كل المؤشرات تشير بلا شك، إلى أن المؤتمر الوطني يتجه لتكوين حكومته القادمة التي تضم شركاءه وحلفاءه السابقين، ولن تضم حزبي الأمة القومي والاتحادي الأصل، وكل زوبعة الفنجان التي ملأت الساحة السياسية حول المشاركة في الحكومة القادمة والمحاصصات التي يجرى التفاوض حولها، موجودة فقط على صفحات الصحف ووسائل الإعلام، أكثر من ما هي في الواقع وما يجري بين المؤتمر الوطني مع من يحاوره من هذه الأحزاب. بالأمس حسم المؤتمر الوطني الكثير من خياراته، وقال ناطقه الرسمي البروفيسور إبراهيم غندور، إنهم لن ينتظروا هذه الأحزاب إلى ما لا نهاية، وسيعلنون حكومتهم قريباً، لكن سيستمر الحوار دون أن تتضرر مصالح العباد والبلاد..! يعني هذا أن أبواب الحوار لن تظل مفتوحة للأبد وستغلق عما قريب، ولن يرهن تشكيل الحكومة بدخول الحزب الاتحادي بخمس حقائب وزارية أو خمسمائة في التشكيل الوزاري، ولا بدخول حزب الأمة بنسبة مشاركة تبلغ 50% من السلطة أو 100% ، ومعروف أن هذه الأحزاب التي يحاورها الحزب الحاكم، تتعامل بحسابات ذاتية شديدة التعقيد فيها من الإسراع نحو المطمع والمغنم أكثر من ما فيها من تقدير مصالح البلاد وأهمية التوافق السياسي وحل كل المعضلات بالحوار البنّاء الجاد. وتتجاذب هذه الأحزاب خاصة حزبي الأمة القومي والاتحادي الأصل، اصطراعات داخلية بين تيارات متعارضة داخل هذين الحزبين، مؤيدة ورافضة للمشاركة، وعجزت قيادتاهما في إدارة الحوار الداخلي للخلوص لقرار موضوعي، سواء كان بقبول المشاركة في الحكم أو رفضها، وبدا وكأن مركز القرار في الحزبين تتقاذفه الأمواج ويتحول كل يوم لمكان، بينما القيادة تفكِّر في ذاتها وتعيد حساباتها على قياسات لا تصلح إلا لها. وحين ينفي المؤتمر الوطني أنه لم يتفق ويناقش عدد الحقائب الوزارية مع الاتحادي الديمقراطي الأصل، ولم يدِرْ نقاشاً مع حزب الأمة حول نسبة50% من مقاعد الحكومة تكون للقادم الجديد، فإن ذلك دليل دامغ على أن صناعة هذه النسب والمعلومات المضللة هي صناعة حزبية داخلية تتلاعب فيها المجموعات المتنافسة في الحزبين بأوراق اللعبة على غير هدى ورشد مما يفسد مسارات الحوار السياسي ويفقد الأشياء قيمتها وطعمها. المشاركة في الحكم، هي اتفاق على مفاهيم وبرامج قبل أن تكون على عدد المقاعد الوزارية وكم تبلغ نسبة المشاركة في السلطة، فالأهم الآن في هذا الظرف الدقيق أن يتفق الفرقاء في الساحة السياسية على قواعد وأسس تخدم المواطن وتحقق تطلعاته ورغباته في العيش الكريم وتوفير الأمن والسلام والاستقرار، وكراسي الحكم ليست محل تنازع وصراع وتجاذب، فهي إما أن تكون لصالح المواطن ولخدمته أو لا تكون، فحرص الأحزاب على عدد المقاعد التي تحصل عليها، ومفهوم المحاصصات مفهوم متخلِّف يعني ببساطة أن الموقع الحزبي الذي يتولاه منسوب الحزب الفلاني هو في الأساس لخدمة الحزب وأجندته ومطامعه قبل أن تكون وظيفة عامة هدفها عامة الناس ومن أجلهم. على المؤتمر الوطني أن لا يتباطأ في تشكيل الحكومة التي يريد، لقد ملّ الشعب الانتظار وأصابه القرف مما تمتلئ به الصحف ووسائل الإعلام من تزيدات سياسية ونفاق وشح أنفس وإضاعة الوقت الثمين واللعب على حبال الملهاة الجارية أمامه الآن. فالواضح للناس أن الخلاف بين رفقاء الساحة السياسية، ليس حول التوجهات والشعارات على الأقل الأحزاب الأكثر فاعلية في الساحة، ينحصر الخلاف في قضايا ومصالح ذاتية لا صلة لها بالمواطن البسيط، فالأحزاب عندنا حتى الآن لم ترتفع لمستوى المسؤوليات التاريخية والوطنية، تعتقد أن السياسة هي لعبة الحظ أو ملء الكف والبطن ووسائد نفخت من هواء السلطان.