انطباع موجود ومتوارث من زمن بعيد عن وكالات السفر والسياحة بالسودان وثقافة السفر، فارتباط مفهوم وكالات السفر والسياحة بالهجرة وإيجاد فرص عمل وهمية وتحقيق أحلام طائرة للشباب وقد تسبَّبت كثير من المعايير والقواعد والأسس غير السليمة في ضوابط مشددة لعمل وإنشاء الوكالات والشركات المختصة بتقديم خدمات تعنى بسفر وترتيب أمر المغادرين لخارج الدولة لأيٍّ من الأسباب الاجتماعية أو التأهيلية أو العملية ولعل من اصطحبني في رحلة للعاصمة السعودية الرياض لحضور مؤتمر السياحة العربي ووقوفنا على عدة نماذج لوكالات سفر وسياحة بالمملكة جعلنا نفكر في أن ما أصاب عقولنا من فهم خاطئ قد تسبَّبت فيه عدة جهات ذات صلة بالأمر فقد وقفنا على تجربة خاصة لأكبر ثلاث وكالات سفر وسياحة ملاكها هم من أكبر رجال الأعمال بالسعودية كوكالة فرسان التي يملكها آل الراجحي المعروف للجميع ورأينا أنه ليس من المنطق أن يلج أي رجل أعمال ناجح في عمل به نسبة ولو ضئيلة من احتمال الخسران إذًا فإن تجربة عمل الوكالات من ناحية استثمارية ناجح ويعتبر من المشروعات التي تساهم حتى في نهضة الدول الاقتصادية، وقد حدثني أحد مسؤولي تلك الوكالات بأنهم يحققون نسبة دخل عالية للدولة عبر كثير من البنود الواردة للخزينة العامة، ولكننا نجد أن وكالات السفر والسياحة بالسودان مرتبطة دائماً بإضاعة الآمال والأحلام والمال كما ذكرت، فدائماً ما نقرأ ونطالع بعملية احتيال تعرض لها مجموعة من الشباب القاصدين الهجرة أو بعض المعتمرين أو حتى الحجاج القاصدين بيت الله الحرام!! علماً بأن هنالك عددًا غير قليل من تلك الوكالات تعمل بجد وأمانة واجتهاد وصدق وتقدم أفضل الخدمات للمواطنين، ولنكون أكثر وضوحًا لطرح هذه القضية ومعوقات صناعة السفر والسياحة بالبلاد لا بد لنا أن نستصحب جملة من الحقائق، فحسب علمي البسيط أن في العاصمة أكثر من «1400» وكالة سفر وسياحة، وضوابط إجراءات فتح وكالة سفر وسياحة الصادر عن الإدارة العامة للسياحة هي مجملة في عقد إيجار موثق أو شهادة بحث بملكية منفعة لموقع الوكالة حقيقياً وليس من باب الإجراء والرخص التجارية وعقد التأسيس الموثق في حالة الشركات وشهادة مقدرة مالية لا تقل عن «250» ألف جنيه حسب علمي، فهل كل هذه الضوابط يتم العمل بها؟ نجد أن الإجابة عن هذا السؤال غير إيجابية، فالمتقدم للطلب يسعى لإتمام المستندات الورقية ولا يسعى لتنفيذ تلك على الأرض كإبراز عقود صورية وخلافه.. شيء آخر وهو التأهيل الذي ينبغي أن يتوفر في موظفي الوكالات وإداراتها، فقد شهدت ومن معي أن هناك حملة درجات الماجستير والشهادات العليا في تلك الوكالات وللأمانة نجد أن كثيرًا من وكالات السفر والسياحة بالسودان لا يحمل بعض مديريها حتى شهادات إكمال ثانوي ويكتفي بعضهم بشهادات من بعض المعاهد ومراكز التدريب التي لها صلة بأمر الطيران، ولا يُعقل أن يتعامل موظف أو مدير وكالة حسب قناعتي مع العملاء أو برنامج الحجز الآلي (الاماديوس) إلا بمؤهل جيد يسهل له التعامل مع ذلك باحترافية ومهنية عالية لفك كثير من شفرات الدول والمطارات وخطوط الطيران التي غالباً ما تكون في شكل اكودا ومصطلحات باللغة الإنجليزية حتى الذين لديهم الرغبة أو المقدرة في الدخول في ذلك المجال من ناحية تجارية واستثمارية بحتة ينبغي أن يلزموا بتأهيل مناسب لمنسوبي تلك الوكالات للخروج بنتيجة مرضية خاصة أننا كثيراً ما تتم دعوة موظفي تلك الوكالات ومديريها لحضور ورش عمل أو مؤتمرات خارجية والأمثلة كثيرة أُضيف إلى ذلك أن بعض وكالات السفر والسياحة في السودان يكون عملها موسميًا في فترات الحج والعمرة برغم أنها وكالات سفر وسياحة ونلاحظ أن جل أعمال معظم الوكالات يختصر في إصدار تذاكر السفر الجوية والبحرية ولم نحقق الغرض الآخر (وسياحة) فكثير من الوكالات الخارجية التي وقفنا على تجربتها تقوم بخلق برنامج كامل متكامل وتصنع السياحة وتروج لها عبر مواقعها الإلكترونية وتساهم في جذب السياح لمناخ سياحي موجود أصلاً بالبلاد فقط يحتاج منا إلى تجديد تلك الثقافة ودعمها والجلوس مع كل الجهات ذات الصلة بالأمر للوصول للغايات المطلوبة ولا بد أن يتحرر الناس من ذلك الفهم السلبي ويعي المواطن أن صناعة السفر والسياحة الآن من أنجح وأرقى وأميز الصناعات في العالم وليعلم كل المهتمين بالأمر أن هنالك وكالات سفر وسياحة بالسودان تعي دورها الإيجابي تماماً كما أن أصحابها ذوو مقدرات تأهيلية ومالية وأخلاقية عالية ولا ينبغي أن ننظر لتلك الوكالات بعين عدم الرضا وما يُحسب على تلك الوكالات نشاز من بعض ضعاف النفوس ولا بد للدولة من إعادة ضوابط منح التصاديق لفتح الوكالات والوقوف على حقيقة تلك المقدرات المقدَّمة لمنح التصديق ولا بد من تنشيط دور الإدارة العامة للسياحة في مراقبة ومراجعة تلك الوكالات بصورة دورية حتى نستأصل كل ما هو غير صالح سعياً لتطوير السياحة وحرصاً على حماية المجتمع من سلبيات تلك المهام ولا ننسى أن وكالات السفر في العالم الخارجي تبوب عن المواطن في كل ما يختص بترتيبات سفره من حجوزات وإجراءات جوازات ولا بد للإخوة في المواقع المختلفة أن يساعدوا في منح تلك الوكالات الصلاحيات في الإنابة عن المواطن بتقديم الخدمة، وقد عايشنا في تلك الزيارات والتجارب أن وكالات السفر ومكاتب الاستخدام (المعقبين) يقومون بجميع الخدمات حتى في المطارات ولهم تصاريح ممنوحة بضوابط واضحة من الجهات المختصة وبذلك تكتمل الأدوار، ولعل ما تقدمه الوكالات في موسم الحج والعمرة واللغط الذي يلازم ذلك يحتاج منا لمقال آخر لنتحدث عن ضوابط منح تصاديق العمرة والحج للوكالات ولماذا تتكرر أسماء بعض الوكالات في منح التراخيص للعمرة والحج سنوياً؟ وهل الوكالات المستبعدة غير مؤهلة فعلياً لتلك الخدمات؟ وهل الزيارات التي تقوم بها اللجان التابعة للهيئة العامة للحج والعمرة هي زيارة منطقية وهل الدرجات التي تمنح في كراسة التقديم منصفة؟ لماذا تتردد الشركات السعودية المتعاقدة لتقديم البرنامج الخدمي للمعتمرين والحجاج في التعاقد مع السودان بالتحديد؟ ولا بد لي أن أشيد في ختام مقالي هذا بالوكالات التي شاركت هذا العام في تفويج الحجاج فقد كان سعيهم لتقديم أفضل الخدمات سعيًا مقبولاً ومقدرًا ولتكن رسالتنا واضحة أنه لا بد من تفعيل وتطوير دور وكالات السفر والسياحة بالسودان ولا بد من تضافر الجهود لنواكب التطور في كل التقنيات الحديثة لهذه الصناعة وذلك بتطويرنا لمواقعنا وتأهيلها لتبدأ السياحة الروحية بمقعد مريح واستقبال جيد وضيافة مميزة تتحدث عن أصالة الكرم السوداني ولا ننسى أن السودان يعج بأعداد مهولة من الأجانب وليعلم القارئ أن الوكالات دورها إيجابي تنوب عن خطوط الطيران في منافذ الترويج والبيع ولا بد أن تلتزم خطوط الطيران العامة بالبلاد بقواعد عضوية الاياتا للوكالات تمنحهم العمولة المتعارف عليها عالمياً ولا أرى أن هناك أدنى منطق في أن تمنح خطوط عمولة «9%» للوكالة وتمنح أخرى «5%» وليستعن اتحاد أصحاب وكالات السفر والسياحة بمستشارين لبحث تلك القضايا حفاظاً على مكتسبات وفوائد المستثمر السوداني في ذلك المجال وليسعَ كل من له صلة بهذا المجال في النهوض بتلك الثقافة تحفيزاً وتطويراً وتحديثاً حتى تعود لنا ثقافتنا المفقودة في هذا المجال.