انعقد مؤتمر الحركة الإسلامية وسط تنوّع في الآراء وتراكم للتجارب الأمر الذي أدى إلى تفاعل لم تشهده المؤتمرات السابقة، وفي ظني أن السبب في ذلك يعود إلى أمرين: أولهما: أن الحركة الإسلامية التي كانت سبباً في التغيير الذي حدث عام 1989 لم يكتب لها الاستمرار كتنظيم بفعل المرحلة التي أوجبت عليها قيادة المجتمع وتحولها إلى مشروع كامل لبناء دولة ومجتمع وتحمل المسؤولية، متجاوزة عضويتها المحدودة، وحاجة كوادرها للتربية المركزة لتصبح حركة ينبغي أن يشيع فكرها، وتتمدد مجهودات تربيتها، لتشمل الكافة. وثاني الأسباب: يعود إلى أن الحركة ولفترة طويلة من الزمان قد عهدت بتلك المسؤولية الجديدة لكوادرها القيادية لتعمل في مساحة أوسع اعتماداً على ما نالته هذه الكوادر، من تربية فكرية في محاضن الحركة، ومن ثم تتحول الآمال على أرض الواقع عبر ناشطين انطلاقاً من حزب سياسي سموه المؤتمر الوطني. وتلك الأسباب قادت إلى حدوث فجوة بين الذي ينصبُّ حوله التفكير داخل أروقة الحركة ووفقاً لمعاييرها التي نشأت عليها، وبين التفكير الذي أحدثته المتغيرات داخل الحزب السياسي، الأمر الذي قضى نحو مصالحات وموازنات وهو ما رأته بعض كوادر العمل الإسلامي، بأنه انفراد من قبل عضوية اعتقدت بأنها ينبغي أن تدير البلاد دون مرجعية، باعتبار التفويض الممنوح لها والذي يجب أن تتسع دائرته، وتنداح مساحته، وهذا بعد أن تصدت الحركة لقيادة أمة وعليها عندئذ مبارحة أطر التنظيم الضيّق، والقواعد التي لا تصلح إلا تجاه عضوية محدودة. ومؤتمر الحركة الإسلامية الثامن كانت معظم نقاط الخلاف خلال جلساته تتمحور حول بندين: 1/ فالبند الأول يتعلق بانتخاب الأمين العام للحركة، الذي رأى فريق أن يكون انتخاباً مباشراً من المؤتمر، بحسبان أنه صاحب السلطة العليا، وهو انتخاب يتيح للأمين العام قوة، ويهبه قدرة مستمدة من مجموع ليتخذ القرار. أما الفريق الآخر فرؤيته كانت تتمثل في صعوبة الانتخاب المباشر من المؤتمر، ومن الأوفق اختيار الأمين العام بواسطة مجلس الشورى الذي هو جسم اختاره المؤتمر، وبهذه الكيفية يكون مجلس الشورى قد فوّض من المؤتمر باختيار الأمين العام، كما يرى ذلك الفريق بأن لا ضير من اختيار الأمين العام بواسطة من أولاهم المؤتمر بحث القضايا التي تستلزم الشورى والبت بشأنها. 2/ أما البند الثاني: فهو الذي يتصل بعلاقة الحركة الإسلامية بالمؤتمر الوطني، وكيفية إيجاد صيغة تضمن التنسيق وعدم التضارب، وكان الحوار يدور حول وجود مجلس تنسيقي يربط بين قيادات الحركة وقيادات الدولة، وكانت كلمة تنسيق محلاً للأخذ والرد والنقد. وفيما يبدو بأن الذي دعا لوضع هذا المحور بالأجندة، هو الخلاف بين الذين يرون حصر الحركة في الجوانب الدعوية، وبين من يصرّون على أنها حركة شاملة، لا فرق فيها بين سياسة ودعوة، حسب الأصول التي قامت عليها ولا مجال للعمل بأن ما لقيصر لقيصر و ما لله لله!!. والخلاصة التي توصل إليها المؤتمرون بعد شروحات وتعليقات وآراء كثيرة تلقتها منصة رئاسة المؤتمر، وهي التي أحدثت ممارسة واسعة، وحرية نموذجية في طرح الآراء منها الساخن، ومنها الهادئ، استقر الأمر إثر تمرين قوي وحماس متدفق على ضرورة انتخاب الأمين العام من قبل مجلس الشورى، كما تمت الموافقة على إنشاء الهيئة التنسيقية بين قيادات الدولة و قيادات الحركة، من أجل إيجاد عمليات التناغم التي كانت غائبة وسببت التبرُّم وأدت إلى انفعالات وتبرمات، كما أن المطالبة بها جوبهت بمقاومة من قبل منتسبي الحركة بالمؤتمر الوطني الذين يديرون بالإنابة عنها الشأن العام. وبهذه الخلاصة مخطئ من يظن أن قيم الشورى بالمؤتمر قد خنقت، أو أن الطامعين بالانفراد بالقرار السياسي قد وجدوا ضالتهم. وعموماً يمكن القول إن الحركة الإسلامية بهذه الممارسة قد قفزت مراحل متقدمة، لتربط بين فكرها وحزبها، بدرجة يستحيل معها أن يغرد كل في سرب، أو يتجول في ساحة معزولة فتكون النغمة نشازاً والرابط مفقوداً، وتلك خطوة موفقة بكل المقاييس إذا قارنا ذلك بما كان ينذر باقتراب تنازع شبيه بالذي حدث وأدى لصدور قرارات الرابع من رمضان. ومخرجات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، قد أفلحت في رتق جزء كبير من الفتق، وألقمت الشامتين حجراً سيظل غُصّة في حلوقهم، إن لم يخنقهم ويكتم عليهم جميع الأنفاس.