بعد ما يقرب من الثمانية أيام من العدوان الإسرائيلي الجديد القديم على قطاع غزة والذي استهدف حتى المنشآت المدنية والبنية التحتية للقطاع مخلفًا أكثر من مائة وستين شهيدًا ومئات أخرى من الجرحى وما يقرب من عشرة آلاف غزاوي نازح هجروا منازلهم ولجأوا إلى المدارس التي تشرف عليها الأونروا هربًا من القصف، نقول بعد هذه الأيام الحسوما والتي ما فتئت تتكرر عشية كل عملية انتخابية في إسرائيل، استطاعت مصر الثورة أن تتوصل إلى نوع من التهدئة بين العدو وحركات المقاومة في القطاع وبالتأكيد على رأسها حركة حماس التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها قد انتقلت إلى مربع جديد تمامًا في المعادلة الشرق أوسطية، وأنه قد بات في مقدورها أن تغير الكثير من قواعد اللعبة في المنطقة لصالح الشعب الفلسطيني.. فرغم سنوات الصمود الطوال التي عاشتها الحركة وهي تحتفظ للفلسطيني بحقه في أرضه ورفضها لكل مشروعات التسوية التي تنتقص من هذا الحق، برغم ذلك فإن ما أبدته خلال هذة الثمانية أيام، يؤكد تمامًا أن المرحلة المقبلة لن تكون كسابقاتها أبدًا. وهو ما أدركه العدو الإسرائيلي وهو يسعى إلى دخول الوسطاء من أجل الوصول إلى تهدئة مع المقاومة بلا ضمان لأي شروط مسبقة قد ظل يضعها في السابق حينما كان سلاح جوه يدك الأرض تحت أقدام أصحاب الأرض ويحيلها جحيمًا للأطفال والنساء والشيوخ، فالآن وبرغم أن طائراته ما فتئت تقصف المنازل الفلسطينية وتدمر المدارس والملاعب وهي بلا شك ليست أهدافًا عسكرية بل وإن قياداته السياسية تهدد بعملية عسكرية موسعة لاجتياح القطاع وتستنفر قواتها الاحتياطية على طول الحدود مع غزة من أجل ذلك، نقول برغم كل هذه التحركات والعمليات العسكرية، فإن الرعب الذي أدخلته صواريخ المقاومة وهي ترد العدوان الصارخ على أرضها وقياداتها المستهدفة داخل وخارج فلسطين، لم تكن له سابقة قريبة أبدًا.. حيث استطاعت هذه الصواريخ أن تصل إلى عمق إسرائيلي لم تبلغه من قبل، فذاقت تل أبيب وكثير من المدن الإسرائيلية ولأول مرة منذ زمن بعيد طعم الموت والرعب اللذان يتجرعهما الفلسطيني يوميًا منذ أن جثمت إسرائيل على أنفاس بلاده. لقد استطاعت المقاومة أن تفرض معادلة جديدة في المنطقة جعلت منها قوة ردع تختلف كثيرًا عما كانت عليه طوال الفترة الماضية، ورفعت من أسهمها سياسيًا وعسكريًا على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما جعل الكثيرين ينظرون إلى العدوان الإسرئيلي الأخير على غزة بأنه قد كان خسارة سياسية كبرى للعدو وأن حماس قد كانت هي الرابح من كل ما جرى على أصعدة كثيرة، وأن انعكاس كل ذلك سيبدو جليًا في التاسع والعشرين من الشهر الجاري حين يتم الاعتراف بدولة فلسطين لتصبح عضوًا مراقبًا بالأمم المتحدة بل وسينعكس على كثير من الأوضاع داخل فلسطين وخارجها في المنطقة. لقد ربحت حماس والفصائل ومن ورائها كل فلسطيني معركة جديدة في مشوار الصمود الطويل والذي سيفضي في نهاية المطاف إلى رجوع كل الحقوق المغتصبة رغما عن أنف كل قوى الاستكبار التي ما فتئت تقف من خلف الغاصب وتغض الطرف عن عدالة المطالب الفلسطينية وتتناسى القضية الفلسطينية التي تفرق دمها بين قبائل كثر منهم من هم ذوي رحم وقربى.. وكذلك ربحت مصر الثورة وهي تتولى القيادة والزعامة من جديد وبرؤى وأجندة جديدة لا يجب أن يستعجلها الناس، فالزرع لا يطرح ثماره ما بين عشية وضحاها.. ولقد خسرت إسرائيل بكل جبروتها وطغيانها عسكريًا وسياسيًا، بل وخسرت حتى وحدة صفها، فالخلافات الآن تضرب في البيت (الزجاجي) للكيان، والمناكفات ما بين المؤسسة العسكرية والسياسية تكاد تعصف بالبنيان الهش الذي أقامه العدو وأطلق عليه تجاوزا مسمى الدولة. إن اقتراب الانتخابات البرلمانية لحكومة العدو والتي ضرب لها الثاني والعشرين من يناير المقبل موعدًا يجعل الصراع على أشده داخل الكيان الإسرائيلي وهو ليس صراعًا سياسيًا بقدر ما هو صراع أيديولوجي بين فكر متعصب وآخر أكثر تعصبًا للقومية الصهيونية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مجمل الوضع في فلسطينالمحتلة ككل. فالعمليات العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية بل والشعب الفلسطيني ككل وتصفية القيادات تظل أبدًا هي التي تضمن مقاعد الكنيست لأي حزب وهو شيء مفهوم تمامًا في ظل العقلية الدموية التي تدير الصهيونية العالمية منذ ميلادها. فبرغم الكثير من الأجندة الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل قضايا جوهرية باتت تؤرق الشارع الإسرائيلي وتغض مضجع حكوماته، فإن مسألة الأمن ظلت وستظل الوتر الذي تلعب عليه القيادات السياسية من أجل كسب الناخب في لعبة الكراسي التي أبدًا ما تكون خصمًا على أمن وحقوق الفلسطينيين، حتى أولئك الذين قبلوا بالسلام الهش مع الكيان الغاصب.. هذا بالإضافة إلى الكثير من الأجندة الدولية التي تخدمها الصهيونية ببقائها في قلب العالم العربي والإسلامي. ولكن وفيما بدا فإن الكثير من الأوضاع في طريقها الآن لإعادة التشكيل وفق أسس جديدة وضعت لبناتها المقاومة الفلسطينية على مدى عقود من الصمود، وأرست لها بعملياتها الأخيرة في صد العدوان على مواطنيها دعائم ستكون بلا شك أكبر داعم لها في أن تكون المتحدث باسم كل الفلسطينيين، وأن تعيد لهم كامل حقوقهم المسلوبة.