كردفان الغرة أم خيرًا بره خصها الله بجمال يأخذ بنياط القلوب وبطبيعة خلابة ولعلها في ذلك ينسحب عليها قول شاعر الشعب الكبير الرائد إبراهيم العبادي حين قال في مسدار «سايق الفيات» الغنائي: انظر يا صديقي وشوف يد القدرة وشوف حسن البداوة الما لِبس بدرة هكذا تبدو كردفان في جمالها وفي ظلالها وفي رمالها ورباها وجبالها وانعكاس ذلك الرواء وتلكم المرائي على وجوه أهلها سماحة وبشراً.. كل ذلك نجده قد تجسد في روح وأنفاس وآمال وآلام وأشواق من جسّدها في لوحاته الشعرية شيخ شعراء كردفان وترجمان وادي عبقر بها الشاعر الأديب قاسم عثمان بريمة الذي قال حين سألناه عن سر عمق امتلائه بهذه الولاية الكبرى وعن تعلقه الشديد بها وكيف كان سيكون لو لم يولد بها فقال لو لم أكن قد وُلدت بها لتمنيت أن أُدفن بين رمالها السمر!! كان هذا قبيل رحيله بقليل في عام «2010م» وقد كان، إذ هي لديه مشواره الأول والأخير كما قال بذلك وهو على مشارف الدخول إلى حياة البرزخ.. قاسم بريمة شاعر يتبدى أول ما يتبدى فيه قوة وشفافية التحامه بالبيئة الكردفانية وهو في ذلك يناغم الحاردلو في البطانة وعكير الدامر في نهر النيل إذ نجد كردفان في تغنيه بجمالها ملهمته الأولى هي: موفورة النفل الهيبة الكست الحفل فيقول عنها وهي في عنفوان وغمرة الفرح ببكاء سحابها المشجون للهتن والانهمار الواهب: يبكي سحاباً يدفق مويته الرقراقة والفنانة تنسج توبه من أوراقه تنبيك عن جماله ومقدرة خلاقه وكان الشاعر الضخم قاسم عثمان بريمة الذي اقتحم السودان والعالم بالأغنية الكردفانية من خلال قيادته لقطار الغرب الإبداعي برئاسته لفرقة فنون كردفان نواة لانتشار هذه اللونية.. كان قاسم عثمان ينطلق في تلك المعرفة وذلك التعريف بإلمامه الواسع وقراءته الباصرة للإبداع الكردفاني ولتاريخ كردفان واستقراء جغرافية الفن والعطاء الإنساني بها فكان بذلك مستحقاً لصفة ترجمان وادي عبقر بكردفان الكبرى فقد عبَّر أجمل وأكمل وأصدق ما يكون التعبير عن معطياتها في كل مجال فكان لسان حالها في الشدة والرخاء فاتسمت تجربته بالعمق والسهولة. فارتسمت كردفان في روحه ووجدانه مخامرة لخياله بأزهى التصورات من قبل أن يرسمها ويجسمها على مرسم لوحاته الزاهية التي هي كل قصائده لم لا وقد تشبع ومنذ نعومة أظفاره بأنفاس وبمرائي حاضرتها وفرقانها وبواديها التي رفدت طفولته بما شب وشاب عليه من حب ووفاء لكردفان الحبيبة فتشبع بدعاشها على حال يناغم أهزوجة «الما شم ريحة الدعاش ما عاش»!! فاختزن تلك الصور ومضى طوال عمره الحافل المحتفل بكردفان وحفاوتها بالوطن الكبير وحفاوة الوطن بها إذ هي قلبه النابض بالخير والعزة والكرامة والود الموفور. مضى يُخرج مخزون وجدانه الموّار بها ليُخرجه زيًا فزيّا» كما قال بذلك العم الشاعر الكبير محمد المهدي المجذوب ذلك حين كان قاسم بريمة على حال من نشوة لا تفارقه حين يتبتل في محاريب الطبيعة على فروة «الخريف في كردفان» حين يرسل بصيرة إبداعه الملهمة من خلال نوافذ باهرات تفضي به إلى عوالم شابها طلاء من الزيف أو التسطيح، قبلتها التفكر في ملكوت الله بمنظور جمالي يمجد فيه قاسم عثمان قدرة الخالق العظيم داعياً إلى شكران النعمة والدلالة عليها في كل ما كتبه عن الخريف في كردفان ذلك المسدار الذي هو حياة قاسم عثمان بريمة بطولها وعرضها إذ هو في مقام فيلم تسجيلي لارتباط كردفان بالخريف وارتباط حياة الناس به على هدي (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وفي تقديرنا وفوق كل ذي علم عليم فإن ولاية شمال كردفان مطلوب منها أن تلتفت إلى هذا الكنز الإبداعي الزاخر بالمكنونات المفيدة. الشاعر قاسم عثمان بريمة هذا المبدع الذي ما غادرها وما غادرته إلى أن رقد بين رمالها السمر كما تمنى ذلك.. قاسم عثمان مهرجان ثقافة بحاله ومكتبة بحالها لأنه قرأ كردفان من الداخل ولدينا من التوثيق له ملفات مقروءة ومسموعة سنلبي طلب كردفان في الإفادة به متى ما طُلب منا ذلك وستجد القنوات الثقافية بالولاية عون الأساتذة الجنرال، أحمد طه والباحث العاشق لكردفان «ابن الشرف الأصلو ركابي» كما قال بذلك خليل فرح في تحيته لرفاعة ذلكم هو خالد الشيخ حاج محمود وهناك ابن الشاعر ناصر قاسم والحلاج والعميري..