أوردت الصحف الصادرة في الأسبوع المنصرم ما يلي: «هدد نواب دارفور بالمجلس الوطني، بتقديم استقالات جماعية في حال استمرار المماطلة في تشييد طريق الإنقاذ الغربي، وقرر البرلمان أمس تشكيل لجنة عُليا برئاسة أحمد إبراهيم الطاهر لمتابعة أمر تنفيذ الطريق. وانتقد النواب في مداولاتهم مبررات الحكومة بشأن تأخير إنشاء الطريق قرابة العشرين عامًا بسبب التمويل وشركات الباطن». وهذا موقف أقل ما يقال عنه أنه يعبِّر عن إحساس هؤلاء النواب بالمسؤولية تجاه ناخبيهم، ولا نملك إلا أن نشيد به أيما إشادة. ومع كامل احترامنا للسيد رئيس المجلس الموقر، وهو في ذات الوقت ممثل دائرة غرب بارا بشمال كردفان، نذكِّر سيادته بأن ولايته لها مطلب مماثل هو تنفيذ طريق أم درمان جبرة بارا، الذي يعد مكملاً لطريق الإنقاذ الغربي، فماذا فعل سيادته حيال هذا المطلب؟ سيما وأن كردفان، عن بكرة أبيها، قد ساهمت بالتنازل عن حصتها في السكّر لفترة طويلة لصالح مشروع طريق الإنقاذ الغربي، وهي إذن شريك في حق المطالبة بتنفيذ وقيام هذا الطريق الحيوي، الذي لم يعد ضرورياً فقط من أجل النقل والمواصلات، بل ضرورة وطنية ملحة لإعادة بناء الهوية السودانية؛ بتواصل الهوامش الغربية مع الوسط. نعتقد أنّ نواب شمال كردفان قد تأخروا في إعلان موقف واضح فيما يتعلق بموضوع طريق أم درمان جبرة بارا، ولا أدري إلى متى سيطول صمتهم عن تلكؤ الحكومة في تنفيذ هذا الطريق الذي ظلت جماهير الولاية، بل الغرب عموماً في انتظاره، منذ أن بشّر بِهِ السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، الأستاذ علي عثمان طه، عند افتتاح طريق بارا الأبيض قبل سنوات. وقياساً على القاعدة الفقهية: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، فإنّ ما لا يكتمل مشروع قومي إلا به فهو قومي، وينطبق هذا القياس على طريق أم درمان بارا تماماً؛ لأنه يعد جزءًا مكملاً لطريق الإنقاذ الغربي. علاوة على هذا، نحن نعلم أن السيد رئيس البرلمان يتدثر بالعباءة القومية دائماً، ومن هنا نجد له العذر في الوقوف إلى جانب نواب دارفور في مطلبهم العادل، ولكننا نقول لسيادته إن الأقربين أولى بالمعروف، ونطالب سيادته بأن يشمل طريق أم درمان جبرة بارا بشيء من رعايته واهتمامه، أو بمعنى أصح أن يضعه تحت عباءة القومية، على أقل تقدير، مساندة لإخوته من نواب الولاية الذين ينوون طرح مسألة مستعجلة لوزير المالية فيما يخص تمويل هذا الطريق، علماً بأن المكوِّن الأجنبي من هذا التمويل ظل في بنك السودان منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقد حاولت بعض الجهات، ذات النفوذ تحويل هذا المبلغ لمشروعات أخرى، لولا تدخل السيد النائب الأول للحيلولة دون هذا التصرف المعيب. كما تبرعت إحدى الشركات الوطنية الكبرى برصف عشرة كيلومترات من الطريق المذكور مجاناً إكراماً لأهل شمال كردفان؛ فلماذا لا يستفاد من هذه المنحة الكريمة؟ حتى لو نستطيع أن نجتاز رمال «قوز أبو ضلوع بدون وحل» فقط. من ناحية أخرى ذكرت وسائل الإعلام أكثر من مرة أن الجهات المعنية على وشك البدء في تنفيذ الطريق المشار إليه، ولكن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح. ومن تلك التصريحات ما جاء على لسان وزير الطرق سابقاً «إن المفاوضات مع إحدى الشركات الصينية بشأن تمويل وتنفيذ مشروع طريق أم درمان جبرة بارا قد وصلت مراحلها النهائية، وسيبدأ التنفيذ حال اكتمال بعض الأعمال الإجرائية»، فهل يا ترى لم تكتمل هذه الإجراءات أم ثمة أمر آخر يحُول دون تنفيذ هذا المشروع الحيوي؟ ولدى مخاطبته جماهير محلية غرب بارا في حاضرتها أم كريدم قال النائب الأول لرئيس الجمهورية: «أنا أتيت هنا لأقول لكم إن طريق أم درمان جبرة بارا سيقوم والتزامنا به التزام قاطع وسنوفر الدعم المالي الذي ينفذ هذا المشروع». وألا يكفي أن يبكي السيد مهدي عبد الرحمن أكرت، أحد نواب شمال كردفان، تحت قبة البرلمان، وهو يشتكي مُر الشكوى من التأخير الذي قد يكون متعمداً في تنفيذ هذا الطريق فقد قال سيادته: «كان أملنا أن تُرد التحية لأهل شمال كردفان الذين يتجرعون علقم التهميش والتجاوز، بأحسن منها»،خاصة وأنهم قد وقفوا مع الإنقاذ في كل مراحلها، وتحمّل أطفالهم الكثير من العنت والحرمان بتنازلهم عن حصتهم في السكر أملاً في تنفيذ طريق الإنقاذ الغربي، الذي يعد طريق أم درمان بارا جزءًا منه! ولعل هذا ما يجعل البعض يعتقد أن ولايات السودان «فيها خيار وفقوس»، ففي بعض الولايات إذا رأت عجوز في منامها أن ثمة طريقًا يمر بقريتها، لتحول ذلك الحلم إلى واقع في وقت وجيز، بغض النظر عن حجم القرية وعدد سكانها وأهميتها الاقتصادية! فلماذا التعامل مع المشروعات التنموية في ولايات غرب السودان بكل هذا القدر من عدم المبالاة، يا ترى؟ خاصة إذا علمنا عدد سكان هذه الولايات، ومساحتها، ومساهمتها في الميزانية العامة سواء عن طريق الإنتاج الزراعي، أو الحيواني الذي يدعم الصادر وبالتالي يوفر عملة صعبة لخزينة الدولة، أو بالربط الضريبي السنوي على تلك المنتجات. ويُحكى أن أحد سكان بور تسودان عندما سُئل عن التنمية أجاب بقوله: «زمان كان تخلي بيتك فاتح غراب يدخل، لكن وكت دا كان تخلي بابك فاتح أيلا يدّخل ليك ظلط جوه»! أما نحن فلا نحلم بهذا المستوى من الاهتمام، ولا حتى في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، فهذا حلم بعيد المنال، وإنما نريد فقط من رئاسة الجمهورية، ومن السيد رئيس المجلس الوطني، ابن الولاية وأحد نوابها، أن يبذلوا كل ما في وسعهم حتى يوفوا بما قطعوا على أنفسهم من عهود ووعود لأهل هذه الولاية التي لم تشهد قيام مشروع قومي واحد خلال أكثر من عقدين من الزمان هي عمر الإنقاذ، سوى جامعة كردفان التي ساهم الأهالي والمغتربون بقدر وافر من تكلفة إنشائها. إن هذا الطريق يعني إحداث تنمية اجتماعية، وثقافية واقتصادية، وتحولاً تاريخياً لأهل المنطقة، ولذلك فإن أي يوم يمر دون اتخاذ خطوة عملية من أجل تنفيذه، يعني مزيداً من الحرمان والتهميش لأهل شمال كردفان. أخيراً نقول لإخوتنا نواب دارفور، إننا نؤيدكم في هذا التحرك المشروع، ونود منكم الاستمرار في المطالبة بكل وسيلة نظامية حتى يتحقق تنفيذ هذين الطريقين، وعلى نواب شمال كردفان اتخاذ موقف مماثل! أما حكومة ولاية شمال كردفان، فإن المطلوب منها أن تطلع بما يليها من مسؤولية، وتلح على المركز، وتطالب بالبدء في تنفيذ هذا المشروع خلال السنة المالية القادمة، حتى يتحول هذا الحلم الكبير إلى واقع!