٭ في أعقاب المسيرة الاحتجاجية التي نظمتها الهيئة التشريعية لمنطقة أبيي التي ترفع شعار «رفض مقترح أمبيكي» الذي يلغي وجود المسيرية ودورهم ويحرمهم من المشاركة السياسية، نقول إن هذا المقترح قد زاد الطين الذي وضعته الحكومة السودانية في بروتوكول أبيي بِلّة. أصلاً قبل اقتراح أمبيكي لم يكن بروتوكول أبيي مرضياً لا للمسيرية أهل الشأن ولا للشمال قبل الانفصال باعتبار أن المنطقة كانت شمالية والآن هي سودانية أكثر من حلايب.. وإن كانت حلايب سودانية بل حتى أسوان تعتبر تابعة للنوبة تاريخياً، والنوبة قبائل سودانية بالطبع.. ورغم ذلك تكون أبيي سودانية أكثر من حلايب لأن تبعيتها للشمال كانت منذ قبل نزوح الدينكا من الهضبة الإثيوبية إلى جنوب السودان وقد كان يسكنها قبل العرب النوبة، والنوبة ليسوا من القبائل الجنوبية، إذن النوبة هم أصلاً أصحاب الأرض من أبيي إلى أسوان. بل إن جزءًا عظيماً من جنوب السودان كان يقطنه النوبة، لكن قسوة الحياة هناك جعلتهم يحيطون بالجبال ويعتلون بعضها في جنوب كردفان. قبل مقترح أمبيكي لم يكن بروتوكول أبيي ساراً حتى للحكومة التي يبدو أنها وقَّعت عليه على مضض أو كأنها مُرغمة في أجواء المفاوضات التي كم بُذلت فيها من الوعود الدولية لصالح الأمن والاستقرار ورفع العقوبات عن البلاد.. ثم يأتي أمبيكي ويزيد الطين بِلّة. إذن أصبحت أبيي بين ظلمين ظلم مقترح دانفورث الذي تبلور فيما بعد ليكون هو نصوص بروتوكول المنطقة وظلم مقترح أمبيكي وقد جاء أقسى وأمرّ من ظلم دانفورث. والآن تقف فرصة ذهبية أمام الحكومة لتتجاوز بها استعجالها التوقيع على بروتوكول أبيي بعد إخراجه بالتآمر بصورة سيئة، والفرصة الذهبية هي أن تقف الحكومة هذه المرة بقوة وجسارة ضد مقترح أمبيكي الذي يهدف إلى زيادة طين البروتوكول بِلة. فهي حتى الآن تتحمل المسؤولية عن التوقيع على البروتوكول الذي تضمنته اتفاقية نيفاشا وظنت أنها يمكن أن تشتري به سلاماً واستقراراً، لكن الذي حدث هو أنها اشترت به ورطة كبيرة تطورت عليها الآن ورطة أكبر هي مقترح أمبيكي. أي أن ما جاء به أمبيكي يبقى تطوراً على ما جاء به دانفورث قبل سبع سنوات. الآن أمام الحكومة هذه الفرصة. أما بالنسبة لضرورة تعديل بروتوكول أبيي من الناحية العملية لصالح سيادة البلاد، فيمكنها أن تستخدم الكرت الاقتصادي في مواجهة دولة جنوب السودان والمقصود تجارة الحدود مع توفيق أوضاع الماشية السودانية في الصيف القادم بإذن الله.. فبهذا السبيل يمكن أن تعود حقوق المسيرية السياسية وحق الدولة السيادي في أبيي.. لكن المؤسف أن الإعلام الرسمي لا يهتم ولم يلعب الدور المطلوب تجاه حقوق المسيرية التأريخية في أبيي والحق السيادي للدولة أيضًا بالمنطقة. لماذا لا تستضيف القنوات والإذاعات الحكومية علماء وأساتذة تاريخ السودان ليتحدثوا عن تاريخ منطقة أبيي؟!. لماذا لا يكون هناك برنامج تلفزيوني ومثله إذاعي أسبوعيان خاصان بتاريخ كردفان التي تشمل أبيي؟!. ننتظر من الحكومة السودانية أن تحدد آليات لإقناع المجتمع الدولي والأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن بأن أبيي سودانية، وهو أن طيبة المسيرية وكرمهم وقِيمهم هي التي ورَّطتهم حينما ادعِّى هذه أولئك الضيوف أن أبيي ليست شمالية «سودانية».