قبل انتخابات أبريل الماضية كان هبوط طائرة نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية والسياسية د.نافع علي نافع في مطار إحدى الولايات يعني أنه حضر لتلقي بيعة او مخاطبة لقاء جماهيري حاشد بأنصار الحزب ،او للوقوف على تفاصيل مدى الجاهزية للانتخابات ،وفي تلك الفترة كان الدكتور المشهور بخطاباته النارية التي تنال رضاء قواعد الحزب وغضب المعارضة، في حالة حراك دائم ومستمر وممسكا بكل الملفات ،وبعد أن أسفرت الإنتخابات عن فوز حزبه ،هدأت تحركاته وجولاته الماكوكية ،موجها مدفعيته وجهوده صوب المعارضة ،بيد أن تطورات الاوضاع داخل الحزب الحاكم بعدد من الولايات أعادته الى إستئناف جولاته وتحركاته ليس لمخاطبة لقاءات حاشدة، ولكن للالتقاء بقيادات حزبه داخل الغرف المغلقة لاصلاح ما أفسده دهر الإنتخابات التي لم تنتهِ تتداعياتها بفوز الشجرة ، بل تعمقت وتشعبت ووصلت الى مرحلة الصراعات والخلافات العلنية بين قيادات الحزب بعدد من الولايات ،ويسعى الدكتور الذي تنتظره بحسب تأكيدات الكثير من المراقبين مهام جسيمة، الى اعادة حبات العقد التي بدأت في الإنفراط ،وتجسير هوة الخلاف بين زملاء الأمس، فرقاء اليوم ،وهي مهمه يصفها الكثيرون بالشاقة لجهة تباعد المساحات بين المتصارعين ..والخلاف داخل المؤتمر الوطني بالولايات بدأت فصوله وملامحه تتبلور قبل الانتخابات الماضية حيث صاحبت مرحلة ترشيحات الحزب لمنصب الوالي والدوائر التشريعية والقومية خلافات حادة ،وكانت شرارة الخلافات الاولى داخل مجالس الشورى بالولايات التي كان منوطاً بها انتخاب المرشحين الخمسة الذين يتم رفع أسمائهم للمركز لإختيار احدهم ليكون مرشح الحزب لمنصب الوالي ،ولأن اختيارات المركز جاءت مغايرة لما هو متوقع خاصة في ولايات كسلا ،النيل الابيض ،القضارف ، الجزيرة وشمال كردفان والولاية الشمالية والنيل الازرق ،قوبلت برفض من قبل عدد كبير من قيادات الحزب التي اعلنت وقتها الخروج عن عباءة الوطني والترشح لمنصب الوالي كمستقلين وفعلها باكاش بالنيل الأزرق وكاد ان يفعلها أحمد حامد بكسلا وفيصل بشمال كردفان وميرغني صالح بالشمالية وعبد الباقي بالجزيرة ،ونجحت الجهود وقتها في نزع فتيل الازمة ،ووقف الرافضون لإختيارات المركز مع المرشحين وجاء ذلك بحسب بعضهم الى الالتزام الحزبي فقط وليس قناعة في المرشح ، وأخيرا تجدد الخلافات بظهور تيارات تطالب باصلاحات في الحزب بالولايات وتبدو دوافعها مختلفة ،فهناك من ظل أسيراً لمرارات الإنتخابات والتعيين الوزاري كما اشار والي شمال كردفان معتصم ميرغني زاكي الدين في حوار سابق مع (الصحافة) الذي وصف معارضيه في داخل الحزب بالذين لم يغادروا محطات الإنتخابات والتشكيل الوزاري ، وهناك من تقف القبلية وراء معارضته العلنية للوالي ورئيس الحزب ،وفي ولايات اخرى يتحرك البعض في معارضته بداعي ديكتاورية رئيس الحزب كما يؤكدون وغياب الشورى والمؤسسية ،وتيارات اخرى بعدد من الولايات ترى أن الوالي فشل في تنفيذ البرنامج الإنتخابي ،وهكذا تتعدد الاسباب و النتيجة والواقع على الأرض يوضحان ان هناك ثمة خلافات حادة داخل الحزب الحاكم بعدد من الولايات استدعت تدخل نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية والسياسية لإطفاء نيران الحرائق التي اشتعلت ولم تعد ألسنة لهبها خافية على الانظار، وماحدث أخيرا بولايات القضارف ،البحر الاحمر ،الشمالية، شمال كردفان ،كسلا ،الجزيرة كشف عن تباعد الشقه بين أعضاء الحزب الواحد ،ووصل الحال لظهور تيار اصلاحي علني بعدد من الولايات ، ففي القضارف يقود عدد من القيادات الكبيرة مثل عبد الله عثمان ابوبكر دج تياراً يطالب بتصحيح مسار الحزب ويرى هؤلاء ان رئيس الحزب بالولاية فشل تماما سياسيا وتنفيذيا بل ان ابوبكر دج طالب بحجب الثقه عنه ،وفي ولاية البحر الاحمر لم يختلف المشهد كثيرا وشهدت الأيام الماضية خلافات حادة و تصاعدت حدة التوترات بين فصيلي المؤتمر الوطني بخروج مجموعة «تيار الاصلاح» بتظاهرات طافت سوق واحياء مدينة بورتسودان، وحمل المحتجون اسلحة بيضاء، ردا على ما أسموه بالاستفزازات والتهديدات التي بدرت من مجموعة نائب رئيس الحزب طاهر حسين واصدرت مجموعة تيار الاصلاح بيانا طالبت فيه المركز الاسراع باقالة محمد طاهر حسين، وهددت باللجوء الى تجاوز قيادات الحزب حال عدم استجابتها لبنود المذكرة بعقد مؤتمر استثنائي لاختيار قيادة للحزب بالولاية، ورأت انها ستحتفظ بحقوقها بالدفاع عن منسوبيها بكافة الوسائل المتاحة . وقال رئيس «مجموعة تيار الاصلاح داخل المؤتمرالوطني بولاية البحر الاحمر » علي سيد أبوآمنة، انه في غياب قيادات الولاية بدأت الاوضاع تؤول للانفجار والتأزم بسبب تعنت وممارسات نائب رئيس الحزب بتحريضه لمنسوبيه بالطواف في انحاء مدينة بورتسودان والاساءة والوعيد لبعض القبائل. واعتبرابوآمنة ان الامر انتقل من مرحلة الصراع الحزبي الى صراع قبلي ، معلنا عن عزمه التوجه الى المركز لابلاغ قيادات المؤتمر الوطني بخطورة الموقف والاسراع باقالة نائب رئيس الحزب . واضاف ان المركز كفيل بايقاف ما أسماه المجموعة، وعزلهم بعد ان استقدموا ظاهرة التلويح بالاسلحة البيضاء في اوساط مكونات بورتسودان . ، بينما حذر مصدر أمني بالولاية من مغبة تجاهل المطالب من قبل المركز ،وقال ان الولاية اصبحت على حافة الانفجار حال عدم تدارك الموقف من قبل المركز … ،اما في الولاية الشمالية فقد تطورت الاحداث بصورة دراماتيكية حيث بلغت الخلافات مداها باستقالة وزير الاستثمار ومعتمد البرقيق ،وذكر المتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني بالولاية الشمالية فقيري حمد الخبير أن أسباب استقالة اثنين من المسؤولين بحكومة الولاية هما نائب الوالي ووزير التنمية والاستثمار محمد سعيد حربي ومعتمد البرقيق راشد همت تمت خارج إطار المؤسسية، وأرجع الخطوة لعدم وضوح الرؤية في كيفية إدارة الحكم. وأكد فقيري أن مواعين الشورى أصبحت ضيقة في الولاية سواء كان على المستوى الاتحادي أو المحلي، مشيرا لوجود أزمة ثقة بين القائمين على أمر الحكم في الولاية إلى جانب عدم وضوح الرؤية في كيفية إدارة حكم الولاية.وزاد: ( الأمر برمته فيه عدم تفعيل لأوعية نظم العمل بالولاية) ، مشيراً إلى أن عدم التناغم بين مؤسسات الحكم بالولاية أدى إلى ظهور الاستقالات.وأضاف ان الوضع يحتاج إلى علاج عبر توسيع مواعين المشاركة وتفعيل الشورى وتحقيق الشراكة بين المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالحكم.وحذر المتحدث باسم الحزب في الولاية من تعقيد الأوضاع في حالة عدم المعالجة الآن .وتجدر الاشارة الى ان نائب الوالي المستقيل سبق وصرح في مؤتمر صحفي الخميس الماضي باعتراضه على تغول اسامة عبد الله - مسؤول السدود والكهرباء - على اراضي الشمالية...وتبدو المشاهد في كل الولايات متشابهة وهذا ماجعل الكثيرين يتخوفون من التأثيرات السالبة للصراعات داخل الحزب الحاكم على الاداء التنفيذي للحكومات ،وسعيا وراء إيقاف حدة الصراعات داخل المؤتمر الوطني بالولايات بدأ التفكير داخل أروقة الحزب بالمركز في البحث عن طرائق حلول نهائية للخلافات. وفي هذا الصدد كشف مصدر مطلع ل«الصحافة» عن اتجاه قوي برز داخل مؤسسات الحزب للفصل بين السلطة التنفيذية ورئاسة الحزب في الولايات والمركز في اطار سياسة التصحيح التي ينتهجها الحزب. وقال المصدر ان نقاشا قويا دار داخل مؤسسات الحزب لتطبيق المقترح، وايجاد مخرجات لمؤتمرات قاعدية لتطبيقه، واضاف انه في حال ورود الجمع بين المنصبين التنفيذي والحزبي في النظام الاساسي للحزب، فان الامر يتطلب الرجوع لمجلس شورى الحزب لصياغة لائحة جديدة وعقد مؤتمر عام لتنفيذ المقترح، لافتا الى انه في حال عدم ورود الامر في النظام الاساسي ،فان الامر لا يستغرق سوى عقد مؤتمر بناء قاعدي لتمرير المقترح. وقال المصدر ان المقترح وجد القبول من الامين السياسي للمؤتمر الوطني البروفسير ابراهيم غندور لدى زيارته لاحدى الولاياتالشرقية اخيرا.وفي تصريح سابق للقيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي اشار الى أن «خلافات الحزب في الولايات بدأت تلوح في الأفق وهي ليست حميدة، وعليه يجب أن تؤخذ في الاعتبار»، وأضاف: «يجب تداركها من قبل الحزب حتى لا تتحول إلى ظاهرة كما نراها في الأحزاب الأخرى»، وقال إن حزبه لم يتأثر بالانشقاق السابق، يقصد انشقاق الترابي عنه،واضاف : وعليه فإن الفرص مواتيه للمؤتمر الوطني الآن «ليلملم أطرافه»، خاصة أن الحزب مجابه بتحديات في المرحلة المقبلة، ومضى: «هناك إمكانية وقوة ومناعة لدى الحزب من التأثر بالانشقاق.. ولكن الأمر يستوجب قدرا كبيرا من الاهتمام». ولاحظ عبد العاطي أن حزب المؤتمر الوطني ركز على حل خلافاته مع غيره بصورة جيدة غير أنه يحتاج الآن لحوار الداخل بين المنتمين إليه لتدارك الأمور، حسب قوله. وشدد عبد العاطي على أنه على المؤتمر الوطني أن «يبارح محطات كثيرة وشخصيات كثيرة.. ولا بد من إبراز شخصيات جديدة».