«إيدز».. أربعة أحرف فقط، ولكن يكفي أن تذكرها أمام أحدهم حتى تتغير ملامح وجهه، ويبصق أو يضع أصبعه في التراب مهمهماً: «حمانا الله وإياكم»، ولعل «الوصمة» المرتبطة بالمرض هي المثيرة للذعر، وليس لكونه لا شفاء منه. والإيدز هو متلازمة العوز المناعي البشري المكتسب، والإصابة بفيروس الإيدز تؤدى إلى ضعف الجهاز المناعي بالجسم مما يجعل الشخص المصاب بالإيدز معرضاً لمجموعة من الأمراض التي غالباً لا يصاب بها الأصحاء الذين لا يحملون الفيروس، وتسمى بالأمراض الانتهازية. الشخص الحامل لفيروس العوز المناعي يمكن أن يبقى صحيحاً لسنوات عديدة دون أن تظهر عليه أية أعراض أو علامات للمرض. فالشخص يحمل الفيروس ولكن لا تظهر عليه أي أعراض مرضية «موجب فحص الفيروس» يسمى -حامل الفيروس-الشخص الذي يحمل فيروس الأيدز وتظهر عليه أعراض وعلامات المرض يسمى بمريض الأيدز. في المؤتمر الصحفي الذي عقد بوزارة الصحة الاتحادية في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز بتشريف وزير الصحة الإتحادية بحر إدريس أبو قردة، ووزيرة الرعاية الاجتماعية أميرة الفاضل، ووزير الإعلام د. أحمد بلال، قدم مدير البرنامج القومي لمكافحة الإيدز د. إيهاب علي حسن تنويراً عن الوضع العالمي للإيدز وفي السودان، تفاصيله كالآتي: ٭ «17.000» حالة إصابة جديدة بعدوى فيروس الأيدز في اليوم الواحد، وعلى رأس كل دقيقة يصاب «6» أشخاص. في أفريقيا جنوب الصحراء أصبح الأيدز هو القاتل الأول، وتبلغ جملة الأحياء الذين يحملون فيروس الإيدز «29.4» مليون شخص أي ما يعادل حوالي 70% من العدد الكلي للإصابة عالمياً، مليون شخص أصيبوا بفيروس و مرض الأيدز منذ بداية الوباء وحتى الآن. ٭ هناك «33.3» مليوناً يعيشون مع فيروس نقص المناعة البشرية. ٭ «11.2» مليون طفل هم عدد الأيتام الذين فقدوا أحد أبويهم بسبب الأيدز قبل بلوغهم سن الخامسة عشرة «2000». ٭ «4.8» مليون طفل دون سن الخامسة عشرة هم ضحايا ومصابة الأيدز منذ بداية الوباء «2000م». في السودان الوضع الوبائي في السودان يسمى ب «الوباء»المركز بمعنى تركزه في فئات خاصة في المجتمع وإستراتيجية البرنامج للخمس سنوات العمل على حصر الوباء داخل تلك الفئات وتقليل الإصابات، ومنع انتشار المرض وسط الفئات الأكثر عرضة ورعاية المصابين وهم فئات خاصة جداً والعمل فيها حساس ويتطلب جهوداً كبيرة، لذلك عول د. إيهاب على جهود المجتمع المدني والمنظمات وتفهم الأجهزة الرسمية. تم اكتشاف أول حالة أيدز بالسودان في العام 1986 م من العام 1986- 2002م. لا توجد معلومات مبنية على دراسات توضح الوضع الحقيقي للإيدز. في العام 2002 قام البرنامج بمسح وبائي سلوكي لتحديد حجم المشكلة، تم إجراء مسح السودانى لصحة الأسرة كذلك يجري الآن مسح للفئات الأكثر عرضة فى كل الولايات، معدل الانتشار وسط أفراد المجتمع السوداني عام 2009 م قبل الانفصال«1.6» وانخفضت بعد الانفصال إلى«0.67%» وكانت معظم الإصابات عن طريق الاتصال الجنسي. أعراض المرض أعراضه صغيرة غير ملاحظة مع الإصابة الأولى، ووصفها مدير البرنامج القومي لمكافحة الإيدز دكتور إيهاب علي حسن في حديث ل«الإنتباهة» بأنها شعور كالزكام والحمى وآلام في المفاصل، هناك عوامل تتحكم في ظهورالأعراض منها العمر، ومناعة الشخص ووجود أمراض أخرى تضعف مناعة الشخص كالسكري والسرطان، فهناك شخص تظهرعليه الأعراض بعد «6» أشهر وآخر بعد «15» سنة وآخر يمكن أن يموت بمرض آخر دون أن تظهر عليه أعراض الإيدز، وعندما تظهر الأعراض فهذا يعني أن المرض في مراحله المتأخرة، والعلاج في هذه المرحلة يصبح غير فعال. المتعايشات.. أنانية الرجال. يظن الناس أن المتعايشين مع المرض بعيدون عنهم نسبة للسرية التي يحيطون بها أنفسهم. فالمريض لا يعلن عن نفسه، لأنه كما أسلفنا مرتبط بسلوكيات غير مقبولة، ولكن الواقع أن حاملي الفيروس يعيشون وسط الناس ويمكن أن يكونوا من أقرب الناس، فإذا نبذوا يمكن أن تكون لديهم ممارسات سالبة ضد المجتمع حسب الباحثة الاجتماعية بالأممالمتحدة، منى حمد النيل وقد وفرت لهم الأممالمتحدة «15» مقراً لتكون جمعيات لرعايتهم وتدريبهم وتقديم الإرشاد النفسي، ووجود تلك الجمعيات جعلهم يظهرون في المجتمعات دون خوف من الوصمة، وقد شعرنا بذلك لدى زيارتنا لمقر جمعية المتعايشين بمدينة عطبرة التي زرناها لتغطية فعاليات الاجتماع ربع السنوي لمنسقي الإيدز بالولايات، فجلسنا إلى الأمين العام للجمعية التي انتقل إليها المرض عن طريق زوجها، وقد اكتشفت المرض صدفة حيث كانت مريضة وأجري لها فحص الإيدز ضمن الفحوصات، فاكتشفت إصابتها وحدثتنا عن تغير مفاهيم الناس نحوهم، فقالت: (في الأول لم يتقبلنا المجتمع، وكان بعضهم يكتب على حائط سور الجمعية «احذر».. يوجد مريض إيدز)، فطلبنا من رئيس الحي أن يحشد لنا الشباب وأقنعناهم بالجلوس معنا وشرحنا لهم أن المرض ينتقل بطرق معينة، ولكن للأسف بعض الأطباء الذين يفترض فيهم الوعي، هم أنفسهم أقل وعياً من المجتمع البسيط، وأول وصمة جاءتني من طبيبة رفضت أن تنزع الفراشة من يدي عندما علمت بإصابتي، لولا إحدى «الخالات» التي قالت: «الحي الله والكاتل الله» ثم نزعت لي الفراشة، وفي هذه اللحظة تقول «ر»: «إنها شعرت بحقد عظيم نحو الطبيبة وتمنت لو عضتها». أما «أ» فأرملة كانت متزوجة من ابن عمها المترجم بأحد فنادق الخرطوم الفخمة، وقد شكَّل لها الأمر صدمة حين علمت بإصابة زوجها، وبالفحص اتضح إصابتها، ولم يعش زوجها أكثر من «15» يوماً بعد علمها بإصابته، وقد أنجبت منه طفلة سليمة، وتردف محدثتي: «الرجال لا يحاسبون أنفسهم ولا يحاسبهم المجتمع كما يحاسب المرأة، فتحمل الوصمة رغم أن الرجل هو السبب بأنانيته». الشابة «ع» التي انتقل لها المرض أيضا عن طريق زوجها كانت تقيم معنا بنفس الشقة بأحد فنادق عطبرة، وكانت توقظنا وزميلتي الصحافية ب«آخر لحظة» حنان الطيب لصلاة الفجر، وتعد لنا الشاي ريثما نصلي.. «ع» مرحة لا تراها إلا وهي ضاحكة، وما زالت ترقص في الحفلات التي أقامتها فعاليات عطبرة احتفالاً بوفد البرنامج القومي لمكافحة الإيدز، هي والمتعايش «م» ورئيس جمعية المتعايشين بالخرطوم الذي انتقل إليه المرض في عيادة طبيب أسنان استخدم نفس الأدوات التي استخدمها لخلع ضرس إحدى الأجنبيات المصابات، وقد نقل «م» المرض لزوجته ! «داعبت «ع» قائلة : «قلبكم ميت»، فقالت لي: «لو قلبنا ما مات ما بنموت نحن». أما الشاب «م» فكان يداعبنا كل مرة: «نحن مفيرسين أبعدوا مننا». لماذا الإيدز؟ لم تحظ الأمراض المنقولة جنسياً الأخرى بالاهتمام الذي حظي به الإيدز رغم أنها لا تقل عنه خطورة، إذ لها آثارها الصحية القاتلة ومضاعفاتها الخطيرة ولعلاقتها الوطيدة بالإيدز لأنها تسهل انتقال الفيروس حسب رئيس وحدة الأمراض المنقولة جنسياً بالبرنامج القومي لمكافحة الإيدز د. أسامة مدني في حديث ل«الإنتباهة» وأشهر الأمراض المنقولة جنسياً التي تزيد عن ال«20» مرضاً (القرحة التناسلية، السيلان، الزهري، ألم أسفل البطن، الرمد الوليدي -يصيب حديثي الولادة-، الكلاميديا، الورم الإربي وورم كيس الصفن». إذن لماذا فصل منها الإيدز رغم أن الوصمة فيها هي نفس الوصمة التي يعيشها مريض الإيدز؟ السؤال طرحته على د. أسامة الذي أجاب بأن علاجها ممكن وغير مكلف، ولخصوصية الإيدز المتمثلة في الانتشار الصامت، ولأنه لا شفاء منه رغم أن لها نفس طرق الانتقال والوقاية والمكافحة، لكن هناك فروقات بسيطة تتمثل في أن أسبابها قد تكون فطرية أو بكتيرية، بينما الإيدز منقول بالدم. المعالجون غير مطالبين بالحكم على سلوك الناس كما أفادنا د. أسامة يقدمون الدواء بغض النظر عن كيفية الإصابة. برنامج مكافحة الإيدز يعتمد بصورة رئيسة على الشراكات المختلفة للسيطرة على المرض الذي تكمن خطورته أن مريضه يمشي على قدمين حسب د. إيهاب والمشكلة الرئيسة «الصمت» لأن المرض مرتبط بسلوكيات غير مقبولة لذلك يحجم الناس عن الحديث عنه، أما أدوات مكافحته فلا تملك وزارة الصحة سوى 20% فقط منها، والبقية توفرها القطاعات الأخرى التي لديها شراكة مع البرنامج القومي لمكافحة الإيدز. يهدد اقتصاد الدول وأمنها وزارة الصحة تولي اهتماماً خاصاً لمكافحة الإيدز لأنه كما قال وكيل الوزارة الاتحادية د. عصام عبد الله في لقاء سابق لا يهدد صحة الإنسان فقط، بل اقتصاد البلد وأمنها، والنماذج متوفرة في دول أفريقيا التي انتشر فيها المرض فلم تجد من تجنده في جيشها أو يزرع زراعتها، وفي مؤتمر اليوم العالمي للإيدز قال وزير الصحة بحر أبو قردة إن انخفاض نسبة الإصابة لا يعني نجاح برامج المكافحة، فالنسبة قد تتقلص بالوفاة وأن الوضع الوبائي في السودان مقارنة بالعالمي مطمئن، ولكن مقارنة بدول الإقليم يثير المخاوف خاصة وأن هناك قرى في يوغندا وجنوب أفريقيا فتك المرض بمواطنيها فاختفت. رسالة الأممالمتحدة هدف الأممالمتحدة في محاربة الإيدز في الفترة من 2012 2015 رفع الكفاءات البشرية والبيئية والتحتية عن طريق استثمار الدعم المدفوع من صندوق الدعم العالمي كما يعمل الصندوق على تقوية جمعيات المتعايشين مع الإيدز، ويكشف تقرير اليوم العالمي للإيدز عن تقدم ملحوظ في الوقاية من فيروس الإيدز ومعالجته خلال العامين الماضيين، وانخفض عدد الإصابات إلى النصف في 25 دولة، 13 دولة منها جنوب الصحراء الكبرى، وانخفضت الوفيات إلى الربع منذ 2005م، وقال المدير التنفيذي لبرنامج الإمم المتحدة ميشيل سيدبي إن برنامج الأممالمتحدة المشترك المعني بالإيدز يقود العالم لرؤية مشتركة الخاصة بصفر إصابات جديدة، صفر تميز وصفر وفيات. ويجمع البرنامج إحدى عشرة من وكالات الأممالمتحدة في مسعى للاستجابة لوباء الإيدز، هي المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الآمم المتحدة للطفولة، برنامج الغذاء العالمي، برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، صندوق الأممالمتحدة للسكان، مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، هيئة الأممالمتحدة للمرأة، منظمة العمل الدولية، منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة، منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي. في الشبكة الشبكة السودانية تضم «72» منظمة، وتشغل منصب نائب رئيس الشبكة العربية للشبكات العاملة في مجال الإيدز. وتقوم حسب رئيسها إبراهيم محمد بتنسيق الجهود وترقية التعاون بين الأعضاء والجهات ذات الصلة، وتقليل الوصمة والتميز، وحث المتعايشين للتعايش الإيجابي ودعم ورعاية المتعايشين. أهمية الإرشاد النفسي يُكتشف المرض عن طريق الفحص الطوعي أوالتحويل من أية مؤسسة صحية. يقول المرشد النفسي مجتبى : «إذا كان من الفئات المعرضة للإصابة بحكم سلوكه أو مهنته نحاول تغيير سلوكه حتى لا يصاب ثم يحضر للفحص بعد أخذ موافقته وتؤخذ منه عينة في سرية حتى المريض يذهب للفحص بكود ويسمى العميل، إذا كانت النتيجة إيجابية نساعده لتقبلها ونحدثه عن التعايش الإيجابي في «4» محاور الرعاية الطبية والصحية والنفسية والرعاية الاجتماعية والتغذية والدعم الروحي، فنخبره عن التعايش الأمثل مع المرض وكيف يطور علاقته مع ربه والآخرين ويطور إمكانياته، وهناك نماذج لكثيرين تغير مجرى حياتهم بل أن بعضهم تصوف، ثم نربطه بالمجموعات الداعمة المتمثلة في جمعيات رعاية المتعايشين. وحسب مجتبى هناك سودانيون مبعدون من دول أخرى يعلمون بإصابتهم ولكنهم يأتون للتأكد، والبرناج القومي لمكافحة الإيدز لا يعتمد سوى نتائج مراكز الإرشاد النفسي والفحص الطوعي التابع لوزارة الصحة تحت مظلة البرناج القومي، وهؤلاء في الغالب لديهم مشكلات سلوكية ويحتاجون لإرشاد. خطوة في الطريق الصحيح وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي أميرة الفاضل أكدت أن وزارتها شريك مع الصحة في إطار التوعية الاجتماعية بإقامة سمنارات وورش مشتركة مع البرنامج القومي، وعملياً قامت الوزارة بتيسير الزواج للشباب حيث وجه رئيس الجمهورية بإنشاء صندوق تزويج الشباب بمبادرة من الشباب الوطني الذي كان حاضراً في مؤتمر اليوم العالمي، وقامت الوزارة بتزويج «10» آلاف بولايات السودان المختلفة تحمَّل التكلفة الصندوق وديوان الزكاة الاتحادي، ووعدت بتوفير ميزانيات القضاء على الإيدز. واجب الإعلام وزير الإعلام د. أحمد بلال الذي لبس عدة قبعات في المؤتمر كوزير صحة أسبق، وراعي لأنشطة الشباب الوطني، ووزير للإعلام، تحدث عن التغيير الذي حدث في مفهوم الناس عن الإيدز عنه إبان استوزاره. وقال إن نسبة الإصابة في السودان غير مطمئنة، وحث أجهزة الإعلام على توفير مساحات مجانية لبرامج الإيدز. وقال إن المسؤولية ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية الجميع وعلى رأسها الإعلام، ووزارتا التربية والداخلية، لأن الواقع لا يعالج بدفن الرؤوس بل بالمواجهة. بعض الصحافيين سألوا عن الواقي الذكري فأجاب دكتور إيهاب باقتضاب: «لن يكتمل الحديث عن مكافحة الإيدز إلا بذكر الواقي الذكري»