كثيرون أدهشهم البيان الشفهي الذي قدمه الأمين العام للحركة الإسلامية المنتهية ولايته الأستاذ علي عثمان محمد طه في الجلسة الختامية للمؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية ومن خلاله أرسل عدة رسائل ربما أرهبت البعض وأثارت مخاوفهم لاسيما وأنه قد ذهب بها أبعد من إطار السودان قاصداً ومنادياً بميلاد نظام إسلامي جديد يقود العالم ويعمل على إصلاح الأممالمتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المؤسسات التي وصمها بالظالمة والمنتهكة لحقوق الشعوب، علي عثمان في خطابه المثير قد زاوج فيه ما بين خطاب الدين والحياة العامة وهو تعبير موضوعي لخطاب الحركة الإسلامية وجاء متسقاً مع موجة الغضب العالمي ضد إسرائيل بسبب هجماتها المتكررة على قطاع غزة والحد من تحركاتها وظهر شيخ علي كعادته حين تستفزُّه المواقف يُخرج أنفس وأغلى ما عنده من درر.. ليس متوقعاً أن يقدم شيخ «علي» خطاباً غير الذي خرج به في ذلك المساء حيث قدم نفسه قائداً ونفى عنه تهماً ظل يرددها البعض من الطرف الآخر بأنه قد ساهم فى إضعاف الحركة الإسلامية مستغلين مثالياته ومهادناته ونظرته العميقة للأشياء وهو ما ينفيه واقع الحال قبل حديثه العميق.. بكل المقاييس فإن المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية قد شكَّل تحولاً كبيراً فى الانتقال اتفق الناس أو اختلفوا في ذلك وكان الحدث الأبرز والأكثر تأثيراً هو وتفصيلاً تأكيد قواعد الحركة الإسلامية على رفض التسبيح داخل محراب الحكومة وترفض التستر بثوب الحزب الحاكم التي هي تمثل متغيِّرات وليس ثوابت كالحركة الطلقاء التي يتحرر منسوبها من أي قيود وأن الخطوط واضحة ليست وهمية كما هو الحال في الحزب أو الدولة التي يتقيد فيها الشخص بعدة اعتبارات دبلوماسية واجتماعية وسياسية وأثبت المؤتمر حقيقة أن الحركة الإسلامية أقوى وأمتن وهي خارج السلطة تراقب من بعيد لا أقول بنفس وعين المعارضة ولكن بعين الإصلاح والتربية وقد رفع أعضاء الحركة المؤتمرون سقفهم على سقف الدولة المتغير وعملوا على إطلاق الحركة من القيود، وفي هذا لدينا نموذج الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يزال محتفظاً بكيان الختمية مرجعية و«روابة» لأي طارئ ربما يعصف بالحزب وكذلك حزب الأمة القومي ظل كذلك محتفظاً بكيان الأنصار، أقول هذا وأدرك المفارقة بين الحركة الإسلامية الحديثة وهذه التيارات والكيانات التقليدية لكن يظل الثابت هو الأصل .. بصدق ما شهدناه شورى حقيقية وإنحراف واضح نحو رأي المنادين بتقوية الحركة وفصل الأجهزة التنظيمية مع قيام هيئة تنسيقية عُليا والاحتفاظ المبكر لأصحاب الآراء الجهورة داخل الحركة «حسن عثمان رزق وغازي صلاح الدين وصلاح كرار وسعاد الفاتح» احتفاظ هؤلاء بمقاعد متقدمة في الشورى من حصة ولاية الخرطوم بينما أبعد أو سقط الكثيرون من رجال الصف الأول والفعل اليومي سواء كانوا بإرادتهم أو بإرادة القواعد من قائمة التصعيد وكذلك العملية المعقدة في اختيار قائمة المستكملين للشورى القومية والتطويل والانتظار والتي وصفها رئيس اللجنة الفنية للمؤتمر حسن عثمان رزق بعملية الولادة المتعثرة إلا مؤشر آخر على تمسك القواعد بحقها، وهو ما وصفه البعض بأنه انقلاب شوري بدأت ملامحه في الجلسة الإجرائية الأولى التي جاءت بالطيب سيخة رئيساً للمؤتمر وقد كانت ملمحاً قلب الموازين والقناعات وبدون مجاملة فإن القواعد قد أُعطيت حقها كاملاً فى الممارسة أخذًا وعطاء في الرأي مرتكزة على الخطاب التجديدي وتغيير القيادات، والملاحظ يكشف ذلك بوضوح من خلال النسبة التي رصدتها رئيسة لجنة الإعلام للمؤتمر النشطة سناء حمد العوض والتي قالت إن «55%» من الوجوه التي تم تصعيدها هم لأول مرة يدخلون مجلس شورى الحركة الإسلامية يمثلون «41%» من القطاعات الحية والنخب وهو رقم غير مسبوق لتعزيز التجربة الشورية وتحريك القيادات والهيكل التنظيمي، هذا الموقف أفرزته ظروف موضوعية وهي التماشي مع حركة ونشاط الحزب السياسي مع تقدم التيار التجيدي الإصلاحي والاستماع لصوته وتعميق لتحكيم الشورى مع الاحتفاظ بالهيئة التنسيقية العُليا كآلية يرأسها رئيس الجمهورية وتضم أمين الحركة الإسلامية ورئيس المؤتمر والقيادة التنفيذية، وبهذا تكون هناك ثلاث بيعات تنعقد فى هذا الإطار الجديد، بيعة خاصة مع أمين الحركة الإسلامية وبيعة المؤتمر الوطني وبيعة رئيس الجمهورية وهي البيعة الكبرى التي تنعقد فيها كل البيعات باعتباره الأمير لهيئة القيادة العُليا ويرأس الجميع وبهذا تنتفي علاقة المناطحة أو السلطات المتوازية بين رئيس الجمهورية والأمين العام للحركة الإسلامية ولا تقاطعات في هذا الصدد كما يتخوف البعض من الازدواج.. كما أن المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية قد بيَّن حقيقة أخرى ووثَّقها وهي أن قرار حل الحركة الإسلامية لن يكون فردياً مهما كانت مكانة القائد أو الشخص وإنما قرار الحل والتذويب هو قرار الجماعة عبر آليات التنظيم وصندوق التصويت.. اجتهدت اللجان التي أشرفت على المؤتمر بكل تفاصيله حتى خرج بتلك الصورة البهية.. فتحية خاصة جداً للمثابرة سناء وللعملاق كمال عبد اللطيف والأستاذ عوض جادين والسعيد عثمان وغيرهم من الجنود المجهولين الذين أبلوا بلاءً حسناً ..