم يكن لها موقف يؤازر السودان في هذا الاعتداء السافر وغير المبرَّر. ومهما قيل عنها إنها بداية لاستشراف عهد حرب الفضاء والذي بدأ وانطلقت إشارته من السودان يجعل الأمر من الأهمية بمكان، حسبما أشار لذلك الكثيرون، في هذا الإطار التقت «الإنتباهة» بالخبير العسكري اللواء الركن طيار عبد الله علي صافي النور وأجرت معه حوارًا حول مجمل قضايا الراهن السياسي، والأمني فإلى نص الحوار: بصفتك خبيراً عسكريًا كيف قرأت قصف إسرائيل لمصنع اليرموك وفي هذا الوقت تحديدًا؟ ما دام هنالك هدف أرادت إسرائيل ضربه، والمعروف أنها ليست دولة جارة وليست جارة لدولة قريبة من السودان، فالسلاح الذي ستستخدمه إما صواريخ بعيدة المدى أو بالطيران.. وليست هذه المرة الأولى للأسف أن تعتدي إسرائيل على السودان، فقد اعتدت أكثر من ثلاث مرات على السودان تحت مزاعم الأمن القومي الإسرائيلي. لكن هذه المرة هل الهدف هو اليرموك كمصنع للأسلحة؟ اليرموك كمصنع ليس عليه أي نوع من الحظر المعلوم باعتبار أنه يصنع أسلحة مصرَّحًا بها، واستهدافه بهذه الصورة هو انتهاك لحرمة السودان ولا يوجد من يقول غير ذلك. ولكن المعلوم أن إسرائيل تجد السند من كل العالم الغربي وهي تتصرف بهذه الحرية لأنها تجد الحماية ويجدون لها المبررات أيًا كان. وإسرائيل بالنسبة لنا عدو قديم لذلك كان يجب أن نتحسب لمثل هذه الأعمال ونتصرف تصرفاً يحمي سماء هذا الوطن وأرضه بتطور التكنولوجيا المعلوم. كما ذكرت أن هذه الضربة لم تكن الأولى، فلماذا تصر إسرائيل على ضرب السودان جواً؟ ربما لأن ما يحدث في الإعلام عن علاقة السودان بحماس هو السبب ولكن علينا أن نحمي الأهداف التي يصورها الكثير من الذين هم ضد مصالح السودان لإسرائيل ويجدون لها المبررات.. أيضًا أعتقد أنه حتى معارضتنا بصورة عامة فإن كثيرًا منهم لا يفرق بين الوطن والحكومة وهم يذودون بعض الدول التي تناصبنا العداء ربما بمعلومات غير صحيحة وربما استغلوا في ذلك... سعادتك هناك من يرى أن الضربة مجرد تمرين للهجوم على إيران أو تخويفها إذا ما نجحت هذه الخطوة سيَّما وهناك علاقة عسكرية وطيدة تربط الطرفين، فكيف ترى الأمر؟ لا أعتقد أن هناك علاقة عسكرية وطيدة بين إيران والسودان وليس هو تمرينًا من أجل التدقيق للوصول لهدف آخر، فمثل هذه التمارين عدائية ولكن يمكن تكون مناورات فقط وإن كان تمرينًا كما تقول فقد تصل هذه الطائرات إلى هدفها دون أن تقصف لأنها وقتها لم تكن في حاجة إلى قصف.. فالاستهداف مقصود ومعني وليس المقصود به إيران، لا أعتقد ذلك. وعلاقتنا مع إيران ليست في صناعة الأسلحة كما يصور ذلك الإعلام، والمؤسف أنه حتى إعلامنا يصرِّح بمثل هذه الأقاويل، فنحن علاقتنا مع الدول العربية. وبماذا تفسر قدوم فرطاقتين إيرانيتين إلى السودان عقب الضربة الإسرائيلية مباشرة؟ هذا الأمر معني به العلاقة الخارجية، ولا أتوقع ان تصل السفن إلى السودان بعد الضربة بهذا الاستعجال، وأكيد هذه السفن موجودة في مكان ما في المياه الإقليمية، وزيارات السفن لا تعني دعمًا عسكريًا بهذا المفهوم.. وأعتقد أن القوات المسلحة قد عرضت أسباب الزيارة وحتى إن كانت من أجل الحماية فليس هناك ما يمنع ذلك. هناك من يدعو إلى التوجه نحو روسيا لتزويد منظومة دفاعاتنا بنظم قوية يصعب على إسرائيل اختراقها أو تعطيلها، فهل يمكن أن تكون روسيا حليف مرحلة؟؟ الأمر لا يتعلق بحليف أو غير حليف، ولا أقول دفاعاتنا الجوية ضعيفة ولكن الأمر يرتبط بقدر العداءات التي حولنا، بالتالي لا يوجد نظام في العالم اليوم يصعب اختراقه ما دام هناك علم يتطور وهنالك تكنولوجيا متطورة، والسباق نحو التسليح تجد الدول فيه بعض الثغرات، وكثير من الدول المتقدمة اختُرقت مجالاتها الجوية بطرق مختلفة ولا يعني أن جلب الرادار يحقق حماية مطلقة. مثل ماذا؟ مثل علاقاتنا الخارجية الدبلوماسية والسياسية وهنالك أطر للتعاون حتى مع دول الجوار فيجب علينا أن نقوِّيها ونحرص عليها، وما دمنا في مواجهة مع بعض الدول فلا بد من أن نعمل على جمع معلومات عنها ونقوم برصد تحركاتها ويكون لدينا معلومات أمنية قوية. هل معنى ذلك أن التحرك الدبلوماسي يمكن أن يكون بديلاً أفضل من الحماية العسكرية والأمنية ولذلك يمكن أن نستغني عن الرادارات وغيرها؟؟ لا أقول أفضل ولا بديل ولكنها مكمل للأوضاع العسكرية والأمنية لا شك في ذلك، وأيضاً يمكن أن تكون إنذارات مبكرة لكثير من التحوطات ومكملة بعضها لبعض. هل نتوقع ضربات إسرائيلية أخرى في ظل السكوت الدولي؟ ليس هناك ما يستدعي، أنا لم أكن أتوقع الضربة الأخيرة ناهيك عن توقع ضربة مقبلة، ولكن لا أتوقع ان تتكرر مثل هذه، فإلى متى وما هي الدوافع التي تتصرف بها إسرائل بمثل هذا التصرف، فلا بد من عمل دبلوماسي سياسي يحجِّم من هذه التوقعات. في ظل نشاط الموساد بالساحة كما أشارت لذلك جهات مسؤولة كيف تنظر إلى الحريات الأربع في ظل هذا الوجود ومدى خطورة ذلك على الأمن الوطني؟؟ أخي العزيز الاختراقات في هذا الزمن ليست فقط عبر أجهزة أمنية مباشرة فيمكن أن تُخترق من خلال الأجهزة الاقتصادية والاستثمارية أجهزة نقل أياً كانت، لكن الحريات الأربع إذا ما سارت الأجواء طبيعية بيننا وبين الجنوب شخصياً أعتقد أنها مطلوبة لنا وللجنوب، إذ أنه لدينا مصالح مشتركة، ولكن ليست حريات مطلقة، ولكن على أي دولة أن تحمي حدودها وأراضيها بقوانينها وتسمح بما هو مسموح وترفض ما هو مرفوض، وإن كانت هناك مخاطر فعلى الحكومة أن تدرس هذه المخاطر وتضع من الوسائل ما يجعلها تتدارك هذه المخاطر، ولا أنفي أن تتمخض عنها مخاطر فهي موجودة، ولكن على الحكومة عمل ما يمكنها من إبطال مفعول هذه المخاطر، وما دام هناك دولة حدودية لها علاقة بإسرائيل فعلينا أن نتوقع هذه المخاطر ولا أرى أن هناك جديداً في هذا الأمر. كيف تنظر إلى مخطط استفتاء أبيي واستعجال قيامه فيما يهدد أبناء دينكا نوك بنقل الملف إلى الأمن الدولي؟ الاستفتاء مواقيتاً ووسائل وطرقًا وتنفيذًا لا بد من أن توافق عليه جميع الأطراف، ولا يمكن أن يُفرض فقط من مجلس الأمن، كما لا أتوقع أن يساند مجلس الأمن السودان في قضيته في يوم من الأيام، ولذلك علينا أن نقوِّي دفاعنا وحمايتنا لهذه المنطقة ما داموا هم رأس الحربة في هذا الأمر، هذا بالنسبة لدينكا نوك، أما المسيرية بالنسبة لنا فرأيهم يهمنا، أما إذا لم يرضَ المسيرية بهذا الحل فلا يتوقع الجنوبيون أن هناك حلاً آمناً وسالماً، ولذلك رأي الدولتين والاتفاق أهم من فرضه، ولا أعتقد أنه سيُفرض من مجلس الأمن ولا الاتحاد الإفريقي. برأيك في ظل تمسك دينكا نوك بموقفهم الرافض لتصويت المسيرية على الاستفتاء هل هناك إطار قانوني واضح يدعم هذا الموقف وما هو مصير المسيرية؟ الاستفتاء يتحدث عن مواطني هذه المنطقة ولذلك يشمل المسيرية كلهم كما يشمل دينكا نوك وإن كان هناك مواطنون من قبائل أخرى مستوطنون لهم أيضاً الحق فليس هنالك منطق يعطي الحق فقط للدينكا دون غيرهم. وللأسف نحن قد اعترفنا بخيار الاستفتاء رغم أنه جائر وفي الأساس دخول منطقة أبيي طاولة المفاوضات منذ البداية لم يكن مدروساً بتعمق وهو الذي أدى إلى تراكم الحلول غير المجدية وأعتقد أن اعتراف الحكومة المبكر بمشكلة أبيي لم تكن موفقة فيه.. فلا بد كان حينها من إجراء دراسة أعمق حول المنطقة وحتى كلمة أبيي كان يمكن أن تكون مدلولاً يعبِّر عن اتجاهات وحقيقة المنطقة. وكيف تنظر إلى قضية «الميل 14» والحلول المفترضة بشأنها؟؟ قضية «الميل 14» أعتقد أن الوساطة لم تكن موفقة فيها وكأن هناك قصد غير شريف بزج هذه المنطقة في تلك الأتون فليس هي منطقة تنازع ولا نزاع وواضحة جداً حدودها منذ «1956م» فزج خريطة أمبيكي في منطقة «الميل 14» ليس هدفاً نبيلاً لكن أياً كانت دفوعات السودان في هذا الأمر واضحة جداً وليس بها حتى غبش لكن هي ربما تكون في إطار رفع سقوفات المطالب حتى يحصلوا على نوع من التنازل ولكن في الميل 14 فليس هناك أي نوع من التنازل حولها فأمرها محسوم وأعتبر أن مناقشة المقترح وقبوله والزجّ به هو كان الخطأ الأكبر. وكيف تنظر إلى تجاهل رسم الحدود فيما سعت الحكومة إلى توقيع اتفاق التعاون مع دولة الجنوب؟ رسم الحدود كان من المفترض أن ينتهي قبل الاستفتاء إذ أنه لا يمكن أن نفصل دولة ولا نعرف حدودها، ولكن أياً كان فإنه من خلال الاتفاقية الأخيرة اتُّفق على أن تمارس اللجان أعمالها وأعتبر أن تأخير ترسيم الحدود لا ينسف الأتفاق كما يقول بذلك البعض. حول دارفور كيف تنظر إلى الاتفاق الموقع مع فصيل من العدل والمساواة مؤخرًا؟ أي اتفاق مع أي فصيل يحمل سلاحًا لأجل السلام مرحباً به، وأكيد هو إضافة للاستقرار والأمن في دارفور.. وقد أتيت من زيارة لمنطقة كتم والوضع فيها مستقر تماماً وكل أهل دارفور بمختلف قطاعاتهم سئموا هذه الأوضاع، ولذلك نحن نرحب بأي فصيل يحمل السلاح يأتي وينضم لوثيقة الدوحة وهي مفتوحة وهذا الانضمام أكيد فيه إضعاف لحركة العدل والمساواة، وبهذه الطريقة يمكن أن تأتي الحركة كلها وتنضم للسلام.. وأنا شخصيًا أناشد كل حملة السلاح أن يأتوا لطاولة المفاوضات، والحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمات بينما البندقية لن تحل أي إشكالات وإنما تعمقها وتؤزم الأوضاع. ماذا عن نشاط الجبهة الثورية بدارفور؟ بعض الفصائل منضمة للجبهة الثورية ولكن إلى الآن الجبهة الثورية كحقيقة جسم هلامي وطرحه واضح هو تغيير النظام في السودان عبر العمل العسكري ولكننا نتوقع أن أبناء دارفور لن ينضموا لهذه الجبهة.