في مطلع الخمسينات دخل مدرسة خور طقت الثانوية الطالب ( أوجين طوبين) من أبناء الجبال النوبة. كان(أوجين طوبين) يجري في شرايينه تراث عريق من أمجاد جبال النوبة، أمجاد مملكة (تقلي) التي ازدهرت مائتي عام. حيث وفرت قلاع الجبال الحصينة قواعد انطلاق الثورة المهدية. قبل (الملك آدم أم دبلو) وجبال النوبة، كان الإمام المهدي يخطط لتحرير السودان إنطلاقاً من بحر الغزال. أيضاً كان يجري في دماء أوجين طوبين التراث النضالي ل(المك عجبنا)، الذي قاد المعارك ضد الإحتلال البريطاني، حتى سقط شهيداً على حبل المشنقة. وذلك بعد أن باعه العملاء من (قطاع الشمال) موديل القرن الماضي مقابل ألف جنيه، كما باع أمثالهم الأمير عثمان دقنة وأسلموه إلى القوات الغازية. في مدرسة خور طقت الثانوية التقى (أوجين طوبين) بطلاب قادمين من كل أنحاء السودان. كانت خور طقت الثانوية بيئة وطنية ناشطة سياسياً وفكرياً. فكان أن أصبح ناشطاً في حركة (الإخوان المسلمين) في خورطقت الثانوية. بدافع حماسة انتمائه الجديد قام (أوجين طوبين) بتغيير اسمه إلى (حسين خرطوم دارفور). بعد أن ظهرت نتائج امتحانات الشهادة السودانية، قدّم (حسين خرطوم دارفور) إلى الكلية الحربية، إذ كانت رغبته أن يتخرّج ضابطاً في الجيش السوداني. ولكن قبل أن يتخرّج شارك (الطالب الحربي) حسين خرطوم دارفور في انقلاب عسكري (إنقلاب كبيده). كان إلى جانب حسين خرطوم دارفور في الإنقلاب (الطالب الحربي) محمود عبدالله برات ( عضو في حركة الإخوان المسلمين). بعد فشل الإنقلاب تمت محاكمة حسين خرطوم دارفور وحُكم عليه بالسجن (5) سنوات. خلال فترة إقامته في السجن درس حسين خرطوم دارفور القانون وأكمل دراسته. بعد خروجه من السجن مارس مهنة المحاماة. أما زميله (الطالب الحربي) محمود عبدالله برات فقد غادر إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ليكمل دراسته الجامعية، ليصبح لاحقاً الدكتور محمود برات المحاضر في كلية التربية بجامعة الخرطوم. يشار إلى أن عدداً من الإسلاميين قد شارك في نهاية الخمسينات في الإنقلابات العسكرية التي لم يكتب لها النجاح. أبرز تلك المشاركات كانت على مستوى الأمين العام لحركة (الإخوان) الأستاذ الرشيد الطاهر (نائب الرئيس جعفر نميري) الذي حكمت عليه المحكمة بعد فشل الإنقلاب بالسجن (5) أعوام. في بعض تلك الإنقلابات جري التنسيق بين الإخوان المسلمين (الأستاذ ياسين عمر الإمام) والحزب الشيوعي (الأستاذ أحمد سليمان المحامي). وقد تمّ إعدام بعض الضباط الإسلاميين من الذين شاركوا في تلك الإنقلابات الفاشلة. كان بعض هؤلاء الضباط من الإسلاميين خلال دراستهم في مدرسة حنتوب الثانوية. كان الأمين العام للإخوان المسلمين الرشيد الطاهر بكر المحامي (رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1954م.) بحكم وضعه القيادي يوظف الكوادر الإخوانية في تلك الإنقلابات. على سبيل المثال كان الراحل (صادق مصطفى عطا الله)، وهو من المدنيين، يلعب دور حلقه الوصل مع العسكريين حيث كان يتحرك بسيارته داخل القيادة العامة للجيش لأداء المهام التي طلبت منه في تلك التحركات الإنقلابية. كما لعب دور حلقة الوصل بين العسكريين والسياسيين في انقلاب آخر المهندس كمال علي محمد (وزير الرّي) والذي كان خلال دراسته بجامعة الخرطوم مسئول حركة (الإخوان). في 25/مايو/2010م انتقل إلى جوار ربه فقيد الإسلام والسودان حسين خرطوم دارفور المحامي، (أوجين طوبين) سابقاً. وانطوت برحيله صفحة مجيدة من كتاب الحركة الإسلامية السودانية، حمل الفقيد برحيله أسراراً من عقدة بعض الإسلاميين الدفينة تجاه الديمقراطية الليبرالية، كما حمل رحيله أسراراً من كفاح الإسلاميين المثابر منذ الخمسينات لإقامة (دولة السودان الإسلامية) عبر الإنقلابات العسكرية. أيضًا فتح رحيل حسين خرطوم دارفور الباب واسعاً لدراسة دور الإسلاميين في جبال النوبة وأصالتهم في التعبير عن قضاياها وقضايا الوطن، قبل أن تزرع القوى الغربية قطاع الشمال وأمثاله من الجبهة الثورية لاختطاف هوية السودان وولايات السودان من مدارها الوطني الإسلامي إلى العلمانية، قبل أن يرجم عملاء (قطاع الشمال) كادوقلي بالكاتيوشا ومدفعية (الهاون).