تنظر جهات ذات اختصاص في واحدة من القضايا النادرة والمعقدة والتي باتت تتسرّب إلى مجتمعاتنا المحافظة بشكل تلقائي وغريب، إذ احتارت الشرطة في تصنيف بلاغ تقدّم به «أب» يشكو فيه اختفاء ابنته في ظروف غير غامضة، التي تجاوزت الثامنة عشرة من العمر، ومكمن الحَيرة في أن الشاكي لم يشر إلى مكروه أصاب كريمته أو يساوره قلق بأن البنت قد تم اختطافها أو أصابها مكروه وإنما خرجت متمردة على عادات وتقاليد والدها الذي أنهى إقامته بدولة غربية وكانت الفتاة كارهة للمجئ والعيش وسط أهلها. يقول الشاهد في البلاغ إن الأسرة السودانية أنهت إقامة ابنتهم إكراهاً، وعندما وصلت الصغيرة للسودان قررت أن تعيش وفقاً لهواها وبمطلق حريتها التي تشربتها من الدولة الغربية، وترى حسب معتقدها أن حياتها هي الحرية وتخصها وحدها ولا يسمح لأي شخص أن يتدخل فيها طالما وصلت سن الرشد، بالتالي تفعل وتلبس ما تشاء وكيفما يحلو لها، فخرجت دون أن تُخطر أحدًا وبمحض إرادتها لمكان غير معلوم، بحسب التحريات الأولية فإن الفتاة خرجت مع أصدقائها وأنها تتعاطى كل ما يمكن تعاطيه من رذائل وخبائث وكبائر. رأي الخبراء من جانبه علّق الأستاذ الخير عبد الرحمن أستاذ علم الاجتماع بعدد من الجامعات السودانية ويقول: مصطلح «الثقافة الغربية» يستعمل للإشارة إلى مجموعة التراث الثقافي التي تشمل المبادئ الاجتماعية والأخلاقية، والعادات والتقاليد المحلية والمعتقدات الدينية، والأنظمة السياسية ومجموعة الآثار والأعمال التاريخية، وأيضاً التقنية منها. وأضاف أن الثقافة الأوروبية تقوم على عدة أسس أهمها تأثير الثقافة المسيحية الإنجيلية في طرق العيش اليومية من الإيمان الروحي، الأسرة والملبس والمأكل والعادات والتقاليد الشعبية إضافة إلى مبادئ الأخلاق. وعلق د. محمد صايل نصر الله الزيود أستاذ بالجامعة الأردنية على مفهوم العولمة وتأثيرها على الشباب العربي وقال في مقال نشرته مؤسسة الفكر العربي على موقعها الإلكتروني إن العولمة أدّت إلى تراجع دور الأسرة، فقد شهد عصر العولمة تفككاً في بنية الأسرة، ولعل مما يشير لهذا التفكك فقدان الأسرة لقدرتها على الاستمرار كمرجعية قِيمية وأخلاقية للناشئة، بسبب مصادر جديدة لإنتاج القِيم وتوزيعها، وفي مقدمتها الإعلام المرئي، فضلاً عن تخلي المرأة عن وظيفتها الأساسية في رعاية الناشئة، وإظهار طاقاتها في الإنتاج المادي على حساب «صناعة الإنسان»، كلّ ذلك أدّى إلى غياب البيئة الصالحة التي تنشأ فيها القِيم وتنمو فيها الأخلاق الإنسانية، والنتيجة هي أجيال من الشباب الضائع الحائر الذي يفتقر إلى الحب والحنان والانتماء. قانوناً وبالاطّلاع على القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م نلاحظ أنه ورد في الباب السادس عشر تحت اسم «جرائم الاعتداء على الحرية الشخصية»، ولم يرد بالقانون ما يطابق هذه الحالة إذ نطقت المادة «166» انتهاك الخصوصية بالآتي: من ينتهك خصوصية شخص بأن يطّلع عليه في بيته دون إذنه أو يقوم دون وجه مشروع بالتنصت عليه أو بالاطلاع على رسائله أو أسراره، يعاقَب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً، بذلك تُعتبر حالة الفتاة متمردة لحين إشعار آخر.