لا أظن أن أحداً يستطيع أن يحصي عدد الناطقين غير الرسميين باسم الحكومة والمؤتمر الوطني، وقبل أيام شنت بعض الأقلام هجوماً على د. ربيع عبد العاطي المبادر دائماً بالتحدث باسم الحكومة والمؤتمر الوطني، لكن بالطبع ليس هو الوحيد من المبادرين والمنصبين أنفسهم لهذه المهمة في غياب المعلومات من الجهات المختصة بشأن العديد من القضايا، وقد ظهر هذا الخلل إبان وبعد الكشف عن المحاولة الانقلابية الأخيرة أو التخريبية كما سماها الخطاب الرسمي، وذلك لأن سياسة التعتيم والتبرير أجبرت العديد من قراء الصحف أو المستمعين للإذاعة أو المتابعين للتلفاز عند وقوع أحداث مهمة على الفزع إلى الفضائيات لإرواء عطشهم من المعلومات المغّيبة، بل حتى عند سقوط الطائرات عادة ما تكون المعلومة مقتضبة وفي انتظار لجان التحقيق التي لا تمّلك أبداً معلوماتها للأجهزة الإعلام كما يحدث في كل أرجاء العالم المتحضر الذي يحترم مواطنيه وحقهم في تمليك المعلومات بشفافية، إن العالم المفتوح اليوم لا يحتاج إلى «صحاف» جديد يهرج باسم الحكومات بديماغوجية ساذجة لا يمكن أن تقنع صبي ورنيش في إحدى الحارات الجوانية، مما أسهم في تفريخ بيئة الشائعات التي لم تسلم حتى الصحف من ترديد بعضها، وفي الستينيات عمدت الحكومة المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر إلى أسلوب الخطاب الحماسي الذي يعتمد على إثارة العواطف بغرض التعبئة السياسية للنظام، وبعد حرب يونيو 1967م جمعت إسرائيل أحذية الجنود المصريين وحتى الجرحى منهم، وصنعت منها تلاً كبيراً ثم وضعتها في إحدى المدن المهمة، والحدث كان ذا تأثير نفسي أكبر من سيل الكلمات التي أنفقتها الحكومة المصرية في خطابها التعبوي ضد إسرائيل الذي قادته إذاعة صوت العرب بنهج إعلامي ينضح بالهياج العاطفي، في حين أن إسرائيل اختزلت بمكرها الحرب الدعائية في كوم من الأحذية، وإسرائيل دائماً ما تجنح في خطابها الإعلامي إلى أسلوب الصورة المرئية لإحداث مزيدٍ من التأثير العاطفي للتغطية على جرائمها في الأرض المحتلة، بل حتى عندما فجَّر الفلسطينيون انتفاضة الحجارة التي شارك فيها حتى الأطفال والصبية الصغار والتي أحدثت ردود فعل دولية حيث أظهرت تعاطفاً مع هذه الحرب غير المتكافئة والتي يستخدم فيها الإسرائلييون العنف المفرط من حيث الضرب المبرح بالهراوات والطلقات البلاستيكية وأحياناً الرصاص الحي، إلا أن اسرائيل كانت تحرص دائماً على مضايقة المراسلين الأجانب حتى لا ينقلوا تلك التجاوزات، لكن مع ذلك استطاعوا أن ينقلوا انطباعتهم عن أرض المواجهة، وإن كان بعضهم غير محايدين، فاضطرت إسرائيل إلى إصدار شريط يبين قيام الفلسطينيين بتدريب أبنائهم على رمي الحجر والمقلاع، بينما أبرزت بالمقابل صورة الأطفال الإسرائيليين بوصفهم مسالمين يلعبون في براءة، والقصد أن إسرائيل لا تزج بالأطفال الأبرياء في أتون المواجهات الخطرة، وأن أطفالها يعيشون حياتهم العادية ويتمتعون ببراءتهم.. لكن بالطبع فإن الإعلام الفلسطيني والعربي لا يستطيع أن يوصل صوته ويدحض هذه الرسالة المضللة، وفي لبنان برع حزب الله في استعمال الصورة في حربه الإعلامية ضد إسرائيل، ويقول أحد مصوري الحزب إنهم بسبب لقطة مصورة قامت أربع أمهات إسرائيليات قُتِل أبناؤهن في جنوب لبنان، بجمع أمهات إسرائيليات وقدن حملة تدعو لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وقال: لقد استخدمنا أسلوب اللقطات التلفزيونية السريعة التي تعرض بعض المشاهد بطريقة فنية معينة تظهر انهيار الجنود الإسرائيليين، وقال إنهم عرضوا أيضاً صورة الطفل الفلسطيني الذي يلاحق جندياً إسرائيلياً مدججاً بالسلاح، مشيراً إلى أن هناك خبراء ومفكرين وقياديين كانوا خلف هذه الصور، يدرسون الطرق المناسبة لاستخدامها ضد العدو، إذن فإن الإعلام ما عاد عنتريات وأكاذيب وتلفقيات وتبريرات لا تقنع أحداً.. إنه يعتمد على الشفافية ثم ذكاء الطرح، فعندئذٍ يكون التأثير والتفاعل.. فهل نحن قادرون على ذلك؟