كان الأفضل لبعض الطلاب الجامعيين في بعض الجامعات السودانية الموالين لبعض الحركات المسلحة أن يتعاملوا مع أية مشكلات تواجههم في جامعاتهم بالقيم النضالية حتى يعكسوا رسائل إيجابية لصالح الحركات المسلحة التي ينتمون إليها، فبذلك يمكن أن يجدوا التعاطف من القوى الأخرى داخل وخارج الحرم الجامعي باعتبارهم أصحاب قضايا موضوعية وعادلة. لكن أساليب العنف التي تخالف القوانين والأعراف وتنتهك حقوق المواطنين سواء كانوا طلاباً أو غير ذلك تبقى بالتأكيد أسوأ مما يشكون منه، وإذا اعتبرنا أن الحكومة قد وقعت في أخطاء بحق بعض الطلاب في الجامعات الحكومية فإن رد فعلهم حينما يكون مثلما حدث مؤخراً في جامعتي الجزيرة بود مدني وأم درمان الإسلامية بأم درمان فإن رد الفعل يكون أسوأ وأفظع من الفعل. في جامعة الجزيرة ارتكب بعض الطلاب أساليب عنف ضد بعض الأساتذة لا تليق بالطالب الجامعي المفترض أن يقود المجتمع في المستقبل، ومثل هؤلاء يكون سجلهم محفوظاً وسيكون وصمة عار.. والآن أحد المتهمين بقتل أحد الشهيدين الأقرع وبلل في ثمانينيات القرن الماضي تلاحقه اللعنات رغم أن المحاكمة لم تُشكّل له بعد.. وماذا فعل هذا «المتهم»؟!! لقد هرب والتحق بحركة جون قرنق المتمردة التي يتمرد جزء منها الآن في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بفرقتين من قواتها «المسماة الجيش الشعبي» وكان يدعي هذا المتهم أنه خرج للنضال، وإذا عدنا إلى تاريخ هروبه نجده هرب في سبتمبر عام (1986م) في ذاك الشهر من ذاك العام كان الحكم في السودان ديمقراطياً، وكان الصادق المهدي هو رئيس الوزراء المنتخب ولم يمض ِعلى حكمه وقتها نصف العام، وكان ذاك في مناخ انتفاضة إبريل (1985م) وكان كل الناس المعارضين لنميري يعودون من الخارج لاستنشاق نسايم الانتفاضة والديمقراطية العليلة، «وكلمة العليلة هنا تصلح للديمقراطية كما تصلح للنسايم»، لكن الطالب الجامعي حينها قد هرب من البلاد وقال إنه يقصد النضال، أي النضال ضد الانتفاضة الشعبية والديمقراطية، وهذا غريب، وهذا لم يفعله أنصار نميري، حتى بعد أن رفضت قوى الانتفاضة انخراطهم في العمل السياسي وأودعت السجون من أرادوا الاتصال الإعلامي «المباح» بنميري مثل الراحل سيد أحمد خليفة والصحفي محجوب عروة. أتدرون من هذا الطالب الجامعي المتهم الهارب؟!! إنه ياسر عرمان الذي يناضل الآن مع الحلو وعقار ضد الشعب السوداني وضدو موارده البترولية وغيرها. وفي جامعة أم درمان الإسلامية تعرض أربعة طلاب للاختطاف من قبل طلاب وربما لا يكونوا كلهم طلاب وهو سلوك يجدد أساليب العنف الطلابي في ثمانينيات القرن الماضي. إذن ما العلاقة بين الجامعات والتمرد في أطراف البلاد؟! هل تعتبر ساحات الجامعات امتداداً لأنشطة التمرد؟!.. لقد جاء في الأخبار مؤخراً أن هناك جناحاً في داخلية طلابية سيطر عليه بعض الطلاب وأطلقوا على عمليتهم المناطق المحرّرة. هل نعتبر هذا السلوك بسبب «الديمقراطية الخفية» في السودان؟!.. أي دولة محترمة تتقبل إطلاق مثل هذه المصطلحات في داخليات الطلاب؟! المتابع للعنف الطلابي في بعض الجامعات السودانية في الأيام الفائتة بالتأكيد يشعر بأن القضية ليست حقوقًا واستحقاقات طلاب وليست عملاً سياسيًا لكنها شيء آخر متعلق بالجانب الاجتماعي. ولذلك على الحكومة أن تتناول القضية من الجذور حتى يتسنى لها توفير العلاج الناجع حتى لا تصبح البلاد مثل الصومال حينما تُؤتي من جامعاتها.