ظللت لمدة طويلة متحاشياً ما يطلقون عليه في الأوساط الصحفية «حوارات». حيث إن حديثي كان كثيراً وفي أغلب الأحيان يتعرّض لتحريف وتشويه وعدم دقة من الذين يحاورونني من الصحفيين والصحفيات. وقد كنت أجد العذر للسياسيين وهم يرفضون الإدلاء بتصريحات لمراسلي الصحف لأن تصريحاتهم في كثير من المواقف تتعرض للنقل الخاطئ والفهم المغلوط. وكنت لا أجد مبرراً لذلك التحريف لأن وسائل التسجيل أصبحت متاحة الآن لأي صحفي وما عليه إلا أن يورد حديث المتحاور معه بين قوسين وكما جاء في شريط التسجيل. ولكن ظل الناس يدلون بأحاديث ويقرأون في اليوم التالي ما يضطرهم لتوضيحه لاحقاً. الصحفية بجريدة «آخر لحظة» الغراء/ زكية الترابي ظلت تلاحقني لإجراء حوار كنت زاهداً فيه ولولا أن الأخ الأستاذ هاشم عثمان ومكانته عندي ورجاؤه لي أن أقبل إجراء الحوار لما وافقت. وجاءت الصحفية وأجرت معي حوارين قبل عيد الأضحى الماضي. نشر الحوار الأول وقد كان عن «القطط وسلالاتها وسلوكها» كما نشر الحوار الآخر قبل يومين. وبالرغم من أنني كنت أملي عليها ما أردت أن أقوله كلمة كلمة إلا أنني صعقت عندما قرأت الحوار الأول. فقد جاء فيما أوردته على لساني بأني قلت : إن القطط ترتبط بالإنسان لأن جينات القطط شبيهة بجينات الإنسان. ولا يمكن أن أقول ذلك لأن أبلد تلميذ في علم الوراثة يدرك أن الخريطة الجينية للقطط لا علاقة لها لا عدداً ولا شكلاً بالخريطة الجينية عند الإنسان. وفي موضع آخر قلت لها إن الأنسان عرف القطط منذ«9» آلاف عام وذلك من واقع الجثث البشرية التي وجدت في جزيرة قبرص وقد دفنت مع قططها ويرجع عمر تلك الجثث إلى «9» آلاف عام بينما كانوا لزمن قريب يظنون أن أقدم القطط وجدت جثثها محنطة مع قدماء المصريين قبل «4» آلاف عام، فإذا بها تكتب أن تاريخ تلك القطط يرجع إلى «19» ألف عام «الكتلة !!!». وكنت كل مرة أكرر لها المعلومة مرتين وثلاث. وفي الحوار الذي أجرته معي ونشر قبل يومين قالت لي عرِّف نفسك فكتبت إنني قلت لها: أنا الذي نظر الأعمي إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم «كدا حتة واحدة» فتصور.. أنا أقول ذلك وقد قاله المتنبئ قبل ألف عام أو يزيد. فهل أنا متنبئ آخر زمانه؟. ولماذا لم تقل: إني وإن كنت الأخير زمانه لآت ٍ بما لم تستطعه الأوائل؟. «برضوا كان تتم الناقصة وزيادة الخير خيرين».. كل الذي قلته لها وكررته أكثر من ثلاث مرات بل وأمليته عليها حرفاً حرفاً: أنا الذي «لم ينظر» الأعمى إلى أدبي و«لم تسمع» كلماتي من به صمم من مقطع من قصيدة كنت أتهكم فيها وأسخر فيها من نفسي نظمتها إشارة إلى مجهوداتي الفاشلة في التوعية البيئة وأنا أحث الناس أن يكون لهم وعي بيئي فلا يقبلوا ولا يهدوا ولا يشتروا أحذية مصنوعة من جلد النمر أو الأصلة أو أشياء مصنوعة من سن الفيل أو الورل وليرفعوا شعار «الحياة لنا ولسوانا». بدأت حملتي الفاشلة تلك من قبل عشرين عاماً وأنا في بلاد الاغتراب وكنت أنشرها على «جريدة الخرطوم» عندما كانت تصدر من خارج السودان وواصلت حملتي تلك عندما عدت.. ولكن للآن لم أنقذ نمراً واحداً ولا أصلة واحدة. بل تطور الأمر أن أصبحت تلك الأحذية رمزاً لعلو المكانة في سلم الطبقات العليا، لا يتزين بها إلا شاغلو المناصب الدستورية العليا ومن هم في مكانتهم ورجال الأعمال من الوجهاء والسفراء الذين يقدمون بها أوراق اعتمادهم لعالم متحضر ينظر لهم بشيء من الاشمئزاز والازدراء. فأنا الذي لم ينظر الأعمى إلى أدبي ولم تسمع كلماتي من به صمم وليس كما أوردتها الصحفية. وفي مكان آخر ذكرت أن حفلة زواجي كانت بقعدة دكاكينية أحياها حسن عطية والعطبراوي بالعود . حسن عطية رحمه الله كان صديقي لأنه كان يعمل في بداية حياته في معمل «إستاك» فكنا نتحدث معاً عن الأمصال والفحص المعملي والتقينا في حلقات تلفزيونية سوياً، أما الفنان العطبراوي فلم أره في حياتي ولم أتشرف بلقائه فكيف يحي حفلة دكاكينية بالعود أنا عريسها؟ وكان مما قالته «وأبرز الحضور في تلك الليلة الدكتور حسن عابدين ورئيس القضاء الأسبق الحافظ الشيخ الزاكي رحمه الله وشريف طمبل والدكتور النذير دفع الله مدير جامعة الخرطوم آنذاك والمرحوم د. عمر بليل». ترى ما الذي يجمع هؤلاء في جلسة دكاكينية؟ حديثي عن الدكتور حسن عابدين والأخ المرحوم الأستاذ الحافظ الشيخ الزاكي كان في سياق الذين زاملتهم في خور طقت الثانوية والمرحوم شريف طمبل كان في سياق الذين زاملتهم في جريدة الصحافة والمرحوم النذير دفع الله كان في سياق أول راعٍ للجمعية السودانية لحماية البيئة التي أنشأناها بمتحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم، أما الدكتور المرحوم عمر بليل فكان في سياق أنه آخر مدير لجامعة الخرطوم، عملت معه ووافق على إعارتي لجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية. ويا أيُّها الإخوة من ناشئة الصحفيين، متدربين ومتدربات «الله بيني وبينكم». ما تزودوا علينا «الغيبونات»... فغيبونة واحدة تكفي. آخر الكلام : شكراً للإخوة في جريدة «آخر لحظة» على الصورة التي زينتم بها الحوار وتلك كانت صورتي عندما كنت في ميعة الصبا الباكر وعنفوان الشباب. ويا حسرة ما حضرنا زمن الموبايلات.. كان تكون صورنا في موبايلات البنات زي صورة كريم التركي في مسلسل فاطمة.