الصدام بين صحيفة «الانتباهة» والحركة الشعبية لتحرير السودان ليس جديداً، فقد شهدت الفترة الانتقالية لاتفاقية نيفاشا 2005م، شكاوى متعددة من قبل قيادات الحركة من الخط العام للصحيفة، لدرجة أن رئيس الحركة سلفا كير ميارديت خاطب الرئيس عمر البشير بشأنها، واستمر الشد والجذب بين الجانبين إلى أن أصدر جهاز الأمن والمخابرات قراره بإغلاق الصحيفة في يوليو 2010، بحجة تحجيم ما اسماه الدور السالب في تقوية الاتجاهات الانفصالية في الجنوب والشمال، رغم أن الاتفاقية كفلت حق حرية التعبير لأنصار خيار الانفصال كما الوحدة. ذلك الحق الذي استقام عليه الاستفتاء لمواطني الجنوب. إيقاف الصحيفة أعلى من أسهم الحركة سياسياً في الظاهر، إلا أن الحقيقة وراء إغلاق الصحيفة كانت أسبابه كتابات تناولت رؤساء دول الجوار، منهم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، عبر مقال «فرعون ليبيا». لم يتوقف السجال بين الطرفين حتى بلغ الخلاف ذروته عندما منعت حكومة الجنوب دخول عدة صحف للإقليم في مقدمتها «الإنتباهة» بالإضافة ل«آخر لحظة» و«الأهرام اليوم»، وذلك إبان الحملة الانتخابية للاستفتاء، حيث وصلت الأعداد التي تطبعها الصحيفة لمائة ألف نسخة، منع النسخ الورقية لم يحجب الصحيفة عن طالبيها الذين اتجهوا لمطالعتها عبر الوسائط الالكترونية، من خلال الانترنت. وبعد الانفصال في يوليو 2011 إزداد تأثير الصحيفة بدولة الجنوب من وجهين، الأول نقل أخبار المعارك الدائرة بين حكومة الجنوب والمليشيات المتمردة مثل جيش تحرير السودان والكوبرا وقوة تحرير الجنوب بولايتي جونقلي والوحدة وغيرهما، عبر القيادات الرئيسية أمثال جورج أطور وقلواك قاي، والقيادات الأخرى بعد اغتيال الاثنين، خاصة وأن للمواطن الجنوبي اهتماماً كبيراً بمعرفة تفاصيل هذه المعارك. الثاني أن الصحيفة صار لها دور مؤثر في صنع القرار الجنوبي، وذلك عبر دورها في نشر قضايا الفساد المتصلة بالقيادات الحكومية، ومنها قائمة المسؤولين السبعين الذين أنذرهم الرئيس سلفا كير بخطابات طالبهم فيها برد الأموال التي استولوا عليها دون وجه حق، فضلاً عن الإطاحة بعدد من حكام الولايات المدرجين ضمن تيار الفساد، هذه الحيثيات هي التي أعادت الصحيفة لدائرة الاهتمام الرسمي بالجنوب، عبر الاجتماع الذي خصص للتنوير الذي قدمه نائب الرئيس رياك مشار حول زيارته لأمريكا ولقائه للمدعي العام للجنائية الدولية، فاتو بسنودا، حيث أمر سلفا كير بحسب الخبر الذي أوردته الصحيفة أمس الأول أمر وزير الشؤون القانونية جون لوك بتحديد مصادر الصحيفة، التي تكشف الكثير من الاجتماعات الخاصة لقيادات الدولة، بجانب نقلها لمقابلات القيادات الجنوبية مع المسؤولين الغربيين، مثل لقاء مشار مع فاتو، وأيضاً لقائها مع الأمين العام للحركة باقان أموم. وأشار الخبر إلى قلق سلفا من نجاح الصحيفة من الحصول على المعلومات من مصادر رسمية وغير رسمية. الجدير بالذكر أن صدور «الإنتباهة» ذو ارتباط وثيق بتوقيع اتفاقية نيفاشا 2005، التي تعتبر من المراحل السياسية الفارقة في تاريخ البلاد، لذا لم تخل من كونها مثار خلاف واتفاق بين مكونات المجتمع، من ضمنها الأحزاب السياسية، بما فيها طرف من قيادات الشريك الأساسي في الاتفاق ،أي المؤتمر الوطني نفسه، من إفرازات الاتفاقية ظهور «منبر السلام العادل»، الذي تأسس لمناهضة الاتفاقية باعتبار أنها تمضي في اتجاه للسلام لا يحتكم للعدالة، شملت عضويته شخصيات من أحزاب مختلفة، ومستقلين، بالإضافة لعسكريين بالمعاش، وطرف من قيادات المؤتمر الوطني منهم بابكر عبد السلام والطيب مصطفي كقيادات للمنبر. ومن المؤيدين للمنبر كقوة ضغط على الحكومة، قطبي المهدي وعبد الوهاب عثمان في أوقات سابقة، ولما كانت السياسة العامة للدولة ضد توجه المنبر الذي لم يجد مساحة أعلامية تمكنه من التحرك للتعبير عن رؤيته، فكانت الحاجة لإصدار صحيفة هي «الإنتباهة»، نجاح الصحيفة المطّرد دفع الحركة للوقوف وراء إصدار صحيفة «أجراس الحرية» التي تم إيقافها عقب الانفصال. وللوقوف على مزيد من التفاصيل، هاتفت الصحيفة عدداً من قيادات الأحزاب الجنوبية بالخرطوم إلا أنهم أبدوا اعتذارهم عن التعليق في أي موضوع له صلة بدولة الجنوب، وفي السياق نفسه أوضح مدير مركز الراصد د. ياسر أبو الحسن أن «الإنتباهة» هي الصحيفة الأولى عند الجنوبيين، لأنها تفصح عن الحقائق المغيبة عنهم، لا سيما عقب الانفصال، فالبرغم من وجود صحف تنشر باللغة العربية بالجنوب، إلا أنها مرغوبة بشدة لكونها المصدر الأساسي للمعلومات عما يدور بالجنوب، وذلك على غرار ما يفعله السودانيون الذين يبحثون عن أخبار السودان في الوسائط الإعلامية الأجنبية. وأضاف في حديثه ل«الإنتباهة» أن محاولة حكومة الجنوب البحث عن مصادر الصحيفة يعود لإدراكها لمدى خطورة تأثيرها على مستوى التفكير العام على المواطن الجنوبي.