بسم الله الرحمن الرحيم . والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين. وبعد أعجبني جداً البيان الذي أصدره الأخ المجاهد المفكر الدكتور غازي صلاح الدين العتباني. عن مخرجات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية . والذي أود أن أقوله: كل ما ذهب إليه الدكتور غازي. سليم من حيث النظر، ولكنه عليل من حيث الواقع والتطبيق. وذلك للآتي:هذا الكلام العلمي القانوني الفكري الذي قدَّمه الدكتور غازي يكون معتبراً في ظل حركة إسلامية قائمة على منهج سليم. ولكن الواقع غير ذلك. لأن الحركة الإسلامية السودانية فارقت المنهج السليم منذ ثمانينيات القرن الماضي وقت قيام الجبهة الإسلامية القومية التي كان قيامها ضرورياً؛ لضرورة انفتاح العمل الإسلامي، وتحريره من الصفوية. ولكن الخطأ الجسيم الذي صاحب قيام الجبهة الإسلامية القومية، أنها أصبحت بديلاً من الحركة الإسلامية، وأصبحت الجبهة الإسلامية بمنهجها الذي كانت تتطلبه المرحلة، هي الحركة الإسلامية التي من المفترض أن يكون لها منهج معين يقوم على أساس الفهم السليم للإسلام، ويتبع الوسائل، السليمة للتطبيق، لقد زالت معاني الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والإخوة، والثقة من قاموس الحركة الإسلامية السودانية منذ قيام الجبهة الإسلامية القومية. وكان من المقترض أن تظل الحركة الإسلامية قائمة بمفاهيمها، راسخة بمبادئها بغض النظر عن الاسم، وتكون هي الأصل، وتكون الجبهة الإسلامية القومية هي الذراع السياسي للحركة الإسلامية. ولكن الخطأ الجسيم الذي تمَّ ارتكابُه وقتذاك أنْ ذابت الحركة الإسلامية في الجبهة الإسلامية القومية، فسقطت التربية التي هي الأساس لصياغة الفرد، والأسرة، والمجتمع الذي تهدف لتحقيقه الحركة الإسلامية. فدخل الناس جماعات في الجبهة الإسلامية القومية، وأصبحوا هم الحركة الإسلامية السودانية. واستمر الحال هكذا حتى قيام الإنقاذ، وتأسيس المؤتمر الوطني على أنقاض الجبهة الإسلامية القومية، واستوعبتْ أجهزة الدولة السياسية، والتنفيذية، والأمنية، الصفوة ممن تربَّوا تربية سليمة في ظل الحركة الإسلامية، فانغمسوا في صراع السلطة، ومفاتنها. ولطول عهدهم بالمنهج السليم لم تكن لديهم الحصانة الكافية، فسقط بعضُهم في امتحان السلطة، وتوقف آخرون عن العمل العام، وأصبح قليلون يؤذنون في مالطة، وبذلك صار الانتماء للحركة الإسلامية في أغلب الأحيان مجرد تاريخ، وشعارات جوفاء. وأصبحت الحركة الإسلامية لا وجود لها على مستوى المنهج، وبناء الفرد. لا وجود لها في كل التنظيمات التي تمثلها الآن حتى جماعة الإخوان المسلمين في السودان تفتقر للمنهج العملي السليم، وقد كنتُ عضواً فيها حتى «2010م» ثم انضممتُ للمؤتمر الوطني عندما علمتُ أن لا فرق كبير على مستوى الممارسة والتطبيق. وفي ظل هذا الواقع، لا تصلح هذه القِيم الراقية التي يدعو إليها الدكتور غازي، ولذلك لا بدَّ من مخرجٍ اضطراري، لمقابلة ما أفسده البُعد عن المنهج السليم. وهو ما نتج عنه مخرجات المؤتمر الثامن. إنَّ التشوُّهات، والمخالفات التي صاحبتْ مخرجات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، شرٌ لابدَّ منه، ودواءٌ مُرٌّ لابدَّ لنا من تجرعه. والسبب في ذلك كله انحراف الحركة الإسلامية السودانية منذ زمن طويل عن المنهج السليم. نعم إنَّ هذه المخالفات تشير إلى خلل في المفاهيم كما ذكر الدكتور غازي- وفي ظل هذا الخلل فإن تطبيق المفاهيم السليمة الصادقة التي يتحدث عنها الدكتور غازي يؤدي إلى مفاسد أكبر؛ لأن من يطبقها، ويمارسها ليس أهلاً لها. إنَّ منْ يطبق المفاهيم السليمة لا بدَّ أن يتربَّى تربية عملية سليمة، ومعظم ولا أقول كل أفراد الحركة الإسلامية الآن بعيدون كل البُعد عن المنهج السليم للحركة الإسلامية. إنَّ إزالة هذه التشوُّهات، والمخالفات يجب أن يكون بالعلاج الجذري الذي يعمل على بعثٍ فكريٍ وروحيٍ جديد لأفراد الحركة الإسلامية، يقوم على الفهم السليم، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل. لابدَّ من علاج جذري، يستهدف أفراد الحركة الإسلامية فرداً فرداً بالتربية الروحية، والفكرية السليمة، حتى تتحقق المفاهيم السليمة في التوحيد أولاً بالثقة القوية، واليقين الصادق في الله سبحانه وتعالى. وتتحقق المفاهيم السليمة في العبادة الصحيحة التي تقوم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وتتحقق المفاهيم السليمة في السلوك والمعاملات. ومن خلال ذلك كله تتحقق المفاهيم السليمة في العمل التنظيمي.