٭ قبل عدة سنوات صدر ما يُعرف بالكتاب الأسود يتحدَّث عن أن أبناء الشمال من مقرن الخرطوم إلى مقرن عطبرة إلى مُنحنى النيل قد ظلوا يحكمون البلاد بعد الاستقلال في عام 1956م، ومن أصدروا هذا الكتاب الأسود لم يوحوا فيه بأنهم مستوعبون للظروف التي أحيطت بحكم البلاد طيلة هذه الفترة.. ولم يكن التناول في هذا الصدد موضوعياً إذ أن أول رئيس وطني بعد الاستقلال وهو الزعيم العظيم إسماعيل الأزهري من أبناء الأبيض بغرب البلاد وإن كان أبناء عمومته في منحنى النيل وأشهرهم أبطال روايات الطيب صالح الذين عاشوا هناك مثل ود الرواسي والزين وسعيد عشا البايتات وجبر الدار وغيرهم.. وقد حكم الأزهري السودان بصفته زعيم حزب فاز في الانتخابات، أما العسكريون مثل نميري والبشير فقد حكموا البلاد بصفتهم قادة انقلابات حالفها النجاح، فلم يكن هناك قانون أو دستور أو عُرف أو عادات وتقاليد تحدد من وكيف يكون رئيس السودان، بل هناك ظروف موضوعية. وقد حكم البريطانيون الصليبيون الشعب السوداني المسلم، وقد حكم اليهودي سلاطين رودلف إقليم دارفور بعد إعادته وليس ضمه كما يقال إلى السودان عام 1916م فوق دماء الشهيد السلطان علي دينار طيب الله ثراه، والبريطانيون قد انتزعوا السلطة من حاكم السودان القادم من غرب البلاد سيد الشهداء السودانيين الخليفة عبد الله التعايشي. أما حركة العدل والمساواة التي يُنسب إليها «الكتاب الأسود» فقد اشترطت للمشاركة في المحاولة الانقلابية الأخيرة شرطًا غريباً يدل على أنها غير جادة أو أنها ترى استحالة نجاح العملية حسب معطيات تكون قد استوعبتها وقد أُشير في «الاعترافات» أن هذا الشرط مع شروط أخرى تمت الموافقة عليه.. والسؤال هو هل تراجعت حركة العدل والمساواة عن مضامين الكتاب الأسود حينما وافقت بشروطها على المشاركة في الانقلاب الذي كان بقيادة شخصية من جهة تقع بين «المقرنين»؟!. دعونا من التعليق على «دجاجة الفكي».. والدجل والشعوذة لنجاح الانقلاب فقد ماتت الدجاجة ورأى «الفكي» نفسه في المنام أن الانقلاب فاشل. نعم الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء هو الله وليس الفكي الدجال المشعوذ الذي قد يواجه بلاغاً في شرطة أمن المجتمع إضافة إلى المحاكمة مع الانقلابيين باعتباره متستر على جريمة تقويض النظام وهي مخالفة للقانون الجنائي. أود أن أشير إلى ذاك «الكتاب الأسود» الذي يكرِّس للفتنة بين أبناء الوطن الواحد ما دام أن حركة العدل والمساواة الجناح العسكري للمؤتمر الشعبي لم تمانع في المشاركة في المحاولة الانقلابية بقيادة العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم».. ثم إذا كانت حركة العدل والمساواة ترفض الجلوس للتفاوض للمشاركة في إحلال السلام والأمن في دارفور وإعادة الإعمار والعمران الجديد والتنمية والخدمات لأنها تراهن على تغيير النظام هل تقبل بأن يكون قائد النظام الجديد من غير أعضائها في قيادتها؟!. إذا قبلت تكون قد تراجعت عن الكتاب الأسود، وفهمت أن تاريخ السودان السياسي بعد الاستقلال وحاضره حكمته ظروف موضوعية أهمها وجود عاصمة البلاد في موقعها هذا وسط تركيبة قبائلية ومجتمعية معينة. ولو افترضنا أن عاصمة البلاد هي الجنينة أو جوبا «قبل الانفصال» هل كان سيكون تأريخ السودان كما هو الأن؟!. إذن الحركة المتمردة تتذرع وتتتحايل بأشياء كعمل منهجي للاستقطاب. وقبل الانفصال ورغم تمرد الجنوب لم نسمع بأن ضابطاً جنوبياً قاد انقلاباً، لكن لو كانت العاصمة جوبا بالفعل ويمكن أن ينجح الانقلاب. إذن فلا بد أن تمزق حركة خليل الكتاب الأسود تمزيقاً وتؤسس حزباً سياسياً يقوده جبريل ويكون جنودها أعضاءه وغيرهم.