تعود قضية أبيي بقوة من جديد إلى الساحة وتوضع على صفيح النقد الساخن الذي يوجهه أهلها الأصليون المسيرية نحو الحكومة والحركة الشعبية في جوبا ولجنة أمبيكي. وتحاول الحكومة السودانية بقدر المستطاع أن تحمي حقوق المسيرية في المنطقة و أحقيتهم للأرض، لكن بعد ماذا؟! بعد أن وقعت على مقترح تقدم به المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان جون دان فورث بعد أن اعتمد من الإيقاد ليكون اتفاقاً رسمياً، ويقول المقترح الذي أصبح اتفاقاً بشأن أبيي «تعرّف المنطقة على أنها منطقة مشيخات دينكا نقوك التسع التي حوّلت إلى كردفان عام 1905م» بالطبع قرأ الوفد الحكومي هذا الافتراء لكنه تجاوزه لاستعجال التوقيع على الاتفاق النهائي الذي هو اتفاقية نيفاشا.. لكن لماذا يكون الاستعجال على حساب المسيرية؟! ولماذا لم يفهم وفد الحكومة برئاسة علي عثمان وقتها ودانفورث والإيقاد وجون قرنق أن إلغاء تاريخ المسيرية بهذه الطريقة سيكون وبالاً على غيرهم مستقبلاً؟! والسؤال الذي نوجهه إلى دانفورث ومن وقع على هذا الاتفاق بشأن حسم مشكلة «أبيي» المختلقة بواسطة أبناء نقوك في الحركة الشعبية هو: هل بالفعل حوّلت منطقة أبيي من بحر الغزال إلى جنوب كردفان عام 1905م في عهد الحاكم العام البريطاني ونجت باشا؟!.. هل كان المسيرية بكل بطونهم في أبيي ضمن إقليم بحر الغزال؟!.. هل نزح المسيرية نحو دينكا نقوك؟!!.. هل هذه هي الحقائق التاريخية؟!.. يمكن أن يكون دان فورث قد تلقى إملاءات تفيد بأن أبيي جنوبية، ثم بنى عليها اقتراحه وهو لا يعلم شيئاً عن تاريخ المنطقة ولم يكن ضمن إدارة ونجت باشا ولم يكن أبوه ولم يكن جده، كل ما فعله هو استخدام النفوذ الأمريكي بطريقة غير مباشرة لتمرير الإملاءات. وإذا كانت الحكومة قد وقّعت بنفسها على هذه الإملاءات التي تبلورت كمقترح وقدمت في قاعة التفاوض كاتفاق رسمي، فلن تستطيع أن تحمي حقاً بعد ذلك ويكون قد انطبق عليها المثل السوداني «التسوي بإيدك يغلب أجاوديك».. نعم لقد وقعت الحكومة على اتفاق أبيي وهو بشكله الأخرق، فماذا يمكن أن يفعل لها أحد أو جهة حينما تقدم الوثائق التي تثبت تبعية المنطقة للسودان وإنها تقع شمال حدود عام 1956م. يقول الاتفاق أنها حوّلت إلى جنوب كردفان، وهذا غريب، ففي عام «1905م» كان دينكا نقوك بزعامة مجوك بين خيارين إما البقاء في كردفان مع المسيرية أو العودة إلى حيث إقليم القبيلة الذين نزحوا منه إلى دار المسيرية بسبب الحروب الأهلية.. وكان مجوك يفضل البقاء مع العرب عليه مع أهله الدينكا من البطون الأخرى وهو يفهم لماذا أصلاً كان النزوح إلى المنطقة العربية التي يقطنها المسيرية.. إنه تحسب للحروب الأهلية وظن أنهم سينزحون مرة أحرى إلى كردفان إذا عادوا إلى مناطقهم الأصلية في إقليم بحر الغزال. وحتى الاحتلال البريطاني بعد سن قوانين المناطق المقفولة لم يكن يستحسن بقاء دينكا نقوك في كردفان مع المسيرية حتى لا يكونوا جسراً ثقافياً بين الشمال والجنوب يؤثر على النتائج المرجوة من قوانين المناطق المقفولة. المهم في الأمر هو أن رئيس اللجنة الإشرافية المشتركة لأبيي السيد الخير الفهيم قال أثناء لقائه بالسفير الأمريكي أمس الأول بمنزله بأم درمان منزل الأول قال: «لدينا وثائق وتقارير تثبت أن قبائل المسيرية قامت باستضافة دينكا نقوك في أرضهم».. انتهى.. لكن السؤال المهم في الأمر أيضاً هو هل ستنظر الجهات المعنية بحسم القضية إلى هذه الوثائق أم إلى الاتفاق الذي وقَّعت عليه الحكومة السودانية؟! إن الأنسب الآن هو أن يرفض المسيرية هذا الاتفاق ويتحدثوا عن استعجال الحكومة السودانية التوقيع على الاتفاق، وأنهم كمسيرية لا يعنيهم هذا في شيء ولن يجعلهم يتنازلون عن حقوقهم التاريخية والجغرافية.