إذا كان الجنوبيون من دينكا الحركة الشعبية قد رفعوا شعار أيام الهالك قرنق «تحرير السودان»، فهم الآن قد انفصلوا واستقلوا، ولكن يبقى من قلة الذوق إن لم يكن قلة الأدب أن يظل ذات الشعار مرفوعاً «تحرير السودان» بعد أن كدنا أن نرى «عرض أكتافهم».. ثم يزيد الطين بلة عندما نعرف أنهم بدأوا يرسمون خرائط جديدة ويقومون بتغيير أسماء بعض القرى والمدن الشمالية ليدّعوا أنها جزء من الجنوب. والجنوبيون يعرفون أننا أكثر منهم خبرة وفهلوة وأكثر قدرة على رد الصاع صاعين في كل المجالات، وإذا كانوا قد عرفونا في ظروف الحرب والتوتر فسيعرفوننا في ظروف المطالبات القانونية مثلما أنهم قد يكتشفون أننا أبرع منهم في رسم الخرائط وادعاء الملكية مثلهم إن بعض القرى والمدن الجنوبية ملكية شمالية عالية النقاء وفيما يلي مجرد أمثلة: أولاً: مدينة الناصر يقال هي مدينة شمالية مليون في المائة وقد اشتراها الناصر عبد الرحمن السوداني ودفع فيها تسعة وثمانين ريالاً مجيدياً في عهد السلطنة العثمانية كما قام بتوفيق الأوضاع لاحقاً بدفع قيمة ثلاثة غنمايات وأربعة تيوس وبقرة واحدة.. وقد أطلق اسم الناصر على هذه المدينة التي كانت قرية ثم تحولت إلى مدينة كبيرة. ثانياً: مدينة البيبور ويقال إنه كان يملكها ذلك الخضرجي الذي بدأ فيها أول أعماله في بيع الخضروات وذلك في منتصف القرن الثالث الميلادي وكان يكورك منادياً الزبائن على بضاعته المعروضة من الخضروات واللحوم.. وعند آخر النهار كان يقوم بتقسيم ما تبقى من اللحوم والخضار مجاناً على السكان.. ولم يكونوا جنوبيين خوفاً من أن «تبور» وكان عندما يسأله الآخرون لماذا يوزع اللحم والخضار مجاناً كان يقول «بيبور» وجاء من بعده آخرون من التجار وباعة الخضروات وصاروا يكوركون آخر النهار ويقولون .. البيبور.. البيبور.. البيبور وبمرور الزمن اشتهرت القرية باسم البيبور ثم نشأت منها مدينة البيبور الحالية.. وقد ولد فيها العمدة عطاي ودُفن فيها في القرن الثامن وأعقبه مجموعة أخرى دفعوا أربعة ثيران وخمسة وستين تيساً للكجور الذي كان قد يشعل ميداناً كبيراً فيها وبهذا صارت ملكاً لهؤلاء الشماليين. ثالثاً: أما مدينة راجا فيُحكى عنها أنها تلك القرية التي أسسها الهندي شامي شنكار واشتراها منه جادين ود راجين الله.. وقد جاء اسم القرية خليطاً ما بين اسم راجا الهندي وراجين الله بت أم دربين فصارت (راجا) وقد دفع فيها التاجر الجلابي الشمالي «الزبير حسان» مبلغاً من المال يعادل قيمة سبعة حمير وثمانية غنمايات وتسعة «عنابليك» وذلك في منتصف القرن العاشر الميلادي وآلت إليه من جادين.. رابعاً: أما مدينة طمبرة فهي بتاعة واحد شايقي كان يعزف على آلة الطمبور واشتراها من صاحبها الأصلي بعدد عشرين جوال ذرة فتريتة وعلى طريقة عربي جوبا فإن الجنوبيين سموها «تمبورة» بدلاً من طمبرة ومن ديك وعيك ظل هذا لاسم الشمالي عالقاً بهذه المدينة. خامساً: أما بحر الغزال فهي من اسمها عربية الأصل وشمالية الهوية لأن كلمة بحر عربية وكلمة غزال عربية ولو كانت جنوبية لكان اسمها قد نطق بلغة الدينكا أو على الأقل لغة النوير أو الشلك أو أي لغة نيلية أخرى.. وعلى أقل تقدير لو كانت بحر الغزال جنوبية لكان اسمها قد نطق بلغة عربي جوبا مثل أن تقول «ولاية تاع بهر تاع خزال» أو تقول «ولاية خزال تاع إنتكم تاع بحر» وبما أن اسمها بالعربي الفصيح وبما أن الزبير باشا كان يحكمها كما هو معلوم فهي ولاية بتاع أنا بتاع شمال تاع سودان. أها يا جماعة رأيكم شنو في السلبطة دي.. أليست أفضل من فانتام التي قلتم إنها تحولت إلى هجليج وأفضل من قاردينا التي قلتم إنها سماحة بعد أن كانت سفاهة. {كسرة: على الرغم من أننا وقعنا ثمانية أو تسعة اتفاقيات مع الجنوبيين أشاد بها أسياد دولة الجنوب من الأمريكان والصهاينة ومندوبهم أمبيكي خاصة وأن الاتفاقيات اشتملت على أربع حريات قابلة لأن «تتمط» إلى أربعين أو أربعمائة حرية حسب المزاج والطلب إلا أن الجنوبيين لا يريدون أن يفكوا الارتباط مع ناس عقار وعرمان والحلو.. ولا يريدون أن يسحبوا قواتهم من أراضينا المحتلة ومع ذلك يريدون أن يمر البترول من اصقاع الجنوب وحتى بورتسودان.. ومفاوضاتهم مع وفدنا تتسم بعدم الاهتمام وعدم الترحيب حتى بالوفد المفاوض وعلى أقل من مهلهم يمشون الهوينى كما يمشي الوجي الوحل ومن المؤكد أن الجنوبيين ومعهم عرمان وعقار يحتاجون أن نشرح لهم الوجي الوحل بلغة عربي جوبا (إنتكم لو إندكم بقرة كبير ياهو دي الوجي .... بعدين بقرة تاع إنتكم ياهو يخش في التين بعدين كراع تاع بقرة تاع إنتكم ما يطلع بره.. إنتكم كده ياهو بقولو يحاولو يطلعوا بقرة هو ياهو ما يطلع إنتكم يقولو بقرة ده ياهو كده بعملتو «الوحل» ويا الله إحنا ورانا إيه إن شاء الله الفورة مليون..