لم يجيء مجد الشاعر الكردفاني قاسم عثمان بريمة، لم يجيء مجده الإبداعي بغتة، فقد حكت عنه المكاسب التي حققها في محيطه الإقليمي والوطني منذ الحركة الوطنية ودور الشباب بها من أمثاله وأمثال قنديل كردفان الإعلامي كما أسميناه الأستاذ الفاتح النور رائد صناعة وإصدار الصحافة الإقليمية في السودان وإفريقيا ومحمد عوض الكريم القرشي.. أما قوة وشفافية صلة شيخ شعراء كردفان في قوة وثراء وتنوع وشمول عطائه في كل ضروب وأنماط الشعر وتعدد موضوعاته فقد جاءت بعاطفة جياشة وبخطاب مقنع ومرد ذلك إلى بادرات تكوينه ففضلاً عن مولده ونشأته بالمدينة القومية في تركيبتها الاجتماعية مدينة الأبيض وفضلاً عن ارتباطها ببوادي كردفان فثمة ظروف مواتية قد رفدت الشاعر العم قاسم عثمان بريمة بمدد كوثر من التراث الكردفاني الأصيل منذ طفولته الباكرة حيث استمع في ذلك الحين من مرحلة الثلاثينيات ومستهل الأربعينيات إلى أنماط ولونيات ألحان وأنغام وأشعار بوادي كردفان وهو في قلب مدينة الأبيض وفي ذات البيت الذي وُلد به وعاش فيه وتوفي به والكائن بحي تقي بالأبيض وهو بيت جده لوالده الذي كان يعمل ضامناً بزريبة المواشي بمدينة الأبيض للكثير من القبائل الكردفانية مما جعل هذا البيت الكبير مثابة لأولئك النفر من تلك القبائل. فكان بمثابة لوكاندة كبيرة حيث كانت صلتهم بهذه الدار يومية مما أتاح للطفل الصبي قاسم عثمان أن يتلقّى جرعات مركزة من ذلك التراث فظل يختزن تلك الأنغام طوال عمره وقد شكّلت خطوط إمداد لمدده الإبداعي فعلقت بخاطرة الشاعر معطيات ذلك المخزون وهاتيك الصور فبدأ كتابة الشعر على تلك الأوزان التي استقاها من تقنيات نساء تلك القبائل في دارهم بحي تقي بالأبيض وهن يقمن بالغناء على إيقاع المراحيك في عملية طحن الحبوب وعن ذلك يقول الشاعر قاسم عثمان استقيت موسيقاي وأوزاني من تلك التغنيات، ويوجز ذلك في إفادة ذكية فحواها أنه شاعر ولد في كنف الطحن واللحن قرأ قاسم عثمان بمدرسة كتاب كردفان الزمان والمكان والإنسان في فصول مدرسة الحياة متعددة الأنهار بعد أن حفظ قدراً من أجزاء القرآن الكريم ثم تخرج بمدرسة الأبيض الأولية وجامعة الحياة بكلية سوق الأبيض الكبير فكان من شيوخ الجزارين به وعن الجمع بين هذه المهنة وموهبة الشعر والمفارقة بين ثغر القلم وحد السكين يقول قاسم عثمان وبلطفه المعهود ذلك حين سألته عن كيفية جمعه بين وزن اللحم ووزن الشعر وهاجسه الملازم له: قال: أنا أوزن الشعر ببراعة تماماً كما أوزن اللحم بمهارة!!. وأتعامل بالسكين مع رهافة غشاء أفخاذ العجالي كما أتعامل برقة مع القلم على سطور الفلسكاب!! أذبح العجالي تخصصاً ولا أذبح بقرة احتراماً لتاء التأنيث!! وعن قومية مدينة الأبيض يقول العم قاسم عثمان إنها كانت موطناً ثانياً لفحول شعراء الحقيبة ولعدد من أهل الفن والأدب حيث نجده شديد الحفاوة والعرفان معاً لظلال من الإفادة ونماء موهبته وعجم عود تجربته في هذا المجال ويضيف تلك الحصيلة إلى ما اكتسبه من تراث كردفان. ومرد ذلك إلى وجود عدد من شعراء الحقيبة بكردفان والأبيض من أمثال الشعراء حدباي أحمد عبد المطلب وسيد عبد العزيز ومحمد علي عبد الله الأمي وعلي المساح وغيرهم فدخل معهم في مساجلات وتغطيات لكثير من القصائد ويعد قاسم بريمة سيد العارفين بمجريات وجود هؤلاء الشعراء وفي مقام شاهد العصر الأمين علي ذلك الوجود حين يحدثك عن كيف كتب الشاعر الأمي الذي اختط طرقاً للمتعلمين بأن من الشعر لحكمة وأن من البيان لسحراً ذلك حين كتب بالأبيض رائعته انت حكمة واللا آية وحين كتب رائعته: ما بخاف من شيء برضي خابر المقدر لا بد يكون أما عن حدباي فلا أحد يحدِّث عن حدباي كما حدث حدباي عن رفيق دربه وصديق عمره خليل فرح مثل قاسم عثمان وتشكل مادة وحديثه عن حدباي في شاردات قُيِّدت وفي واردات كُتبت تشكل مادة لكتاب عن حدباي وخليل فرح وللحديث بقية بإذن الله.