عدوى الخلافات بين المسؤولين وقيادات المؤتمر الوطني وخروج بعض القيادات عن مؤسسية الحزب والمركز، بدأت قبل الانتخابات الماضية إبان مرحلة ترشيحات الحزب، حيث أتى اختيار المركز قيادات لمنصب الوالي والدوائر التشريعية والقومية على غير اختيار قيادات الوطنى في ولايات «كسلا، النيل الأبيض، القضارف، الجزيرة، شمال كردفان، الشمالية والنيل الأزرق». الأمر الذى دفع عدداً كبيراً من قيادات الوطنى إلى الخروج عن عباءته والترشح لمنصب الوالي مستقلين، مثل باكاش بالنيل الأزرق، وتراجع فى اللحظات الاخيرة عن فعلها أحمد حامد بكسلا وفيصل بشمال كردفان وميرغني صالح بالشمالية وعبد الباقي بالجزيرة، ونجحت الجهود وقتها في طى الخلافات. وأخيراً تجدد الخلافات بظهور تيارات تطالب بإصلاحات في الحزب بالولايات، ورغم اختلاف دوافعها إلا أنها جميعاً توضح غياب المؤسسية داخل المؤتمر الوطني. فبعد كرم الله عباس بالقضارف يخرج والي شمال كردفان معتصم ميرغني زاكي الدين، وذلك في حوار مع جريدة «الصحافة» الذي بدا أسيراً لمرارات الانتخابات والتعيين الوزاري. ولم تقف تصريحات زاكي الدين عند ذلك، بل انتقد حزبه واتهمه برعاية الجهوية والقبلية، وأعلن أنه لن يترشح لدورة حكم أخرى، ليفسح المجال لجيل ثانٍ يتولى القيادة. ويقول الكاتب والمحلل السياسى جمال عنقرة «أحد أبناء الولاية» إن داء القبلية الذي يعانيه المؤتمر الوطني بولاية شمال كردفان كان الأبرأ والأبعد منه في الأوقات الماضية، ولكن تشاء الأقدار أن يكون المتنافسون على حكم الولاية من منسوبي المؤتمر الوطني في الانتخابات الماضية لهم انتماءاتهم القبلية التي توزعت على قبائل الولاية الرئيسة، فالثلاثة الأوائل كان أولهم فيصل حسن إبراهيم من الجوامعة، وثانيهم محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش من الحمر، والثالث معتصم زاكي الدين من البديرية، وبالرغم من أن المناصب لكل من الثلاثة لم تكن على أساس قبلي أو جهوي، إلا أن الصراعات التي تلت ذلك أخذت الطابع القبلى والجهوى، وكان الأمل معقوداً على الوالي الحالي معتصم ميرغني أن يعبر بالولاية بحور هذه الفتنة، إلا أن الأحداث كانت أسرع، والأمواج المتلاطمة كانت أعتى، فوقع في ما كان يسعى الجميع إلى تجاوزه، ومن الواضح أنه لم يكن سعيداً بذلك، والدليل على هذا تصريحه الذي أدلى به قبل أيام. وظلت ولاية سنار منذ وقت طويل تقاوم عدوى الخلافات، حتى برز الصراع ما بين المؤتمر الوطني والمجلس التشريعي.. حيث برز تيار من المؤتمر الوطنى يرى أن الوالي فشل في تنفيذ البرنامج الإنتخابي. وأرجع والي سنار المهندس أحمد عباس تلك الخلافات الى أن الوالي كان «معيناً» والآن الوالي «منتخب»، و «معين» هذه تعني لديهم أنه يمكن أن يثوروا ويطالبوا المركز بتغييره وفق مسبباتهم ويصدقونهم، أما الآن فإنه منتخب، وهذا يعني أنه سيظل، وإذا لديهم شيء فعليهم الذهاب إلى المحكمة. وفي القضارف يقود عدد من القيادات على رأسهم عبد الله عثمان أبو بكر دج تياراً يطالب بحجب الثقة عن والي الولاية، ويرى أنه فشل سياسياً وتنفيذياً. وفي ولاية البحر الأحمر يتكرر ذات المشهد بين فصيلي المؤتمر الوطني، بخروج مجموعة تيار الاصلاح التي أصدرت بياناً طالبت فيه المركز بالاسراع في إقالة محمد طاهر حسين، وهددت بعقد مؤتمر استثنائي لاختيار قيادة للحزب بالولاية. أما في الولاية الشمالية فقد دفعت الخلافات نائب الوالي ووزير التنمية والاستثمار محمد سعيد حربي ومعتمد البرقيق راشد همت، إلى خارج إطار المؤسسية. وأرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور الطيب زين العابدين، الخلافات بين قيادات المؤتمر الوطني بالولايات إلى غياب المؤسسية بالحزب، وأشار إلى أنه طوال العشر سنوات الاولى للانقاذ ظل الدكتور الترابي هو المسيطر وليس مؤسسات الحزب، فى حين أن الترابي لا يملك مكتباً ليدير منه أعماله، فكان الوزراء والمسؤولون يذهبون اليه في منزله بالمنشية. وأكد أن غياب المؤسسية أدى إلى ظهور المجموعات داخله، فهناك مجموعة نافع ومجموعة طه ومحموعة البشير وهكذا. وقال إن هناك بعض الوزراء يرفعون تقاريرهم لطه والبعض لنافع، وليس لمجلس الوزراء أو حتى المجلس الوطني، كما أن بعض الوزراء يفعلون ما يشاءون، مثلما فعل اسامة عبد الله بزيادة أسعار الكهرباء. وفي تصريح سابق للقيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي، أشار إلى أن خلافات الحزب في الولايات بدأت تلوح في الأفق وهي ليست حميدة، وعليه يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وأضاف قائلاً: «يجب تداركها من قبل الحزب حتى لا تتحول إلى ظاهرة كما نراها في الأحزاب الأخرى». وقال إن حزبه لم يتأثر بالانشقاق السابق، يقصد انشقاق الترابي عنه، وأضاف أن الفرص مواتية للمؤتمر الوطني الآن «ليلملم أطرافه»، خاصة أن الحزب مجابه بتحديات في المرحلة المقبلة، ومضى قائلاً: «هناك إمكانية وقوة ومناعة لدى الحزب من التأثر بالانشقاق.. ولكن الأمر يستوجب قدراً كبيراً من الاهتمام». وأكد عبد العاطي أن على المؤتمر الوطني أن يبارح محطات كثيرة وشخصيات كثيرة.. ولا بد من إبراز شخصيات جديدة.