من العادات القديمة التي ورثها السودانيون عن أجدادهم «الفراعنة».. وهنا أقصد «الفراعنة النوبيين» يعني ناس تهراقا وبعانخي والجماعة ديل. ورثوا عنهم عادة الكتابة على الحيطة.. وطبعاً زمن الفراعنة كانت اللغة تُكتب في شكل رسوم ويتم نحت الرسوم على الحجر الرملي المبني في شكل حيطة. و قد بقيت هذه الكتابة حتى الآن تحكي عن عظمة التاريخ وقوة الحضارة في ذلك الزمان السحيق ومؤخراً جداً انحصرت الكتابة على الحوائط في محاربة التبول عليها بكتابة عبارة ممنوع البول يا حمار.. ومع التطور الذي حدث في صناعة الورق من القطن أو من نبات البردي توقفت عادة الكتابة على «الحيطة» وتم استبدالها بالكتابة على الملصقات والأوراق.. وربما استمرت مع ذلك عادة الكتابة على العظام وألواح الشجر.. والكثيرون من القراء الذين يذهبون إلى «الجزارة» لشراء اللحم يلاحظون أن الجزار يلح ويصر على كسر عظم لوحة الفخذ قبل أن يرميه بعيداً.. لأنه ورث الاعتقاد الذي يؤمن بأن عظم الفخذ بالذات يُستعمل في الكتابة عليه لأغراض السحر و«العمل». ولعلنا نذكر أن الطلاب في المدارس يقومون بنحت أسمائهم على الحيطان على سبيل الذكرى، ويكتبون عبارات مشهورة منها «تذكار من أخوكم فلان الفلاني من أهالي قرية شلعوها» ويحدث ذلك غالباً عند إعلان الإجازة السنوية.. ومع ظروف الكبت السياسي على أيام الحكومات العسكرية ابتداء من زمن الاستعمار الأول والاستعمار الثاني، وناس عبود وناس نميري، والإنقاذ في بداية عهدها فإن بعض الأحزاب لجأت إلى الكتابة على الحيطان باستعمال الجير والبوهية لإبداء وجهة نظرهم السياسية المناهضة للحكومة.. وهنا أذكر بالذات فترة الفريق عبود حيث كان الحزب الشيوعي بصفة خاصة يمثل إزعاجاً وخميرة عكننة للنظام في كل مدن السودان تقريباً.. وقد اشتُهرت مدينة عطبرة بكثافة عضوية الحزب الشيوعي فيها حيث يوجد التجمع العمالي المكثف.. وكان الناس كل يوم يقومون من النوم ليجدوا أن «الشيوعيين» ملأوا كل الحيطان بالشعارات المناوئة للسلطة.. ويقوم البوليس السري وكان ذلك اسمه بالعمل على «شخبطة» الكتابة ومحاولة طمْس معالمها، لكنه بالطبع يفشل في إزالة آثارها وتظل تشهد بأن هذه الحيطة كان مكتوباً عليها كلام ضد الحكومة لسنوات عديدة حتى بعد زوال النظام.. وهذه المقدمة الطويلة سببها أننا نلاحظ هذه الأيام وجود كتابة على بعض الحيطان بعضها يسب الحكومة وبعضها يطالب بتخفيض الأسعار.. ويبدو أن هذا الأمر غريب بعض الشيء لأن المعارضين يمكنهم أن يكتبوا في الصحف أو الملصقات أو يعلنوا في الإذاعة ويقولوا ما يريدون أو يكتبوا ما يشاؤون على القماش وإن شاء الله على اللوحات المضيئة بدلاً من توسيخ الحيطان.. واحد من الزملاء يقول إن الجماعة ديل ما عارفين الحكومة فكّت الحكاية أو ما مصدقين أن حرية التعبير عن الرأي دي جد جد.. وأنا أقول يا جماعة والله ما في مشكلة اكتبوا زي ما انتو عايزين بس ما تكتبوا على الحيطة وصدقوني ما في زول بسألكم.. ولا داعي لتوسيخ الجدران في المدن الطرفية خاصة أن ما يريد كتابته الزملاء الشيوعيون بصفة خاصة أو أهل المعارضة بصفة عامة مسموح به تماماً.. وذلك مثل قولهم «الشعب يريد إسقاط النظام أو قولهم تسقط حكومة الإنقاذ أو قولهم تسقط حكومة الكيزان».. هذا علماً بأن أكبر الكيزان قد يردد نفس الشعارات ولا يحتاج إلى كتابتها على الجدران. { كسرة: من المفترض أن يكون وفد التفاوض السوداني مع وفد دولة الدينكا بجنوب السودان قد غادر البلاد لاستكمال التفاوض الذي لم ينتهِ مع أن الانفصال قد شارف العامين وليس من المتوقع أن ينتهي قريباً وأهم ما في هذه المرة أن وفدنا قد يستلم «ورقة» مكتوب فيها أن سلفا كير إن شاء الله «ربما يفكر في فك الارتباط مع المتمردين الشماليين» وبالطبع ليس هناك من يستطيع أن يجزم بأن الورقة قد وقَّعها سلفا كير ذات نفسو.. ثم من يدري أن الورقة ليست مزوَّرة.. ومن يدري أن سلفا كير أصلاً غير مفوَّض لتحرير هذه الورقة.. ثم ما هي فائدة الورقة أصلاً إذا كان عرمان وعقار والحلو مقيمين في الجنوب.. وتدعمهم حكومة الجنوب بالجيش والسلاح والمال ليحاربوا دولة السودان.. على كل حال لو كنت أحد أعضاء وفد التفاوض كنت سأطالب بورقة مكتوب فيها أن عرمان وعقار قد تم طردهم وأنهم الآن «برة الشبكة» وأن جيوش ناس عقار قد تم طردها وإخراجها وتسليمها لدولة السودان.. وأن الفرقة التاسعة والعاشرة لم تعد موجودة وأنه لا يوجد ولا عسكري واحد من الجنوب أو مدعوم منها في السودان.. وفيما عدا ذلك كنت سأقول لوفد التفاوض الجنوبي «هذه الورقة سأبلها وأشرب ميّتها» بطريقة الممثل المصري سعيد صالح في مسرحية المشاغبين ولأن الجنوبيين قد يحتاجون إلى تعريب الجملة بطريقة عربي جوبا كنت سأقول لهم «إنتكم وركة تاع سلفا كير ده يا هو ببلوهو في موية تاع جردل كبير بعدين ياهو انتو بشربو موية تاع وركة تاع سلفا كير عشان وركة دي ياهو تاع كلام تاع فارغ تاع ما بعملتو تكدم في مفاودات تاع سلاع تاع مسفوفات تاع ماتريكس تاع خواجات تاع سوزان رايس تاع توني بلير تاع جبهة ثورية تاع يوري موسيفيني تاع كمبالا.. إنتو بفهمتو كلام تاع أنا؟!!»