ظهيرة السبت الماضي كنا في معية عدد من الاختصاصيين والعلماء والعاملين في مجال الإعلام وغيرهم من المنشغلين بقضايا الصحة في ندوة عُقدت بدار جمعية حماية المستهلك وقد كان موضوع الندوة هو الإعلانات الطبية التي كثر انتشارها في الآونة الأخيرة وهي تعلن عن مستحضرات وعقاقير خارج رقابة وتصاديق مجلس الأدوية والسموم. لقد انتشرت تلك اللوثة الإعلانية خاصة في الصحف الإعلانية دون أي رقيب أو موجهات تتحكم في الرسالة التي يرسلها صاحب كل منتج عن منتجه. ذكر الأستاذ عبدالله رجب رحمه الله في مقابلة إذاعية أُجريت معه أنه عندما أنشأ جريدة الصراحة في أربعينيات القرن الماضي التزم بميثاق أخلاقي جعله شعاراً لصحيفته وهو ألا ينشر إي إعلان يدعو للدجل والشعوذة وألا ينشر إعلانًا عن سلعة تدّعي مواصفات غير موجودة بها. وقد التزمت أيضاً جريدة الرأي العام والسودان الجديد وصوت السودان بذلك الميثاق غير المكتوب وتبعتها صحف أخرى.. تصور يحدث هذا قبل سبعين عاماً واليوم يا عجائب الزمان... تُنشر أعمال أبوراس في جريدة نعدها ذات مصداقية عالية عن زيت زهرة الشمس ويقول الإعلان بالحرف الواضح: «وهذا الزيت إذا ما استخدم لوحده في كل الأطعمة باستمرار فإنه يحسن صفات المواليد ويزيد من المبدعين ويدفع الشخص للتسامح والإدراك والتعلم والإنتاج ويقلل من العطالة وخلافات الفكر والرأي ويحد من الشعر والغناء الهابط ويخفض من ارتكاب الجرائم وتعاطي المخدرات ويحمي من الإصابة بالأمراض..». كل هذه يفعلها هذا الزيت المعجزة بل يقول أيضاً: «لرفع المناعة ولحماية العقل من تجمد المخ بالكوليسترول المسبب للتبلد والفشل و انحراف الفكر والسلوك وللحماية من أمراض القلب والجلطة والسكري والمرارة والسرطان». ولو كنا نعلم فوائد ذلك الزيت المعجزة بهذه الصورة لوزعناه على فرق التفاوض حكومة ومعارضة طالما أنه يدفع الشخص للتسامح... كما أننا لو كنا نعلم فوائده تلك لوزعناه على الشعراء والفنانين والفنانات حتى يشفيهم من الشعر والغناء الهابط. هذا مثال صغير لما يجري في دنيا الإعلان عن الأدوية ومستحضرات التجميل وغيرها. وكنتُ قد نبهتُ وكتبتُ من قبل قائلاً: ايها الناس، اسمعوا وعوا.. أن شقيقتكم المرأة منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى لم يخلق لها غدة البروستات وظل الرجل وحده يحمل تلك الغدة ويحمل معها توابعها عندما تدركه الشيخوخة من تضخم والتهابات خاصة بها.. ولكن صرعة الأعشاب التي أصدرت وزارة الصحة نشرة بخصوصها ولم تفعل أي شيء غير أنها أصدرت منشوراً يمنعها ظلت إعلانات الأعشاب تزحم علينا الصحف.. ويبدو أننا نتعرض هذه الأيام لغزو أعشابي أرحم منه غزو الجراد.. ففي عدد السبت 4 أبريل 2009م نشرت جريدة «الوسيط» الإعلانية إعلاناً في الصفحة الخامسة بما يسمى زيت الأتات اللبنانية به بعض المستحضرات التي يزعم أصحابها أنها تعالج مشكلات الشعر والبشرة وتنظيف المصران وقاطع للشهية وإزالة الشحوم في فترة قصيرة. إلى هنا والأمر عادي ويحدث في أرقى العائلات والعاقبة عندكم في المسرات بعد أن تكونوا قد استعدلتم بشرتكم وأزلتم النمش من وجوهكم وسلكتم المصران بسباكة داخلية محكمة.. ولكن في الإمكان أبدع مما كان. فقد ظهر مع تلك المستحضرات مستحضر كتب عليه أصحاب الإعلان. «أعشاب القريص مع ألوفيرا للبروستات للسيدات».. قرأت الإعلان عدة مرات وفي كل مرة كان الإعلان يغالط معلومات عند أصغر طفل في بداية عهده الدراسي أن القريص مع الأوفيرا للبروستات للسيدات.. واتصلت بناشر الإعلان وقد وضع أرقام أربعة تلفونات وردَّت عليَّ بنت من الناحية الأخرى ودار بيني وبينها الحوار التالي: - عندكم إعلان في جريدة الوسيط عن بعض المستحضرات. - نعم - طيب في إعلان عن مستحضر لمعالجة السيدات من البروستات؟ - أيوة موجود؟ - وفي نسوان اشترن المستحضر دا - أيوا طوالي بشتروه... وقالوا نفعهم. لكن النسوان عندهن بروستات؟ - أجابتني «بتلعثم» ما هو أحياناً بكون عندهم اضطرابات - هسع إنتي عندك بروستات؟ - أيوا لكين ما ملتهبة. وأفهمت البنت أنه حسب علمي فإن غدة البروستات توجد فقط عند الرجل ولا توجد عند الأنثى.. أجابتني: نحنا استلمنا الإعلان كدا وخلاص نحنا حننقل رايك للمسؤول. وبعد مدة عادت لتقول لي: - أصلو في غلطة مطبعية من ناس الجريدة والمستحضر دا بعالج البروستات عموماً. - ما ممكن تكون دي غلطة مطبعية من ناس الجريدة.. حسب علمي هم الكلام البجيهم بصمموه وبعرضوه على صاحب الإعلان.. وفي حالة الإعلان دا إنتو قلتوا جاكم من سيدو بالشكل دا. وهنا انقطع الاتصال معها. في حالة «هيصمانة» الأعشاب هذه ليس بعيداً أن يصدر إعلان عن مستحضر عشبي يعالج المبايض عند الرجال وآخر يصغر عنق الرحم ومستحضر لعلاج تورم الخصيتين عند المرأة.. والحكاية كلها أعشاب في أعشاب. «ويعني إيه لو استعملت المرأة مستحضراً لعلاج احتقان البروستات عندها وذهب ذلك المستحضر مع الدورة الدموية وفتش قدر ما فتش لم يلق مكاناً للبروستات.. مش جايز يعالج احتقان اللوزات.؟.. كمان قول المرأة ما عندها لوزات». أيها الإخوة لقد ظللنا لا نفعل شيئاً ونحن نشاهد النصب والاحتيال يمارَس أمام أعيننا ولا نفعل شيئاً.. ولا يتحرك أولو الأمر فينا ويتركونا نهباً لمثل هذه الممارسات. وستكون لي عودة مع حقوق المستهلك وحمايته من الإعلانات التي تُنشر في الصحف الإعلانية لا رقيب عليها إلا إصرار الزبون أن يُنشر له الإعلان بأقل من القيمة المحددة. ملحوظة: الإعلان يقول بخط كبير «خدمات التوصيل متوفرة».. أهو جات لحدي عند حرمكم المصون في البيت.