لم يغفل الإسلام أمراً إلا وقد أورد فيه نصاً واضحاً لا لبس فيه، وبين حكماً لا جدال بعده سواء أكان ذلك في العبادات أو في المعاملات الحياتية في الدنيا من بيع وشراء، فقد اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الآيات التي تبرؤ الذمة في المعاملات التجارية «وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها» «وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا»، فهو أمر رباني على المسلم أن يتحرى العمل به دل في ذلك ما استطاع، فإن العدل الحقيقي قلما يتصور ومن هنا قال القرآن عقب الأمر بالإيفاء: «لا نكلف نفساً إلاّ وسعها»، كما قص القرآن نبأ قوم سيدنا شعيب الذين صاح فيهم داعياً ومنذراً «أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين». ومن هنا جاءت ضرورة قيام المؤسسات الرقابية على السلع والمنتجات الغذائية خاصة في ظل النظام الاقتصادي الحر الذي تنتهجه الدولة، والمتمثل في سياسة تحرير الأسعار، مما يوجب عليها كذلك أن تلزم التجار بتوفير سلع مطابقة للمواصفات لضمان سلامة المواطن وحرصاً على الإنصاف والعدل كمبدأ أساسي في جميع التعاملات، ولعل ما دفعنا إلى هذه المقدمة المطولة هو نفسه الذي أوجب علينا تسليط الضوء على ما برز بصورة لافتة في أسواق ولاية كسلا، بالرغم من الجهود المقدرة لكل الجهات، من ذلك وتكاملاً لتلك الأدوار نورد بعض الحقائق وهي أن ولاية كسلا تعد من الولايات الحدودية ويسهل تسريب الكثير من السلع والبضائع قد تضر بالمستهلك وبصحته، ولعل ما يثبت صحة ذلك بعض التقاير الصادر من الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس فرع ولاية كسلا، التي تفيد أن الهيئة تمكنت خلال فترة الستة أشهر الماضية من ضبط «14,75» طناً من السلع والبضائع الفاسدة، وتقدر قيمتها مليوناً وثلاثمائة وأربعة وخمسين جنيهاً، وأغلبها سلع مهربة تتنوع بين زيوت الطعام وصلصة وأدوية وعقاقير طبية ومستحضرات تجميل وقد تمت إبادتها.ولعل هذا أمر يبعث على الطمأنينة أن تكون هنالك أجهزة تحمل على عاتقها مسؤولية متابعة ومراقبة مثل هذه المخالفات، إلا أن ضعاف النفوس وفي ظل عدم وعي المواطن ومعرفة حقوقه وسلامته، تتاح لهم بين الحين والآخر فرصة إشباع جشعهم بممارسات تقع ضمن المخالفات في حق المستهلك، فهنالك تذمر واضح على حجم وأوزان الخبز بالولاية، كما أن تباطؤ وتلكؤ بعض التجار في تغيير نظام الرطل، جعل الهيئة تؤخر الإعلان عن خلو الولاية من الرطل ومشتقاته ليكون في نهاية هذا الشهر. حيث أكد المهندس أحمد سيد أحمد عمر مدير هيئة المواصفات والمقاييس بولاية كسلا، أن الهيئة تعمل على تصحيح مسار سلعة الخبز، بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات الصلة، وقال إن هنالك حملات تفتيشية دورية لمخابز محلية كسلا لمطابقة أوزان الخبز الأمر الذي سينعكس إيجابا على حماية حق المستهلك. وأشار إلى جهود لجنة حماية المستهلك التي تضم ممثلي لهيئة المواصفات والمقاييس ووزارة الصحة وإدارة السموم والأمن الاقتصادي والشرطة ووقاية النباتات، بالإضافة لجمعية حماية المستهلك، مؤكداً أن اللجنة على مستوى محليات الولاية المختلفة. وأشار المهندس أحمد إلى مخاطر التهريب وآثاره السالبة المتمثلة في تدفق سلع فاسدة وغير مطابقة للمواصفات والجودة، وتطرق إلى خطط هيئة المواصفات والمقاييس في ترقية وتطوير طرق عرض وتداول الخضر والفاكهة والألبان بالولاية. تبقى الحقيقة أن الأسواق بولاية كسلا لا تختلف عن غيرها من أسواق العالم بها الكثيرون من ضعاف النفوس الذين يسعون إلى الثراء السريع عن طريق ممارسات غير عادلة و تتسم بالغش والخداع والتضليل ما يوجب دوماً وجود أجهزة رقابية قوية تحمي المواطن من تلك الممارسات السيئة، وتكافح انتشارها وتراعي قيم الجودة في السلع والمعروضات من البضائع وضرورة أن تتعاون كل الجهات مع هيئة المواصفات والمقاييس وجمعيات حماية المستهلك للقيام بدورها في ضبط المواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، إعمالاً لحكم ومبادئ الدين التي تنص على عدم الغش.