جاء باقان أول الأمس وكعادته بدا كئيباً متجهماً لا تستطيع أن تحدِّد من ملامح وجهه إن كان غاضباً أو راضياً فوجهه من النوع الذي يصعب أن تجد فيه أي تعابير وبالذات تغيب عنه تعابير الفرح والانطلاق.. وطيلة تعامله مع بلادنا ومنذ عودته مع قرنق في عام ألفين وخمسة كان عابساً باسراً زائغ النظرات «مدلهم الأبعاع» ولا تسألني عن معنى مدلهم الأبعاع فهو كذلك.. ولعلنا لا ننسى عندما كان وزيراً لمجلس الوزراء «يعني جُوَّه الحكومة وداخل مطبخها» وعندما قال في مؤتمر صحفي إن هذه حكومة فاشلة وحكومة تعيسة وفاسدة وظل يهرطق ويهرف بما لا يعرف وكلفه ذلك وظيفته كوزير لمجلس الوزراء.. ثم ظل متجهم الوجه مقطب الجبين مدلهم الأبعاع و«حانف وِشُّو» طيلة بقائه في البلاد وحتى إعلان الاستفتاء عندما قام بكل الهمة والنشاط ونشر الذعر والهلع والخوف وسط الجنوبيين كلهم المسلم منهم والكافر وهددهم وتوعدهم بأن من يصوت للوحدة سيكون نصيبه الشؤم واللؤم والعذاب المقيم.. ولهذا فقد جاءت نتيجة الاستفتاء على الوجه الذي رأيناه 99.8% ولم ينجح أحد من طالبي الوحدة مع الشمال.. وجدت النتيجة وكأن كل جنوبي كان يقعد على «كانون» متقد في شمال السودان انتظاراً لجنة عدن في جوبا.. وعند ذلك ومع زيادة درجة العبوس في وجه باقان المتجهم صاح الرجل قائلاً «باي باي لوسخ الخرطوم، باي باي لوسخ المندكورو، باي باي للعروبة والإسلام». وظل باقان ينفث سموم الكراهية التي تأصلت في نفسه «المخروبة» بالمرارات التي يضمرها في قلبه منذ أن جاء محمولاً على ظهر أمه.. وأكل وشرب ودرس وتعلم عربي جوبا وزاد عليه من لغة الضاد وعرف وضع النقاط على الحروف على طريقة أبي الأسود الدؤلي ووجد العمل الذي يقتات منه في مواقع كثيرة على الرغم من أن الأعمال التي مارسها ربما لم تكن لترضي طموحاته الجامحة لاحقاً.. وظل متجهماً عابساً باسراً يكره الشمال والشماليين ويسب «سنسفيل» العرب والمسلمين ويضمر الحقد على أهل السودان كبيرهم وصغيرهم ولا يعمل على غير السعي نحو هلاكهم أجمعين.. ثم كان ما كان في أمر المحادثات التي جرت بالخرطوم ومقابلة «جماعتنا» له عندما «اندلقوا» و«اندفقوا» وأخذتهم الهاشمية و«أم هلَّا هلَّا» وأقاموا له احتفالاً بهيجاً في منزل جمال الوالي وغنوا له مع الكابلي كل الأغاني القديمة بتاعة آسيا وأفريقيا وحكوا له عن جومو كنياتا ولوممبا ومنقو زمبيري وكانت هذه أول مرة نرى فيها باقان وهو يرقص ويتبسم حتى تبدو نواجذه إن كانت له نواجذ وكان ذلك الابتسام كذب في كذب في كذب وبعده بأقل من عشر ساعات كان سلفا كير يعلن احتلال هجليج وباقان يصفق وينطط ويقول «هلالويا» ولا أدري إن كانت «هلالويا» شيئاً يعادل التهليل عندنا وإن كنت أعتقد أن باقان «ما عندو دين». والآن يأتي باقان بنفس الوجه المعدوم التعابير العابس الباسر المتجهم ليقول إنه يريد أن «يحرك» الجمود في اتفاقيات التعاون ويرجع بالناس إلى «المربع الآخر». ونحن بالطبع لا نصدق باقان حتى لو جاءنا وهو يحمل مائدة من السماء على رأسه أو حتى جاءنا محمولاً على السحاب أو طائرًا على بساط الريح أو أمطر علينا حجارة فالرجل عابس باسر جربنا عليه الكذب وذقنا منه مرارات الكراهية لبلادنا ولأهلنا ولذوينا.. وأتى الآن فقط ليرفع الأمر إلى مجلس الأمن والمطلوب الآن أن نكون حذرين جداً وأن نراقب الخلايا النائمة ومجموعات المتمردين والجنوبيين بالخرطوم حيث لا ندري ماذا سيحدث عندما يغادر باقان «ويدينا ضهرو» وإن كنا نتوقع أن يقول إنه قد ذهب إلى السودان ولكنهم رفضوا فتح الحدود ومنح الحريات الأربع وتمرير البترول ويطلب من مجلس الأمن أن يقوم بذلك تحت البند السابع.. { كسرة: سمعت في إحدى قنواتنا الفضائية أمس مذيعاً ينقل تصريحات يقول إن باقان أموم قد جاء يحمل رسالة من سلفا كير إلى شقيقه الرئيس عمر البشير.. وهنا لا بد أن نكرِّر على الزملاء في القنوات وفي الصحف اختيار الألفاظ المناسبة للمواقف المناسبة.. فلا يمكن أن نطلق كلمة وصف «شقيق» على سلفا كير.. فهو عدو وليس صديقاً.. والشقيق هو من ولده أبوك وأمك.. ولا يمكن أن يكون عمك حسن أحمد البشير قد ولد شخصاً آخر اسمه سلفا كير ميارديت.. لأن ميارديت غير عمك حسن.. والاثنان لا يجمع بينهما «أردب سمسم» من العلاقة بتاعة النسب.. ومن المستحيل أن يكون البشير شقيقاً لسلفا كير.. وهذه الاستحالة تشبه تماماً استحالة فك الارتباط بين الجنوبيين ومتمردي الشمال مثلما قال باقان لشقيقه عرمان.