في غمرة الغبار الذي أثارته المحاولة الانقلابية مرَّ تقرير المراجع العام بالرغم مما فيه من «بلاوي» كأنَّ شيئًا لم يكن، فالذي يطَّلع على التقرير تستوقفه بعض المحطات المحبطة، وما أكثرها!! ولكن نقف فقط عند ثلاثة منها، وما ذاك إلا رفقًا بالأخ القارئ الكريم كشف الذي تسرب اليأس إلى نفسه المحبطة وفؤاده الجريح وخاطره المكسور بسبب التساهل مع ظاهرة الاعتداء على المال العام.. التقرير كشف عن تجاوزات في المنح والقروض، تتعلق بسحب وزارة التعاون الدولي «721» مليونًا من منحة مجهولة الجهة وأوجه صرفها علاوة على «منحتين» قطرية وجزائرية لم تظهر بالحساب الختامي، ولا يوجد ما يفيد بأوجه صرفها فى وزارة المالية، لكم أن «تخمنوا» كم هو مبلغ المنحتين القطرية والجزائرية، علمًا بأن همسًا قد تردد أن المنحة القطرية تجاوزت المليار دولار... المهم ما علينا... لكن سؤالنا الأهم ما هو الإجراء الذي اتُّخذ حيال وزارة التعاون الدولي، ولا شك أن الوزير هو المسؤول الأول بحكم المنصب والمسؤولية الأخلاقية والأدبية، وإذا كانت الحكومة في السابق تبرر نهب المال العام بأن من يفعلون ذلك هم موظفون صغار وأن القانون سيجري مجراه، فإن الحديث اليوم عن منح مليارية بالدولار ولا أظن أن للصغار شأنًا بها. الأمر الثاني الذي يستوجب التوقف عنده عودة الإعفاءات الجمركية تلك الأورام السرطانية التي أكلت لحم الاقتصاد السوداني ونخرت عظمه بحيث تفقد الخزينة العامة مليارات الجنيهات، فهذا الداء العضال ظننا أننا قد عوفينا منه منذ العام 97 في معركة الإعفاءات الجمركية مع وزير المالية السابق الدكتور عبد الوهاب عثمان ولكن للأسف عاد لصوص الإعفاءات وسماسرتها بصورة أكثر بشاعة من ذي قبل ولكم أن تتصوروا إعفاءات «587» منظمة أوردها التقرير. والمحطة الثالثة ظاهرة المؤسسات والوحدات الحكومية التي تستعصي على المراجعة ولا أحد يقدر على محاسبتها أو توجيه اللوم لها، وكأن الرجال الذين على رأس هذه المؤسسات شهدوا «بدراً» أو أنهم مبرأون من هذه الشبهات الظاهرة، حيث ذكر التقرير أن «25» منها لم تقدِّم حساباتها للمراجعة، ولست بحاجة للحديث عن «الجنيب» الذي قال عنه التقرير إن حجم المال المجنَّب بالوزارات والوحدات الحكومية بلغ «497» مليون جنيه و«5» ملايين دولار.