قبل شهر ونصف تقريباً قمت بزيارة ابن اختي الأستاذ الكبير «السر احمد قدور» بشقته بالخرطوم، والتقيته بعد 35 عاماً من الزمان، ورغم طول المدة وتقدمه في العمر فقد ظلت صورة السر الشاب حاضرة بقوة في ذاكرتي، وذلك من خلال صورة قديمة عمرها 60 سنة تقريباً كانت معلقة على جدار ديوان والده المرحوم الحاج احمد قدور بحي الشعديناب بالدامر، وكنت اشاهدها يومياً اثناء اقامتي بمنزل عمي قدور وأنا طالب بمدرسة الدامر الثانوية في بداية الثمانينيات، اضافة الى وجود تواصل قديم بيني وبينه عن طريق الهاتف والبريد الالكتروني. وزيارتي للسر قدور كانت في اطار صلة الرحم ومشاهدته بعد تلك الفترة الطويلة، وبخلاف علاقتنا بالآباء فهو ابن اختي بنت عمتي الحاجة المرحومة «زينب بابكر شخيب» الشهيرة ب «بت البركة»، وهو يحترم هذه العلاقة ولا يناديني إلا بالخال العزيز، ورغم ازدحام برنامجه اليومي بصورة مزعجة حيث حضر للسودان لأيام معدودة لعزاء أحد اصدقائه في وفاة والده إلا أنه خصص لي مساحة كبيرة من وقته قاربت ثلاث ساعات، تطرقنا فيها لأمور كثيرة تتعلق بالأسرة والغربة والإعلام وبرنامجه الشهير «أغاني وأغاني»، وحكى لي الكثير عن ذكريات والدي معه عندما جاء للعلاج بمصر في عام 1979م، وأقام معه بشقته بالقاهرة حتى عاد للسودان، وقال لي وهو يضحك: «أبوك كان يسألني عن أخبار الفنانين والممثلين المصريين» وعندما سألته «من وين بتعرف الفنانين ديل يا جدي الطيب؟!» أجابني«بقرأ اخبارن في ورق اللف بالدكان»، فقلت له: «طيب يا جد إنت عاوز بي أخبارن إيه ؟!» فرد عليّ ممازحاً :«الناس بسألوني منهم لما أرجع السودان». وعرف الناس السر قدور شاعراً كبيراً وإعلامياً مرموقاً ورجلاً موسوعياً يمتلك ذاكرة فوتوغرافية، ولكنهم قد لا يعرفون السر قدور الرجل البسيط المتواضع العفوي النقي البريء طيب القلب والسريرة الذي يحب النكتة والتعليقات البريئة والساخرة، ولعل ضحكته العفوية الشهيرة في برنامجه الشهير «أغاني وأغاني» تعكس دواخله السمحة، كما انه اجتماعي لطيف يحب أهله ومعارفه، ويزورهم متى حضر الى السودان، ويلطف مجالسهم بظرفه وخفة ظله ونكاته وتعليقاته الذكية. وعندما عاد السر قدور من مصر في عام 2002م بعد غياب 30 عاماً متصلة، كان في استقباله جمع حاشد من الأهل أمام منزله بالشعديناب بالدامر، فبادر السر والدته الحاجة زينب بت البركة بالسلام مداعباً وممازحاً: «مرحب بي عرفة» وعرفة هي أكبر شقيقاته، ففاتت مداعبته لأمه على بعض الحاضرين فقالوا له مستغربين :«دي مي عرفة يا السر دي أمك زينب !!» فعانق والدته مداعباً وقال لها: «ما شاء الله على الشباب يا والدة كنت قايلك عرفة»، فضحكت أمه وضحك معها السر ضحكته الشهيرة وضحك معهما الجميع. وكان الكثيرون ممن يأتون للسلام عليه من الأهل يسألونه «عرفتني يا السر؟» فلما كثر عليه هذا السؤال انقلب عليهم، فكان كلما سلم عليه أحدهم سبقه بذات السؤال وقال له «عرفتني؟» فتوقفوا عن هذا السؤال. وذات مرة غنى له أحد ابناء الأسرة وهو «صلاح عثمان الشيخ» وقال له: «رأيك شنو يا استاذ السر في صوتي؟» فقال له السر :«فرق كبير بين الفنان والشجاع وأنا أهنيك على شجاعتك» وعندما اراد الانتقال من حي الجباراب لزيارة شقيقته عرفة بحلة الجاداب امتلأت سيارته بالمرافقين وتبقت مجموعة لم تجد مكاناً بالسيارة، وكانت من بينها احدى قريباته تسمى «النجدة»، فخاطبهم السر ممازحاً «ما في مشكلة الحقونا بالنجدة» ويقصد بعربة النجدة. وفي احدى المرات كان يرافقه شقيقه الفريق شرطة «م» د. عمر أحمد قدور رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين الذي يُنادى بسعادتو، فقام احدهم بمناداة السر قدور ب «يا سعادتو» فرد عليه السر ضاحكاً ومشيراً لشقيقه عمر :«داك سعادتو انا شقاوتو يا أخوي». خلال جلستي مع السر قدور طرحت له رغبتنا في الجالية السودانية بالرياض العاصمة السعودية في استضافته ليعطر امسياتنا بإبداعاته المتنوعة، وأبدى موافقته المبدئية وترك لي أمر التنسيق في هذا الخصوص، وكم أتمنى أن يتم التسنيق بصورة موسعة لاستضافة هذا الرجل القامة بالرياض.