رغم الحديث الذي دار حول حجم التمويل لصندوق إعمار الشرق بمنحة قدرها «600»مليون دولار، والبشريات التي بثها القائمون على أمره لأهل الشرق بتنمية شاملة في كل الخدمات، وإنهاء معاناتهم مع الجهل والفقر والمرض.. وكثر الحديث عن إنجازات هذا الصندوق وما حملته التقارير واللقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة مع إدارة الصندوق وإقتناعهم بما قدمه، غير أن الأوضاع المتردية والمزرية التي عكسها الأعيان والعمد من مناطق دوقديت والانكليب وأدرديب الذي زار«الإنتباهة» تفضح حجم القصور الذي لازم عمل هذا الصندوق في توزيعه، ووصفوه بغير العادل ولم يصلهم منه أي نصيب لمناطقهم التي ليست ببعيدة عن حاضرة الولاية، ويبلغ عدد سكانها حوالي عشرة آلاف أسرة تعيش تحت خط الفقر، فأطفالها يعانون المرض والجهل والجوع. فقد وصل الأمر بهم إلى أنهم يتسولون جرعة الماء التي تنعدم مواردها في المنطقة، بينما تبلغ مسيرة الوصول لأقرب وحدة صحية أولية 95 كلم، وتبلغ تكلفة أجرة الإسعاف المركزي للولاية لإنقاذ امرأة متعسرة «300» جنيه في مقابل المهرجانات السياحية التي تقيمها الولاية، كل هذه القضايا حملناها ووضعناها أمام أهل الاختصاص والقائمين على أمر الصندوق، وكذلك على معتمد محلية هيا التابعة لها هذه المنطقة محل التحقيق، حتى نسمع منهم الردود على هذه الاتهامات الموجهة لهم، فتحصلنا على إفادات من نائب مدير الصندوق السيد نافع إبراهيم، وكذلك نورد إفادات معتمد محلية هيا الأستاذ إبراهيم طاهر الحسن الذي فند كل الاتهامات. فلنقف على محطات هذا التحقيق في المساحة التالية.. وبداية كان حديث العمدة آدم محمد محمود، والعمدة أحمد محمد آدم ممثلين لثلاث مناطق. نحن نمثل مناطق دوقديت واللانكليب وأدرديب هذه المناطق الثلاث تقع بمنطقة إستراتيجية، وهي عبارة عن شريان يمر بها ثلاثة خطوط نفط وبها الطريق القومي المؤدي لإثيوبيا وأريتريا وعطبرة هذه المناطق يقطنها عشرة آلاف أسرة. أطفال يتسولون جرعة ماء مواطن هذه المناطق يعيش تحت خط الفقر. فالمنطقة ليس بها مورد مياه واحد. الثلاث مناطق تعتمد على كرجاكة واحدة والمار بالمنطقة يرى الأطفال يحملون «جركانات» فارغة يتسولون جرعة ماء.. أما بالنسبة لسقاية المواشي فنحن نذهب بالتناول لمكان مورد الماء، فهو يبعد مسافة ليست بالقصيرة، ولنا برنامج مع المواشي. فالماعز تسقى كل يومين، والجمال كل أربعة أيام، فالمجموعة من الماعز التي تذهب اليوم لا تذهب غداً بالتناوب فكل هذه المناطق لا بئر فيها بالرغم من أن تكلفة حفر البئر لا تتعدى العشرة ملايين. إضافة لذلك، المنطقة قليلة الأمطار وفقيرة جغرافياً. فمواطن المنطقة يعاني هو وثروته الحيوانية من العطش بالرغم من أن هناك توصيات رفعتها الجهات الحكومية بأن المنطقة في حاجة ماسة لمورد ماء «بئر». وأوصت بحفر بئر يعمل بالطاقة الشمسية. هذا الحديث قبل عام وشهرين وحتى اللحظة لم نر شيئاً. وجبة واحدة من الدوم المنطقة فقيرة خالية من كل مقومات الحياة، وقد كان يعتمد أهلها في السابق على الرعي، ونتيجة لسنوات الجفاف التي ضربت المنطقة، والتي أثرت سلباً على الزراعة، فأصبحوا يعتمدون على الدوم في غذائهم الرئيسي، وكذلك على السعف والتحطيب. فالمواطن يعتمد في وجبته الغذائية الوحيدة في اليوم وتتكون من منتجات شجر الدوم، مع إضافة ملح وزيت وماء إن وجد وهذا بالطبع أثر على صحتهم. وهذا التدهور الاقتصادي انعكس سلباً على حياة العامة خاصة في الجانب الاجتماعي مما أدى لهجرة كثير من الرجال للمدن، وأصبحت النساء يقمن لوحدهن، مع وجود عدد كبير جداً من الأطفال في مساكن لا ترقى للحياة البشرية. وهذه أيضاً غير متوفرة لكل الناس، وبعون ذاتي تحصلنا على عدد من المشمعات لتقي الأطفال والنساء حر الشمس ولكن الغالبية يجلسون في العراء. مرضى على ظهر بعير أما بالنسبة للخدمات الصحية حتى الأولية فهي منعدمة تماماً، فإذا مرض أحد المواطنين فإننا نقوم بحمله على ظهر البعير ونسير به مسيرة ثلاثة أيام، وإلا نذهب مسافة طويلة ونطلب عربة فإذا أتتنا عربة إيجارها «600» ألف جنيه، أما الإسعاف المركزي للولاية فيطلب مبلغ «300» ألف جنيه «حق الجاز»، والأمراض كثيرة ودائماً مواطن هذه المناطق ضعيف البنية لأن تغذيته ضعيفة جداً وأقرب وحدة صحية تبعد«95» كلم. فالمنطقة منعدمة فيها الرعاية الصحية بنسبة «100%». مستقبل مظلم بالمنطقة عدد كبير من الأطفال في عمر التعليم، وكذلك تنعدم دور التعليم كانعدام الماء والمرافق الصحية، وكنا قد أتينا بأحد المعلمين ليدرس أطفالنا القرآن وعلومه، لكنه «هرب» لعدم وجود الماء، فكيف يكون حال أطفالنا بلا تعليم، وماذا ننتظر منهم. بالتأكيد سوف يكون مشرداً فلن يحمل في يده سوى العصا والسكين لأننا لم نقدم له شيئاً من مقومات الحياة. ومن مستحقاته كطفل من حقه أن يأكل ويشرب ويتعالج ويتعلم، نحن مؤتمر وطني ولا تقدم لنا دعوات لحضور أي منشط، وإذا حضرنا نمنع.. ولم نر ممثلينا في البرلمان منذ أن فازوا، لذلك نحن بصدد سحب الثقة عنهم وعن الممثلين لنا في المجلس التشريعي الولائي. عثمان الباقر ممثل اللجنة الطوعية للمنطقة على سحب تقريراللجنة التي قام بتكوينها صندوق الإعمار التي زارت هذه المناطق، فقد أوصت بأن هذه المنطقة تحتاج لبرنامج غذائي عاجل قبل كل شيء، ناهيك عن تنمية وخلافه وتقديم عون غذائي بصورة إسعافية، وكذلك إنشاء مركز رعاية صحية ودعم مدخلات القطاع الزراعي وإنشاء قرى نموذجية، وكذلك أوصت بإنشاء مدارس أساس وحفر عدد من الآبار الجوفية، كان ذلك قبل عام وعدة أشهر، ولكن لم نر شيئاً.. فهذا التقرير يعني أن المنطقة تحتاج لعمل عاجل، ولكن هذه التوصيات لم تدخل طور التنفيذ باعتبار أنها مربوطة ببنود الميزانية للعام الجديد وعطاءات تنزل في الصحف ومقاولين وكثير من الإجراءات، ونحن بدورنا نذهب للمنظمات الطوعية جلسنا مع منظمة الشهيد الزبير ووعدونا بالدعم. فرقة طيور الجنة يواصل عثمان إن الماء عصب الحياة وحفر البئر لا يتجاوز الثلاثين مليوناً وبالطاقة الشمسية يكلف «150» مليوناً، واليوم نحن في الولاية نصرف ملايين مضاعفة على مهرجانات السياحة وأطفال البجا يتسولون جرعة ماء وقطعة خبز.. الولاية تأتي بفرقة (طيور الجنة) وكورالها وتنزلهم في فنادق خمسة نجوم وطيور الجنة في تلك المناطق يعيشون في الخلاء. علف بالڤيتامين أطفال المنطقة جياع، وأنا أعرف أحد المسؤولين في الولاية يطعم «ضأنه» بالعلف المشبع بالڤيتامين، هذا يتم على مرأى ومسمع من المواطن الجائع الذي لا يجد الوجبة ولا جرعة الماء «اطلعوا الآن بعربتكم» للمنطقة ما بين هيا ودرديب تجدون الأطفال يحملون جركانات فارغة يتسولون من السيارات المارة جرعة الماء.. هل المسؤولون لم يروا مثل هذه المناظر؟ بالطبع لا، ولكن ما يحدث هو أنهم يرفعون تقارير للمركز بأن الولاية «100%» والإستراتيجية القومية الشاملة لعشر سنوات مرت عليها عشر سنوات أخرى، ولم تنجز أي شيء بل العكس مستوى الفقر في ازدياد حتى وصل درجة تحت الصفر. الصراع الخفي هناك صراع خفي بين حكومة الولاية والمركز، فقد كتبنا مذكرة بتاريخ 16-5-2010 للسيد الوالي بخصوص مشاكل المنطقة لم يستجب لها، والمستند مرفق وبعد هذا التاريخ ذهبنا لمكتب الوالي «40» مرة لمقابلته، ولكن دون جدوى وكان رد الحكومة أننا أتيناها بالشباك ولم نأت بالباب، ونحن نقول أتينا بالباب عشرات المرات، وخاطبنا مدير مكتبه المدعو «متوكل» ولم تتم المقابلة.. ماذا نفعل بعد ذلك؟ وحتى ممثل هذه المناطق المدعو عيسى كباشي عيسى بالبرلمان لم يزرها إطلاقاً بعد أن أخذ أصواتهم، وعبر بها لبورتسودان ومن ثم للخرطوم، وحتى أن العمد ذهبوا إليه في مكتبه بالخرطوم ولم يقابلهم، لذلك هم الآن بدأوا خطوات في اتجاه سحب الثقة من ممثليهم في البرلمان والمجلس التشريعي بالولاية. وأنا كرئيس للجنة الطوعية للمنطقة أناشد حكومة الولاية أن تترفع عن الخصومات والصراعات السياسية، وأن تنظر للمواطن ومواجهة مشاكله، والإشكالية عندما نتجاهلها تتعاظم وتتفاقم، ولا يمكن للولاية أن تتعامل معنا من منطلق «جوع كلبك يتبعك»، نحن لسنا كلاباً، بل نحن بشر والحقوق تنتزع ولا تستجدى، ونحن من أنصار طرح المشكل، ونناشد المركز أن لا يعتمد على تقارير الولاية فهي مغلوطة ومنافية للحقيقة وللواقع الذي تعيشه المنطقة. الرأي الآخر وحتى تكتمل الصورة لا بد من التحدث مع الجانب الآخر من القضية، فكان لا بد من الاتصال بالقائمين على أمر صندوق إعمارالشرق فكانت إفادة من الأستاذ نافع إبراهيم نائب رئيس صندوق الإعمار الذي أكد في حديثه ل«الإنتباهة» أنهم ذهبوا لهذه المناطق محل التحقيق بعد الشكاوى التي وصلت إليهم، وبالفعل وجدنا الوضع سيئاً وأنها تحتاج لحلول إسعافية، وأن كثيراً من المناطق بالقرب منها تعاني من نفس الإشكالية، ونحن من جانبنا بحثنا هذه المشاكل ووضعناها في الميزانية القادمة 2013 وصدقنا لهم مدرسة ووحدة صحية وبئر ماء كشيء إسعافي وقدمنا توصية لبعض الجهات الطوعية وتمت مقابلتهم بها كمؤسسة الزبير الخيرية وقد استجابوا لهم ببعض المعينات كالكساء والغذاء. كل هذه الخطوات قمنا بها تجاههم بعد موافقة الولاية. معتمد هيا وكان لا بد من أن تكون للمحلية التابعة لها هذه المناطق حضور فكان اتصالنا بمعتمد هيا الأستاذ إبراهيم طاهر الحسن ليدلي بإفاداته حول هذه القضية، حيث قال: طيبة أهلنا في الشرق يعيشون في شكل تجمعات وكل واحد يريد أن يقيم قرية بمفرده دون مقومات القرية مورد الماء والطرق والزراعة ومرافق الصحة والتعليم، وهذه أكبر إشكالية تواجهنا، فإذا تجمعت تلك المجموعات لاستطعنا أن نقدم لها الخدمات على حسب الإمكانيات المتاحة عندنا فهذه التجمعات التي تتحدثون عنها تعداد سكانها بسيط، ولكن بالرغم من ذلك فهؤلاء العمد أو ممثلو المناطق الذين زاروا صحيفتكم لم يأتوا إلينا أو يبلغونا بمشاكلهم. باب الولاية مغلق يجب أن يأتوا للمحلية أولاً، لأن البلاد تحكم على ثلاثة مستويات، وهم ذهبوا لمكتب الوالي، ولكنه أغلق أمامهم لأنه من المفترض أن يكون أولى خطواتهم للمحلية فهي المستوى الثالث على حسب دستور جمهورية السودان، فإذا لم يتلقوا استجابة فليذهبوا للولاية ومن ثم للخرطوم.. وأنا أبوابي مشرعة وليس لدي أي حرس أو تحفظات في مقابلة المواطنين والاستماع لهم، ولكنهم تخطوا المحلية وذهبوا للولاية التي لم يجدوا منها استجابة وهذا أمر طبيعي لأنهم لم يسيروا وفق التدرج المعروف.. وهذا يوحي بأن لهم مقاصد أخرى، ونحن على استعداد أن نقدم لهم كل الخدمات ولكن فقط عبر بوابة المحلية.. ولهؤلاء المواطنين في المناطق المذكورة نائب برلماني ولكنه ذو خبرة بسيطة في مجال العمل السياسي والخدمي، فهو مجرد معاون صحي ولأول مرة تقع على عاتقه مثل هذه المسئوليات لذلك لم يستطع أن يقدم لهم أية خدمات.. وفي الأول والأخير هم الذين اختاروه وصوتوا له وفوزوه. وبالرغم من ذلك عليهم التوجه للمحلية، وأنا ليس لدي حراسة ولا في المنزل ولا في المكتب، وأقول أنا لا أملك عصا سحرية لتغيير المجتمع ولكن سوف نتحرك ونقدم خدمات في حدود إمكانياتنا.. إسعافات متوفرة أما أسعار أجرة الإسعافات التي تحدثوا عنها فهي ليست كذلك، فالوقود الذي يوصل سيارة الأسعاف لمنطقتهم لا تزيد تكلفته عن «120» جنيهاً أي أربع «جركانات» ولدي أربعة عربات إسعاف تحت الطلب بعد دفع ثمن الوقود والذي يتراوح على حسب بعد المنطقة وحتى المدير الإداري للمستشفى الذي يتكون من ثلاثة طوابق وبه ثلاثة إختصاصيين من أبناء المنطقة لسهولة التعامل مع المواطنين فهو خبير بلهجاتهم المحلية. مهرجانات السياحة أما بالنسبة لإقامة المهرجانات فهي ليست للهو أو الرفاهية، وإنما قصدنا منها الرفع من ثقافتنا والكشف عن حضارتنا وعن الفن الراقي الموجود عندنا في الولاية، لأنه أنا لدي مليون أبو آمنة حامد، أريد أن اكتشفهم ولن يتم ذلك إلا عبر هذه المهرجانات ولتفجير طاقات الشباب الإبداعية. نصيحة لمواطن المنطقة نصيحتي لمواطن هذه المحلية أن يأتي إلينا، فأبوابنا مفتوحة، وقضايانا حلها في أيدينا وليس في يد الولاية أو الخرطوم. فهاتان الجهتان فقط داعمتان، ولكن تحديد المشاريع والطموحات والبرامج مسؤوليتنا نحن، وأن نجلس مع بعضنا ومع الأجهزة التشريعية والتنفيذية حتى تستطيع أن تحقق ما نصبو إليه من تنمية وأمان للمواطن، ولا مجال لتقديم الشكاوى والاحتجاجات للمستويات العليا ما دامت أبوابنا مشرعة.