جاء حج هذا العام أكثر تنظيماً وسلامةً من حج العام الماضي حسب ما أوردته وسائط الإعلام، ومن واقع وجودي ضمن حجاج هذا العام فقد وجدت نفسي منداحاً لكتابة هذه القصاصات: اجتهد القائمون على تنظيم الحج اجتهاداً مقدراً في الشكل العام وهو جهد نقدره ونقف عنده قليلاً بالنقد والتشجيع حتى يكون حج العام القادم أفضل بإذن الله. في بعض الدول الآسيوية تحجُّ الفتاة قبل الزواج وربما يكون الحج حافزاً لزواجها وعندنا الحج يكون خاتمة المطاف بعد سن الشيخوخة، فحبذا لو أن شبابنا حجوا في قمة صحتهم وطاقتهم حتى لا يكونوا عرضة «للدفر» ويصمدوا أمام طاقات الشعوب الأخرى، ونسبة للمعاناة التي يلاقيها كبار السن في الحج فإن الإسراع في أداء الحج في سن مبكرة أمر جيد متى ما توفرت الاستطاعة والشروط خاصة للشابات، والبعض لاحظ حاجات في سن صغيرة من غير محرم، فالمرأة الراغبة في أداء الحج أوالعمرة مأمورة بأن تكون مع محرم أو مع رفقة مأمونة بحيث تأمن على نفسها من الأخطار، وقد اشترطت اللوائح المنظمة للحج والعمرة أن تتجاوز المرأة سن «45» لكي تسافر للحج والعمرة بغير محرم، كما تشترط وجود المحرم على المرأة الصغيرة، ومنع سفر المرأة الصغيرة دون محرم هو إجراء ينبغي احترامه؛ لأنه يحافظ على النساء من الخطر، ولأن المحافظة على سلامة أداء هذه الشعيرة يبقى هدفاً أسمى من مجرد تمكين كل النساء من السفر بلا محرم. الشعوب الراقية والمنظمة ترتدي زياً موحداً في طوافها وسعيها الجماعي، ولم أسمع بحاج من ماليزيا أو أندونسيا تاهَ أو لم يُعثر عليه، ولا حتى باصاتهم لم تضل طريقها إلى عرفات أو منى، نظام في كل شيء، أتمنى أن نلزم حجاجنا بزي موحد وبطواف وسعي جماعي يظهرنا بمظهر لائق في هذا المؤتمر العالمي العظيم. وجود وزير الإرشاد المكلف الشيخ الشاب «محمد مصطفى الياقوتي» أضفى على البعثة رونقاً وبهاءً خاصة تلمسه لمشكلات الحجاج ومتابعته اللصيقة التي يُحمد عليها، فقد ذكر في خطبته العصماء في عرفات «إنهم بذلوا ما في وسعهم»، وأهمس في أذنه مع جليل احترامي لشخصه قائلاً له: «يمكن أن يكون وسعنا أوسع من ذلك فقد شهدنا بعض الهنات خاصة في «اللوجستيات» التي لا تحتاج إلى خارقة من الخوارق فقط تحتاج لبعض التنظيم والتنسيق، فمثلاً عند وصول الحجاج المنهكين مطار المدينة استلزم الأمر أكثر من سبع ساعات حتى يلزم كل حاج غرفته في الفندق ليرتاح، وهذا الأمر كان يمكن إنجازه في أقل من نصف ساعة، هذا غير البصات التي تاهت عن المعسكر بمنى، وحتى في الختام ونحن نتوجه إلى مطار جدة للمغادرة «المسافة من مكة إلى جدة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة» صدقوني وصلنا في ست ساعات نسأل فيها «الماشي والغاشي عن الطريق الصحيح...بطريقة مهينة ومخجلة» ..«ذلكم حدث في حج المؤسسات الأكثر كلفةً» وربما في غيره، والفاجعة الكبرى أن السائق لما ذمّه الناس وانفجروا فيه حلف بالله أنه أول مرة يقود بص من مكة إلى المدينة «يعنى أصبح حجاج بيت الله فئران تجارب» ...هل هذا وسعنا أخي الوزير؟ زحف زبرهة الأشرم في جيش عرمرم يبلغ ستين ألف مقاتل وعدد من الفيلة نحو مكة لهدم الكعبة وانتهت رحلته في «وادي محسر» بعد أن أرسل عليه المولى عز وجل طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول، وهي القصة التي نعرفها جميعاً، وحجاج أمدرمان لهم قصة مع أصحاب الفيل قد لا يكونوا هم أنفسهم أدركوها، فقد لقيت أحد السودانيين المقيمين مدة طويلة في مدينة مكة والذي كان مصرّاً على مقابلة المسؤولين في مخيم «منى» لحجاج أمدرمان بيد أنه فشل في ذلك وأصبح يهمهم غضباً وقال لي :«ديل ما عارفين حاجة، نزلوهم في مخيم بوادي محسر وهي منطقة عذاب أصحاب الفيل، أنا داير أبصرهم» قلت له: ومن أدراك؟ فرد: أنا أصبحت بطول المدة من أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها. فإن صح قول ذلك السوداني المكي فهذه طامة، لأن من مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لا ينبغي له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليها إلا باكياً معتبراً، ومن هذا إسراع النبي صلى الله عليه وسلم السير في وادي محسر بين منى ومزدلفة «وهو ذات الوادي المقصود»، فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحِجر وهي منازل ثمود قال: « لاَتَدْخلُوا مَسَاكِن الذينَ ظَلموا أَنْفسَهم أَنْ يُصيبَكُم مَا أَصَابَهم إِلاَّ أَنْ تكُونوا بَاكِينَ»، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي رواه البخاري ومسلم2980 » وهناك ديار ثمود في مدينة الحجر على بعد «22» كم، شمال شرق مدينة العلا، وهو المكان المعروف عند الناس بمدائن صالح، وما زال اسم الحجر منتشراً بين أهل تلك المنطقة إلى اليوم، وقد ذكر الحجر في القرآن }وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِين{, ومذكور في السنة كما في صحيح البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: «أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر فاستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة« «البخاري 3379». الأمر يحتاج إلى البحث عن الحقيقة لأن هناك مناطق عذاب كثيرة حول تلك المناطق وغيرها حتى لا يكون مخيمنا القادم في منطقة «عاد أو ثمود»... أتمنى أن يكون ذلك الرجل على خطأ. نعم نقرُّ بأن الحج مشقة والمشقة في سبيله تهون، ولكن المشاق التي نصنعها بأيدنا فاقت مشقة الحج أضعافاً مضاعفة «سلوا الحاجين إن كنتم لا تصدقون» أرجو أن ننظم أنفسنا أولاً لنجد كل شيء من حولنا منظم فيحترمنا الآخرون وأن نستعين بإداريين يخافون الله في عباده ونستفيد من التجارب ومن ملاحظات الحجاج وإن كانت لاسعة، غفر الله لي ولكم وتقبل منّا ومنكم الحج وصالح الأعمال.