هذا العنوان اقتبستُه من مثل شعبي يقول.. «محنة جداد كُت كُت بلا لبن» والمعنى مفهوم، فالدجاجة من المخلوقات التي لا تطعم صغارها، بل تقودهم وتسير أمامهم تأكل ما يصادفها وهم يأكلون معها. أعتقد أن الاقتصاد الذي تسير عليه الدولة هو ذات اقتصاد الجدادة، ولكن الجدادة تتفوق على الدولة في الدفاع عن صغارها!! جاء في الأخبار أن تقريراً اقتصادياً برلمانياً ذكر أن دخل الفرد في السودان بلغ ألفين ومائة وتسعين دولاراً بالتمام والكمال. لا أدري على أي قاعدة حسابية تم حساب هذا الرقم الدقيق. دخل الفرد السنوي يُحسب على الناتج الإجمالي القومي، يعني هذا الرقم أن الناتج الإجمالي القومي يعادل ثمانية وستين مليار دولار سنوياً!! إذا صحَّ هذا الرقم فإن النظام الحاكم فعلاً يطبق علينا ما أطلقت عليه في عنوان المقال اقتصاد الجدادة، ولكن يجب علينا الاعتذار للسيدة الجدادة لهذه المقارنة الظالمة، فالجدادة تقود صغارها إلى حيث يوجد الطعام، لا تطعمهم بل تشاركهم إياه، ولكنها تقوم بمهمة الدفاع عنهم إذا حدث عدوان عليهم، وجب الاعتذار للسيدة الجدادة!!. هل الناتج القومي الإجمالي للسودان يعادل ذلك المبلغ الأسطوري، فالذي يسافر من الخرطوم إلى عطبرة أو بورتسودان أول ما يلاحظه أن الشاحنات المتوجهة لبورتسودان خاوية على عروشها لا تحمل صادراً أياً كان نوعه، أما تلك القادمة من بورتسودان فهي تئنُّ من ثقل الواردات!! الدخل القومي لأي بلد يُحسب بما يُصدر من منتجات، ولكن واقع التصدير غير ذلك تماماً!!. إن اتحاد العمال يناضل من أجل أن يصل الحد الأدنى للأجور أربعمائة وخمسة وعشرين جنيهاً ولكن السيد وزير المالية، لا يريد تطبيق أي نوع من الاقتصاد علينا، ويرفض هذا الحد الأدنى الذي لا يفي بعُشر معشار متطلبات الفرد ناهيك عن رعاية أسرة، على الأقل ليطبق علينا اقتصاد الجدادة، لكنا عشنا وعاش صغارنا ونالوا حمايتنا!! الرقم الذي صدر عن دخل الفرد في السودان يعادل أربعة عشر ألف جنيه، ووزير المالية يرفض أن يكون الحد الأدنى للأجور اربعمائة وخمسة وعشرين جنيهاً، حسب الرقم المعلن لدخل الفرد فهو أربعة عشر ألف جنيه فإن الحد الأدنى للأجور والذي يرفضه وزير المالية يعادل ربع ما قيل إنه دخل الفرد، مع ملاحظة أن العاملين بالدولة يشكلون نسبة لا تُذكر من السكان، فالغالبية العظمى من الخريجين من أي نوع يعيشون عطالى ولا يجدون من الدولة حتى محنّة الجداد.. كُت كُت بلا لبن!!. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يعوِّل عليه الاقتصاد هذه الأيام هو الذهب، ولكن هذا المصدر مازال غامضاً منذ زمن بعيد، الصحف البريطانية والإذاعات المحلية قالت إبان نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية، إن فرنسا وألمانيا الأقل تأثراً بالأزمة المالية العالمية وقد كان السبب في ذلك الذهب المستخرج من السودان!! ولنلق نظرة على الدول العربية واحتياطياتها من الذهب، رغم أن كل هذه الدول غير منتجة للذهب فالمملكة العربية السعودية تملك احتياطياً من الذهب يبلغ 322.9 طنًا من الذهب، تحتل بهذه الكمية المركز السادش عشر في العالم، ونسبة الذهب من احتياطات المصرف المركزي تعادل «3.3%». تأتي في المرتبة الثانية لبنان وتحتل المرتبة الثامنة عشرة عالمياً باحتياطي 286.8 طن ويمثل ذلك الاحتياطي نسبة 32.2% من احتياطيات المصرف المركزي، تأتي الجزائر في المرتبة الثالثة عربياً والمرتبة الثانية والعشرين عالمياً باحتياطي قدره 173.6 طن تمثل هذه النسبة من احتياطات الصرف المركزي 79.5% في المرتبة الخامسة عربياً والسادسة والثلاثين عالمياً تأتي الكويت باحتياطي قدره 79 طنًا ونسبة الذهب من احتياطات البنك المركزي الكويتي 13.8% في المرتبة السادسة تأتي مصر أما عالمياً فهي تحتل المرتبة 37 باحتياطي قده 75.6 طن تمثل 14.8% من احتياطات البنك المركزي. المغرب في المرتبة الثامنة عربياً والسادسة والخمسين عالمياً باحتياطي يقدر باثنين وعشرين طناً تمثل 5.6% من احتياطات البنك المركزي. في المرتبة التاسعة عربياً والحادية والستين عالمياً تأتي المملكة الأردنية الهاشمية باحتياطي قدره 12.8 طن ونسبته إلى احتياطات البنك المركزي تعادل 5.5% .. وتأتي تونس في المرتبة الحادية عشرة عربياً والحادية والسبعين عالمياً باحتياطي قدره 6.7 طن يمثل 4.5% من احتياطات البنك المركزي. العراق في المركز الثاني عشر عربياً والثالث والتسعين عالمياً باحتياطي يبلغ 5.9 طن ويمثل ستة من عشرة في المائة من احتياطات البنك المركزي العراقي. في المرتبة الرابعة عشرة تأتي اليمن مع المركز الثاني والتسعين عالمياً باحتياطي 1.6 طن بنسبة 1.8% من احتياطات البنك المركزي!! وأخيراً تأتي موريتانيا في المركز الخامس عشر عربياً والسابع والتسعين عالمياً باحتياطي اربعمائة كيلو جرام تمثل 4.6% من احتياطات البنك المركزي. هذه الأرقام من بلدان غير منتجة للذهب، وتحتل بعض هذه البلدان مراكز متقدمة بين دول العالم بينما يغيب السودان وهو البلد المنتج، والذي انصرفت الغالبية العظمى من سكانه في البحث عنه ولا نسأل عما فعلته الشركة الفرنسية في ارياب وكم استخرجت وكيف!!. هذا المعدن كان من المفترض أن يكون الاحتياطي في البنك المركزي يفوق أكبر احتياطات الدول غير المنتجة حتى يشكل حماية للعملة الوطنية ولكن لا أحد يعرف ولا حتى وزير المالية هل يوجد احتياطي لدى البنك المركزي أم لا!!. عذراً للدجاجة التي أقحمتها وباقتصادها البديع مع صغارها، وقارناه باقتصادنا المهزوز رغم كل الدعائم التي يمكن أن تجعله صامداً يتلقى كل الصدمات!! «محنّة جداد كُت، كُت بلا لبن!!»