المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرف على العقل الذي يدير قناة العربية
نشر في الانتباهة يوم 09 - 11 - 2012


كاتب صحفي
«في مهنة الإعلام يجب أن يكون الخبرُ محايداً والرأي منحازاً»
هذا ما أجاب به الأستاذ عبد الرحمن الراشد عندما سُئل عن سبب إصرار قناة العربية على استخدام عبارة «الهجوم الإسرائيلي» على لبنان عوضاً عن عبارة: «الاعتداء الإسرائيلي» .
عبدالرحمن الراشد يقول: إن قناة العربية التزمت في ذلك بأصول «المهنية» الإعلامية التي تقتضي اختيار صيغٍ وعبارات محايدة عند نشر الخبر.
ويضيف الراشد أن العربية نقلت صور ضحايا الاعتداء الإسرائيلي، فالمشاهدُ إذا رأى تلك الصور فهو ليس بحاجة لأن يقال له:«هذا اعتداء» إلا إذا كان «قاصرًا عقلياً، أو صينياً لا يفهم المنطقة».
كنت سأصدق هذا الكلام لولا أني سمعت القناة في نشراتها الإخبارية تستخدم كثيراً عبارات: «اعتداءات سبتمبر» ، و«اعتداءات مدريد» ، و«اعتداءات لندن». فلعل قناة العربية لا تتذكر المهنية وأصولها إلا عند تناول أخبار مصائبنا نحن. أو ربما كانت القناة حريصةً على تفهيم الصينيين والقاصرين عقلياً، أن أمريكا وأخواتها تعرضوا لاعتداءات وليس مجرد هجمات.
أيضاً: حين تراق دماء الفلسطينيين على أيدي الصهاينة المجرمين، فإن عبدالرحمن الراشد يصرُّ على أن مذيعي قناة العربية يجب ألا يصفوا الفلسطينيين بالشهداء، وإنما هم فقط قتلى وصرعى. والسبب هذه المرة لدى الراشد ليس المهنية، لكنه الورع والخوف من الله. فالأستاذ الراشد يقول : «أنا كمدير محطة لا أمنح الناس الشهادة؛ لأن ذلك حقٌّ رباني».
كنت سأصدق هذا الكلام أيضاً لولا أني سمعت العربية مراراً تنتهك ذلك الحق الرباني، وتمنح الشهادة لمراسليها في العراق حين تتحدث عن الشهيدة «أطوار بهجت» والشهيد «علي الخطيب»، والمصور الشهيد «علي عبدالعزيز»!
هذه التناقضات المكشوفة والتبريرات الباردة نتيجة حتمية للمنهجية الغريبة التي يتعامل بها مدير قناة العربية مع قضايا أمته التي عاش زمناً طويلاً بعيداً عنها بعداً حسياً ومعنوياً.
الراشد يملك قلماً نشطاً لا يملُّ ولا يكلُّ من الكتابة ولو بصفة يومية. لكنه يكتب بنكهة أمريكية خالصة، حتى لكأنه ينظر لقضايا أمته من خلال نافذة صغيرة في البيت الأبيض.
حين وقعت هجمات سبتمبر وأعلن بعدها جورج بوش تقسيم البشر إلى فريقين، فريق في جنته وآخر في جحيمه، كان الكثير من الكتاب والساسة ينتقدون الهجمات ويعتبرونها جريمة بشعة، لكنهم يقولون: إن على أمريكا أن تتريث في ردة فعلها وطالبوها أن تقدم أدلتها وتستأذن المجتمع الدولي قبل أن ترُد عسكرياً. هنا لم يطق الراشد صبراً، فاستل قلمه من غمده وكتب مقالةً عنوانها «جماعة لكن» اعتبر فيها جميع هؤلاء مؤيدين ومناصرين للهجمات، لكنهم يخشون الإفصاح عن مواقفهم! «الشرق الأوسط 7/7/1422ه»
هذا المنطق ربما لم يتحدث به خارج أمريكا سوى عبدالرحمن الراشد.
وفي مواقف أخرى كثيرة مشابهة لا يكاد القارئ يجد كبير فرقٍ بين لهجة الراشد وبين لهجة الرئيس بوش أو تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية.
ففي تاريخ «19-7-1422ه» كتب الراشد مقالةً عنيفة هاجم فيها جميع الكتاب والمثقفين الذين يقولون إن هجمات سبتمبر «ردة فعل على ما تقوم به إسرائيل من تعسف وفظائع». وقال: إن هذا «ربط سخيفٌ تماماً». و«كلامٌ مجنونٌ تشمئز منه النفوس»!
وبعد مقالته تلك بأقل من شهرين ألقى مندوب السعودية بالأمم المتحدة فوزي شبكشي خطاباً مطولاً قال في عرضه: «إن التطرف والعنف والإرهاب هو نتيجة للظلم الفادح، بسبب غياب الحرية والعدالة». هنا تحركت حمية الراشد واستل قلمه من جديد، وكتب مقالةً عنوانها: «الإرهاب ليس وليد الظلم». وذكر أن عبارة المندوب السعودي أثارت «انتباهه واستغرابه»! لأنها تحتاج إلى «إثباتات ميدانية»! «الشرق الأوسط 5-9-1422ه» .
مرةً أخرى لما عزمت أمريكا على مهاجمة أفغانستان سارع الأستاذ ليكتب مقالةً عنوانها «فرصة أفغانستان لترتيب أوضاعها» أعلن فيها أن الأفغان أمامهم فرصة لتخليص بلدهم من لوردات الحرب وجنرالات المخدرات ومشاكل الأفغان العرب، لينعموا بالراحة والاستقرار. «الشرق الأوسط 5-7-1422ه» .
فليتَ الراشد يحدثنا الآن عن الراحة والاستقرار الذي حلَّ بربوع أفغانستان بفضل القنابل الأمريكية الذكية.
انتهى الأمريكان من أفغانستان وجاء دور العراق، وبدأ شياطين البيت الأبيض يتحدثون عن مشروع الغزو الجديد. عند ذلك أعلن ضيف المكاشفات في مقالةٍ له أن هناك شعوراً عاماً في العالم العربي، أنه إذا كان سقوط النظام العراقي يعني نهاية أزمة المنطقة على غرار ما حدث للأفغان، فليكن الأمر كذلك في بغداد. «الشرق الأوسط 7-10-1422ه» .
بعد ذلك بزمن، وحين كانت الطائرات الأمريكية تصب حممها على مدينة الفلوجة السُّنية كان قلم الراشد يقول: إن السنة العرب الآن تحت القصف بسبب عنادهم وجهلهم، وترك زمام قيادتهم للمتطرفين. وقال: إن معركة الفلوجة رغم ما سببته من أذى كبير، ربما أنقذت أهل السنة من متطرفيهم، الذين كانوا يقودونهم نحو الدمار!. «الشرق الأوسط 20-10-1425ه».
تماماً كما أن الطائرات والقنابل الأمريكية جلبت الراحة والأمان للأفغان وهي تقع فوق رؤوسهم، فإنها والعهدة على مدير العربية سوف تنقذ أهل الفلوجة حين تدفنهم تحت أنقاض بيوتهم!
ومرةً أخرى حين ظهرت فضيحة سجن أبي غريب وضجَّ لها العالم أجمع كتب الراشد مقالةً ذكَّرنا فيها بأن مثل هذه الجرائم تقع في السجون العربية كثيراً، وتحدَّث عن خطأ تعميم هذه الحادثة على الجنود الأمريكان.
لكن العجيب أن الراشد حين يتحدث عن المقاومة العراقية لا يرى مانعاً من التعميم، فهو لا يرى في تلك المقاومة إلا مجرمين يقطعون رؤوس العمال النيباليين، ويقتلون سائقي الشاحنات الأردنيين! «الشرق الأوسط 13-3-1425ه» .
وتمضي الأيام، وتبرز النكهة المميزة لكتابات الراشد حين قامت الحكومة الأمريكية بحملتها على الجمعيات والمنظمات الخيرية الإغاثية، ففزع مدير العربية ليكتب مقالةً عنوانها «منع العمل الإغاثي الخارجي» ذكَّر فيها أن الدول العربية كلها دول فقيرة، وبالتالي فعليها أن توجه تبرعات محسنيها للداخل فقط لا غير! «الشرق الأوسط 5-12-1422ه».
وتمشياً مع الهوى الأمريكي عند موت ياسر عرفات كتب الراشد مقالةً حثَّ فيها السلطة الفلسطينية الجديدة على مواجهة حركتي حماس والجهاد، وإيقاف أنشطتهما ضد الإسرائيليين بشكل لا تردد فيه. «حرب أهلية». «الشرق الأوسط 17-10-1425ه» .
وقبل ذلك لما اغتال اليهود الشيخ أحمد ياسين رحمه الله لم يجد الراشد ما يكتبه سوى مقالاً عنوانه «دعوا الانتقام» ألحَّ فيه على منظمة حماس كي لا تنساق وراء «المشاعر الغاضبة»، وذكَّرها بأن «الانتقام عملٌ أعمى» وأن أحمد ياسين كان من «الذين يحملون أرواحهم على أكفهم» ، وأن قتله كان متوقعاً في أية لحظة، فلا معنى إذاً للانتقام! «الشرق الأوسط 7-2-1425ه» .
هذه بعض مواقف الراشد ذات النكهة الأمريكية المركزة، ولدي من مثلها الكثير والكثير. لكن مع معرفتي القديمة بنزعات الراشد وميوله الغربية الأمريكية، فإني لم أكد أصدق عينيَّ وأنا أقرأ ما ذكره في آخر مكاشفاته صراحةً ودون مواربة حين أعلن أن الأمريكيين والغربيين «فقط» هم القادرون على فهم دين الإسلام فهماً صحيحاً، لأنهم متى دخلوا في دين الإسلام فسوف يتوصلون إلى«إسلام بروتستانتي مطوَّر يقوم على أركان الإسلام الخمسة ببدلة وكرافتة، متسامح في حقوق المرأة والعلاقات الاجتماعية ومع الديانات الأخرى».
هذه عبارة الراشد نقلتها بحرفها، وهي مقولةٌ لا تشير إلى معضلة فكرية فحسب، بل هي إعلان رسمي بأن عقل الأستاذ وآليات التفكير لديه تكاد تتحوَّل إلى منطقة منكوبة.
هذا الكلام الأخير معناه أن الفهم العصري الصحيح لدين الإسلام، والذي سوف يرضى عنه عبدالرحمن الراشد لم يوجد إلى الآن، وأنه لا يمكن أن يوجد حتى يتفرغ الغربيون ليدخلوا في دين الإسلام ثم يفسروه لنا تفسيراً صحيحاً مطوراً وبروتستانتياً متسامحاً!
هذه النظرة الموغلة في التطرف لا تستحق الوقوف معها كثيراً، لكن الذي يعنيني منها أنها أسقطت دعوى الراشد التي أطلقها في الحلقة الثانية من المكاشفات حين زعم أنه كان يرى في والده النموذج الصحيح لعالم الدين، وأنه ليس لديه مشكلة مع المتدينين ولا مع الوهابيين القدماء، وإنما مشكلته فقط مع التيار الصحوي المتأخر. فمن الواضح الآن أن الراشد لديه مشكلة مع مسلمي المشرق كلهم لأنهم في رأيه يفهمون الدين فهماً خاطئاً يفتقر إلى التسامح البروتستانتي العظيم!
عبدالرحمن الراشد سبق أن كتب منتقداً الجنود المسلمين في الجيش الأمريكي الذين يمتنعون عن القتال ضد إخوانهم المسلمين في العراق أو أفغانستان، ولما سأله الأستاذ عبدالعزيز قاسم عن موقفه هذا، ذكر أنه فقط كان يشرح وجهة نظر «العالم الجليل» يوسف القرضاوي. وكأن الراشد نسي أو تناسى أنه سبق أن وصف ذلك «العالم الجليل» على صفحات الشرق الأوسط بأنه «زعيم فرقة التطرف» ، وأن «له دوراً خطيراً في تخريب فكر المسلمين ودفعهم نحو الإيمان بالحرب والخطف والقتل» وأنه من «الشيوخ الحُمر» الذين يقومون بحركة انفصالية من خلال طرح أنفسهم بدلاء لمجامع الفتوى في العالم الإسلامي.
هكذا كان الراشد يصور القرضاوي لقرائه، لكن لما صدرت الزلة وأطلق القرضاوي فتوى أمريكية النكهة والهوى، أحسَّ الراشد بطعمها وحلاوتها في حلقه، فتنبه حينئذٍ إلى أن القرضاوي : «عالم جليل» يستحق أن تفرد مقالة لشرح وجهة نظره.
مما تساءل عنه الأستاذ عبد العزيز قاسم كثرة انتقادات عبدالرحمن الراشد لدولة قطر، مع أنها دولة صغيرة ليست لها تلك الأهمية الكبرى التي تستحق كل هذه الضجة. أجاب الراشد بأن انتقاداته سببها حالة التناقض و«الشيزوفرينيا» التي تمارسها قطر حين تنادي بالحريات وتمنع الآخرين من نقدها، وحين تريد أن تكون فلسطينية ثورية وخليجية نفطية في وقتٍ واحدٍ. وقال الراشد إن الإعلام يبدِّد وقته في الحديث عن لبنان وهي أصغر من «قطر»، ويتحدث كثيراً عن «البحرين» مع أن «قطر» أكبر من البحرين «17» مرةً.
لكن الراشد لم يتفطن إلى أن حالة التناقض و«الشيزوفرينيا» القطرية ما هي إلا فرع عن حالة تناقض أوضح لدولة أكبر من قطر بأكثر من «850» مرةً .
الراشد يغضب ويعجب من «الشيزوفرينيا» القطرية، لكنه يهلل ويصفق ل «الشيزوفرينيا» الأمريكية. هو يعجب من القطريين الذين يريدون أن يكونوا ثوريين وخليجيين في وقت واحد. لكنه لا يعجب من الأمريكيين الذين يريدون أن يكونوا حماة للحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه يريدون أن يكونوا أنصاراً لجرائم الصهاينة في فلسطين. وقد رأيت الأستاذ عبدالعزيز قاسم يلحُّ عليه في هذه النقطة، فلم يظفر منه إلا بإقرار واعتراف بوجود «أخطاء!» في السياسة الأمريكية في المنطقة!
ولعل الراشد لم يشعر ب «الشيزوفرينيا» الأمريكية بسبب امتلاكه ل«شيزوفرينيا» مشابهة لها. فقد رأيت التناقض والازدواجية ظاهرين في الكثير من كتاباته وطروحاته.
من ذلك أن وزير الثقافة المصري حين تهجم على الحجاب وأثار لغطاً وجدلاً واسعين في مصر، كتب الراشد مقالاً عنوانه : «النقد في المجتمعات الحية» أثنى فيه على الصحيفة التي نقلت تصريحات الوزير، وانتقد الذين قالوا إن نشر تلك التصريحات ليس في الصالح العام، واعتبر كلام الوزير نوعاً من النقد الذي هو جزء من الحياة السياسية الطبيعية. «الشرق الأوسط 8-11-1427ه».
لكن هذا الموقف ينقلب تماماً عندما انتقد الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي أستراليا المرأة التي لا تلتزم الحجاب، وقال إن من الطبيعي أن تتعرض تلك المرأة للاغتصاب، لأنها كاللحم المكشوف أمام القطط.
هنا نسي الراشد «النقد في المجتمعات الحية» ونسي أن النقد جزء من الحياة السياسية الطبيعية، فكتب مقالةً اعتبر فيها مفتي أستراليا مثيراً للفتنة، وتمنى لو أنه احتفظ برأيه لنفسه. وزاد على ذلك فذكر أن ذلك المفتي اتخذ من مثل هذا التصريح سبيلاً للشهرة والإثارة السياسية! «الشرق الأوسط 11-10-1427ه»
ويتكرر التناقض حين يطالب الراشد بمنع المخيمات الدعوية التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية خوفاً من أن يستغلها «الإرهابيون» لنشر أفكارهم. ثم يعود الراشد بعد ذلك ليتحدث عن مهرجان الجنادرية، ويفاخر بأنه قد دُعي إليه اليساريون والشيوعيون وبعض من عرفوا بعدائهم للمملكة، ثم يقول: «إن الثقة في النفس أعظم حماية للدولة من قوانين المنع»! «الشرق الأوسط 14-11-1422ه».
وكما نرى فمشكلة قطر موجودة لدى الراشد كما هي لدى السيدة «أمريكا». ولا يمكن أن يسلم من ذلك إلا أصحاب المبادئ الصادقون مع أنفسهم.
من طرائف الراشد التي توقفت عندها قوله: إن أدبيات الإسلاميين اليوم منسوخة من أدبيات الشيوعية العربية القديمة، وإنه لا يجد فرقاً في الأطروحات الشيوعية اليسارية التي كانت معادية للغرب وبين الأطروحات الإسلامية الحديثة جداً!.
هذا الكلام لا أستغربه بقدر ما أستطرفه وأضحك منه، فالراشد لما اعتاد النظر للمشرق من خلال نافذة البيت الأبيض، أصبح يرى ملة أعداء أمريكا واحدة. فلا عجب بعد ذلك إذا لم يبصر فرقاً بين موقف ودوافع شيوعي ملحدٍ ، وبين موقف مسلم موحدٍ ما دام الاثنان يعاديان السيدة أمريكا.
وأطرف من ذلك قول الراشد: إن الإسلاميين في السبعين سنة الأولى من القرن العشرين كانوا على وفاقٍ مع الغرب في باكستان والخليج والقرن الإفريقي ووسط آسيا وأفغانستان.
لست أدري عن أي وفاقٍ يتحدث الراشد، فهذه السبعون سنة التي يتحدث عنها مضى أكثرها، وشعوب المنطقة كلها ترزح تحت جبروت الاحتلال الغربي وتسعى لنيل استقلالها وحريتها بشتى السبل، وقد بذَلَت في سبيل ذلك الكثير من الدماء الطاهرة. ولم يسلم من المعاناة سوى صحاري الدولة السعودية، ومع ذلك فإن نُفرة أهلها من الغربيين أشهر من أن تذكر. وبسبب تلك النفرة واجه الملك عبدالعزيز رحمه الله مشكلات داخلية يعرفها من له أدنى إلمامة بتاريخ المملكة. فعن أي وفاقٍ يتحدث الراشد؟!
هل يقصد العلاقات الودية الرائعة التي كانت تربط بين عز الدين القسام والإنجليز؟! أو لعله يريد روابط المودة والصفاء بين الإنجليز والأفغان الذين أجلوهم بالقوة عن بلادهم! أو ربما قصد الراشد عمر المختار وحبه الجم للإيطاليين الذين قاتلهم إلى أن شنقوه! أو أنه عنى تلك العلاقات المميزة التي كانت بين مصطفى السباعي وبين سجانيه البريطانيين! أو تلك الوشائج التي كانت بين مليون جزائري وبين جلاديهم من الفرنسيين! أو لعله يومئ إلى تلك العلائق العظيمة والمتينة التي كانت بين الشيخ المجاهد «أبو الكلام آزاد» في الهند وبين المحتلين الإنجليز! أو ربما كان الراشد يشير إلى تحالف الإسلاميين في مصر مع دول العدوان الثلاثي!
ولربما كان الراشد يشير إلى علاقات المحبة والصفاء والمودة الخالصة والزيارات المتبادلة بين «إخوان من طاع الله» وعلماء آل الشيخ، وبين سفراء حكومة تشرشل وجلالة ملكته!
ختاماً أقول: إن عبدالرحمن الراشد قد يفيد الأمريكان والغربيين في معالجة مشكلاتهم معنا، لكنه لن يفيدنا أبداً في معالجة مشكلاتنا معهم مادام ينظر إلينا بأعينهم.
---
المصدر شبكة المشكاة الإسلامية
http://meshkat.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.