قضايا التعليم المتشعِّبة لم يكد المسؤولون في الدولة يفلحون في معالجة قضية إلا وتظهر أخرى أشد وطأة من سابقتها، ففي مدة سابقة شكَّلت قضية نقص الكوادر حجر عثرة أمام تقدم التعليم بالشمالية خاصة في عقد التسعينيات بسبب هجر عدد من الكوادر لمهنة التدريس بسبب ضعف الراتب علاوة على تأخر استلام الاستحقاقات مما أدى إلى هجر الأسر واستيطانها بالمدن الكبيرة بالمركز، وما إن تمت معالجة هذه القضية في مطلع الألفية الثالثة حتى ظهرت قضايا مؤرقة أخرى شملت «توفير الكتاب المدرسي والنقص في الإجلاس، ومشكلات البيئة المدرسية والتسرب الدراسي من قبل التلاميذ، وغيرها»، ثم أخيرًا ظهرت مشكلتا نقص الكوادر في التخصصات النادرة وقلة التدريب للمعلمين الجدد، ويرى مراقبون أن اضمحلال مؤسسات مثل بخت الرضا والتأهيل التربوي انعكس أثرها سلبًا على أداء المعلم في كل الأحوال مما جعل الخريج الجامعي الحالي يتساوى مع خريج الثانوي في مجال التعليم في عهده الذهبي، وبالولاية الشمالية كانت المشكلة الأكثر إزعاجًا للمسؤولين في وزارة التربية هي عملية التسرب الدراسي، حيث يبدأ الفصل الأول بمرحلة الأساس بعدد «60» طالبًا، وما إن يصل التلاميذ إلى الصف الثامن إلا ويصل عددهم إلى أقل من أربعين طالبًا، وبمزيد من المجهودات تم إنشاء عدد من المدارس بمناطق العرب الرحل إضافة إلى زيادة عدد المدارس بمحليات الولاية المختلفة مما جعل الظاهرة تقل في حدَّتها بعض الشيء، بينما تظل قضية توفر الكوادر في مواد بعينها هاجسًا يؤرق مضاجع العديد من مؤسسات التعليم العام، فهل إنشاء الفصل الإلكتروني يُعد علاجًا ناجعًا لهذه المشكلة بالشمالية والتي دشنت وزارة التربية بها عددًا من الفصول الإلكترونية بمحليات الولاية المختلفة خلال الأسبوع الماضي؟ ترى وزيرة التربية بالشمالية هويدا إبراهيم أن الفصل الإلكتروني يرفع من مستوى التحصيل لدى طلاب الشهادة السودانية مشيرة إلى أن هذا الاهتمام نابع من اهتمام الوزارة بتفوق الطلاب في التحصيل معربةً عن أملها في أن ينافس أبناء الولاية في العشرة الأوائل على مستوى السودان موضحةً أن تدشين الفصل الإلكتروني بمدرسة المتفوقات بنات بدنقلا ما هو إلا بداية لانطلاقة المشروع بكل محليات الولاية، وأضافت: «إن الخطة الأولى تستهدف فصلاً إلكترونيًا واحدًا بكل محلية يُعطى للمدرسة صاحبة أكبر عدد من الطلاب ويوجد بالشمالية حوالى «107» مدارس ثانوية مؤكدة إمكانية الاستفادة من المشروع في تدريب المعلمين بعد رفع التحصيل الأكاديمي للطلاب، وزادت أن طريقة تدريس المادة بواسطة الفصل الالكتروني من شأنها أن تجذب الطلاب للامتحان في المساق العلمي، وأشارت إلى أن عملية تدريس الصف الثالث يشكل هاجسًا لوزارة التربية بسبب عدم رغبة المعلمين في تدريس طلاب الصف الثالث وأضافت: «بعد وجود الفصل الإلكتروني سنجد كل المعلمين لديهم الرغبة في تدريس الصف الثالث»، واستبشرت وزيرة التربية بما تم من مجهودات حيث تمكَّنت الوزارة من توفير الإجلاس ل «17» ألف طالب وطالبة بالولاية ستوزع للمدارس خلال الأيام القادمة، بينما يرى وزير المالية بالشمالية شرف الدين مختار أن إنسان الشمالية إنسان منتج بينما يعاني من مشكلات جمّة معربًا عن أمله في أن تساهم مثل هذه التقنيات الحديثة في تخفيف حدة المعاناة لإنسان الولاية مشيرًا إلى أن الشمالية تمتلك أسباب التقدم والرفعة مشيرًا إلى أن الحكومة أقبلت على التعليم الإلكتروني قبل أربع سنوات معددة مزاياه التي تتمثل في حل قضية النقص في عدد المعلمين وكذلك علاج مشكلات اتساع الرقعة الجغرافية»، بينما يرى وزير الثقافة والإعلام وممثل الوالي عثمان الشايقي أن أي دولة لا تحترم التعليم والمعلمين فهي أمة متخلفة، وناشد الوزير بأهمية المحافظة على مكوِّنات الفصل الإلكتروني ومعدات الإجلاس والذي يكلف الدولة أموالاً كبيرة في حالة تلفها. الجدير بالذكر أن الفصل الإلكتروني هو عبارة عن إدخال مواد الدراسة الثانوية في الحاسب الآلي ليتم عرضها في قالب إلكتروني تفاعلي جاذب في حجرات الدراسة بالاستعانة بوسائل العرض المختلفة لإتاحة المجال لأكبر عدد من الطلاب للاستفادة من هذا التطور، وتبلغ تكفلة الفصل الواحد حوالى «عشرين ألف جنيه» تقريبًا.