عندما استلمت مبلغاً متواضعاً نظير ورثة قديمة قالت لي زوجتي + أوع تبشتنه ساكت لازم تستثمر في حاجة نافعة. * استثمار شنو يا ولية والله إلا كان طبلية ولا بيع تلج ولا جرائد.. + طيب ما لو ما كلها شغلات والزمن ده بقت فيها فائدة كويسة وأحسن من الملاطيش البدوك ليها كل شهر وما عاملة حاجة. * طيب انتي بتقترحي أستثمر في شنو مثلاً؟ + ود إسماعيل الخضرجي في الشارع قصادنا خلى دكان الخضار وهو مرخص وجاهز وفيه التربيزة والميزان ما ناقص شي إلا الخضار. * يا ولية كان نافع كان خلاه؟ + كان ما نافع كان صبر عليه السنين دي كلها وبس قالوا فتح ليه كافتريا في أم درمان. * لكن الخضار عايز خبرة وأنا حصل يوم بعت ولا اشتريت كمية خضار زي دي. + ما في زول بلدوه بعرف، لكن لازم تجرب ولا عايزنا نعيش في البشتنة دي. * أنتي قايلها جايب شنو البشتنة أصلها ما بتفوتك. + يا راجل تفاءلوا خيرًا تلقوه المهم بجيب قريشات ما بطالها كان مرق ليك حق الحلة ما قصر المهم من دربك ده تمشي لحاج إسماعيل واتفاهم معاه * طيب البدير الدكان منو؟ + أنت طبعاً * يا وليه انتي مطرطشة عايزني أسيب الشغل وافتح دكان خضار + أنت في إجازة سنوية وجرِّب الشغلانة وإذا نجحت نشوف لينا شاب ود حلال يمسك لينا الدكان. وبعد أن أكملت اتفاقي مع حاج إسماعيل استيقظت مبكرًا مع صلاة الفجر وبعد أن أدّيت الفريضة اتّجهت للسوق المركزي مباشرة وفوجئت بارتفاع كبير في الأسعار وأيقنت أن حاج إسماعيل لم يكن بالطبع يشتري بهذه الأسعار الباهظة لكنني فشلت أن أقنع البائعين بتخفيض السعر ثم استأجرت عربة كارو وحملت الخضار وكان أول الداخلين للدكان الحاجة حليمة وحين لمحتها تتقدم نحو الدكان شعرت بانقباض شديد وأدركت أن هذه البداية لن تكون سعيدة اذ أن الحاجة حليمة معروفة بحجتها الكثيرة ومشكلاتها التي لا تُحصى مع حاج إسماعيل وأصحاب الدكان وبائع اللبن بل حتى الكماسرة في المركبات العامة فضلاً عن أنها تحشر أنفها في كل شيء وحين وضعت قدمها في الدكان سارعت بتحيتي وهي تبتسم بمكر وسارعت بتوجيه سؤال مفاجئ قائلة: + أنت يا خوي خليت الوظيفة وبقيت خضرجي + لا أبداً بس أنا في إجازة سنوية وكلنا نجرِّب الشغلانة نشوف كان نفعت معانا بعد داك ممكن نشوف لينا ود حلال يمسك لينا الدكان. * ما في الزمن ده ود حلال كلهم بقوا بتاعين سفّ. هنا أدخلت يدها في قفة الطماطم وقالت: + سجمي طماطمك ده كلو ضارب. * يا حاجة ما ضارب ولا حاجة فيها بتاع صلصة ومعظمه سلطة + طيب الكيلو بكم * الكيلو ستة جنيهات + ستة شنو يا خوي في الشتاء الطماطم نزل وبعد شوية الصفيحة ذاتها ما بتفوت ليها عشرة آلاف. * ده كان زمان، هسي شتاء ولا صيف الأسعار ما بتنقص، لكن بنجاملك عايز كيلو ولا نص. + دايره نص واتجاملني، ثم أخذت تختار بنفسها. * يا حاجة ما تعزلي نحن أخدناه كده. + وأنا ذنبي شنو أشيل طماطم ضارب. وأدركت أن الجدل لا ينفع معها وتركتها تختار وعندما انتهت قالت عايزه كمان ملوخية لكن شايفاها كلها مضبلنة. * يا حاجة دي ملوخية طاعمة جداً وما فيها واحدة كعبة انتي بس عايزه بكم، وهنا أمسكت بالملوخية ووضعتها في الميزان قبل أن تمارس هواية الاختيار لكن مع ذلك كان تنزل بعضها وتختار البديل لكن كنت حريصاً أن أتخلص منها بأسرع ما يمكن وعندما ذهبت ووقف شاب يحمل دفتر إيصالات وحياني وقال: + عايزين حق النفايات. * يا خوي أنا فتحت الدكان ده لأول مرة قبل عشر دقائق بس وما عندي هسه قروش نفايات. + خلاص ما في مشكلة لكن الشهر الجاي حندفعك حق شهرين. تمتمت في سري قائلاً ده لو لقيتني قاعد. وبعد انصراف الموظف لم يدخل على الدكان اي زبون وقلت ربما كانت حاجة حليمة قامت باللازم وعملت حملة رأي عام قوية ضدي المهم نصبر ونشوف آخرته ولم تمر دقائق حين رأيت شاباً يحمل إيصالاً ويتجه نحو الدكان + نحن من المحلية وعايزين نشوف الترخيص السنوي بتاعك. * الترخيص عند بتاع الدكان. + السنة دي الدكان ما ترخص ولازم تدفع أنت ولا هو. * كدي أدوني فرصة الليلة أول يوم امسك الدكان وما في زول دخل علي غير حاجة حليمة الكارثة وهي الجابت لي كل الهويا ده. + المهم نحن بنديك فرصة وهسي شايف عندك كرسي وعنقريب لكن ما حنطبق عليك القرار. * قرار شنو يا خوي في عنقريب حبالو مقطعها وكرسي مكعوج. + نحن عندنا واحد أديناه عطاء احتكار للسراير والكراسي وبنابر ستات الشاي وهم لازم يأجروها منو وإلا نحن بنصادره. * برضو بارك الله فيك لكن الكرسي ده والسرير ده بتاع سيد الدكان وأنا مؤجر وبس لكن ممكن من بكره بسلم الحاجات دي وأجيب صندوق خشب قديم بتاع تلاجة عشان اعقد فيه. + يا خوي صناديق الخشب أو التلاجة كلها ممنوعة لازم يكون في الدكان كرسي أو تقيف علي حيلك لكن أنت لسه بادي الشغلانة وما حنضايقك وعند العودة للبيت محبطاً نسبة لفشل المهمة في اليوم الأول قلت لزوجتي * علي الطلاق ما ماشي الدكان تاني دي شغلانة خسرانة النفايات والمحلية وحاجة حليمة كلهم في يوم واحد دي مصيبة أنا ماعندي ليها صبر واتجهت نحو الغرفة ولم أرد على كشكول الاحتجاجات من زوجتي التي انهمرت عليّ كالمطر.