قبل أيام ذهبنا إلى أحد الأطباء للمراجعة وهو طبيب قديم تعودنا أن نذهب له بتكرار جعلنا نتعرف على أحد العاملين معه وجنسيته جنوبي... وكنا نقوم بمشاغلة الجنوبي من وقت لآخر حسب الظروف وحسب نوع الأحداث السائدة، ابتداءً من عودة قرنق والحشد الذي أعده أهل اليسار لملاقاته بالساحة الخضراء، وعندما قال عرمان إن هناك ستة ملايين مواطن لاقوا قرنق في المطار، وإلى مقتله في حادث الطائرة... وكان الجنوبي يقول إنه يؤيد الانفصال لأن الجنوب بلد «هاجة تمام» وأنهم سيكونون موعودين بالمن والسلوى وجنة عدن الخضراء في جوبا، وبأنهار من العسل المصفى وخمرةٍ لذةٍ للشاربين... وكنا نضحك عليه ونقول له إن الاستفتاء والانفصال سيكون «خازوق فيكم»... وجاء الاستفتاء وكانت النتيجة تسعة وتسعين وتسعة من عشرة، وكل الجنوبيين «نططوا» و«فنجطوا» و«عرضوا» وترسوا وضربوا الروري وقالوا «هالالويا». وقلنا لهم مع السلامة عليكم يسهل وعلينا يمهل.. إن شاء الله «في ستين». وصاحبنا الجنوبي بالطبع كان يرقص مع الراقصين ويترس مع التارسين ويفنجط مع المفنجطين... وذهب في أول الأفواج المغادرة بعد أن حمل معه كل شيء.. العناقريب والسراير والكراسي والمراتب والبنابر والسكر والشاي والبن والفول والجبنة وموية الفول وموية الجبنة... وودعناه غير آسفين على فراقه وأعطيناه ما قسمه الله من فئة العشرين جنيهاً وطلبنا منه ألاَّ يعود... والرجل أخذ معه أولاده.. وبهذه المناسبة فعلى الرغم من أن صديقنا يعمل مراسلة أو فراشاً بعيادة للطبيب، إلا أنه بالخرطوم متزوج من «حزمة» من النسوان .. ويلد بطريقة التكاثر الباكتيري، هذا إضافة إلى أنه كان يخبرنا كل شهرين بأنه «جابو ليهو» ولد أو بنت في الجنوب من النسوان «الهناك»، على الرغم من أنه في العادة لا يسافر إلى الجنوب، ولكن يبدو أن عاداتهم وتقاليدهم تسمح لهم بأن تتم الولادة بالنيابة والوكالة، خاصة في الجزء الموروث من الزوجات عن آخرين من أقرب الأقربين. وعلى كل حال كنا نفهم أن صاحبنا قد تأسلم في فترة عمله مع الطبيب، ولكنه مع إعلان الانفصال ارتد عن الإسلام ورجع إلى «اللا دينية» مثله مثل دينق ألور الذي كان اسمه أحمد ولكنه كفر، ومثل تعبان الذي كفر أيضاً. وقبل أيام راجعنا الطبيب لنجد أن زولنا «ذاتو» موجوداً، وقد رجع إلى عمله، ولكنه هذه المرة كان قد أدخل بعض التغييرات.. مثلاً وجدناه يلبس جلابية بيضاء «ما مكوية» ويلبس طاقية برضو بيضاء ولكن مكوية... وينتعل مركوباً ويحمل مسبحة «أبو ميتين»... وقال إن هذا التغيير لزوم «توفِيكْ الأوَداع» وهو يقصد توفيق الأوضاع... ويعتقد أنه لو لبس الجلابية والطاقية ورجع للإسلام «أبو سبحة» يكون قد وفق أوضاعه، وهو لا يدري أن «توفيك الأوداع» يحتاج إلى الأوراق الثبوتية والإقامة والبطاقة والجنسية.. وهذا على الرغم من أنه قد أحضر معه سبعاً أو ثماني من نسوانه ومعهن أربعطاشر شافعاً والأعمى شايل المكسر، ومجمورعة من مرضى دودة الفرنديت، ولا ندرى إن كان هذا فعلاً يكفي لتوفيق أوضاع الجنوبيين العائدين بالآلاف. ويبقى السؤال لماذا أصلاً تسمح السلطات برجوع الناس ديل.. وكيف ستتمكن الجهات الأمنية من حصرهم وإرجاعهم، ومتى سوف يحدث ذلك الإرجاع؟... ولماذا نتحمل نحن كل رزايا الجنوبيين ومشكلاتهم.. على الرغم من أن حكومة الجنوب تناصبنا العداء وتحتل أرضنا وتدعم عدونا وتعمل على تدمير اقتصادنا. كسرة: سئل أحد الجنوبيين بعد أن عاد مكسوراً من دولة الدينكا عن قبيلته، فقال إنه (جعلتكي) وإن فرعهم «دينكا علياب»، وبهذا التعريف يكون دينكا عالياب أولاد عم الشعديناب، وبهذا المنطق يكون «يا هو زول ده أكون تاع إنت» كسرة ثانية: أجاب ياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية عن سؤال له بألمانيا أول أمس بأن دولة جنوب السودان تقدم الدعم المادي واللوجستي لهم في ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق.. طيب يا جماعة ماذا نريد أكثر من ذلك حتى نعلن أن الاتفاقية المزعومة كانت «كلام ساكت» قصد به الجنوبيون أن يكسبوا الزمن ويعيدوا ترتيب أمورهم وتستريح فيه الحركات المتمردة وتستعد للحرب القادمة، ويتم تحريك الخلايا النائمة وتشوين السلاح إلى القطاعات المختلفة، ويرجع الجوعى منهم إلى بلادنا ليكونوا عالة علينا، وينهكوا اقتصادنا، ويضخوا النفط عبرنا، ويشتروا الأسلحة بأموال النفط.. ثم يضربوننا مرة أخرى.. يا جماعة ديل «ما أكوك تاع إنتكم»