إذا كان الخبر مدهشاً وهو يقول إن (22) ضابطاً من الجبهة الثورية - وهو الحلف المكوّن من حركات التمرد في دار فور والجنوب الجديد - قد سلموا أنفسهم للسلطات السودانية في محلية أبيي، فإن الأكثر ادهاشاً فيه هو السبب الذي حمل هؤلاء الضباط للحاق بركب السلام أسوة بالأبطال والأفذاذ الذين وضعوا السلاح وعادوا من أجل مواطني دارفور الذين لاقوا من أنشطة المتمردين ما لم يلاقيه أجدادهم من سلاطين رودلف وونجت باشا. فما هو هذا السبب إذن؟! إن الضباط العائدين قالوا إن انحسار التمرد وكسر شوكة الحركات المسلحة هو ما أدى إلى انضمامهم إلى كتائب السلام. وأكثر من ذلك قالوا إن هناك من سيقتفي أثرهم قريباً ليسلموا أسلحتهم أيضاً للمسؤولين الحكوميين بمحلية أبيي. لأول مرة تعود مجموعة من التمرد تتحدث عن انحسار وكسر شوكة الحركات المسلحة.. فهل هذه العودة التي جاءت بسبب فوق العادة هذه المرة تعني أن تحقيق السلام والاستقرار للمواطنين هناك على وشك أن يكون واقعاً؟!.. نعم مازال هناك من يحمل السلاح ويزعزع الاستقرا، لكن إذا لم يكن هذا بالصورة التي كانت في الفترات السابقة، فهذا يعني أن الأوضاع الأمنية قد عادت إلى المربع الأول، وهو بالطبع مربع النهب المسلح الذي كان منذ ستينيات القرن الماضي، وكان في مايو عام 1968م قد وقعت اتفاقية بين السودان وتشاد لمعالجة المشكلة الأمنية التي تسببت فيها عصابات النهب المسلح. فماذا يعني انحسار التمرد؟! ألا يعني التراجع عن مقاومة الحكومة والاكتفاء بالإغارة عن المدن والقرى لرعب المواطنين كما أشارت التقارير الرسمية الأمريكية وبعض منظمات حقوق الإنسان؟! نعم لقد انحسر التمرد وانكسرت شوكة الحركات المسلحة ما دامت الأخبار من هناك أصبحت تتحدث عن أوضاع أمنية في صورة نهب وسلب. إنها العودة إذن إلى المربع الأول مربع النهب المسلح الذي بدأ منذ أوائل ستينيات القرن الماضي واستمر حتى ظهور حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، ومني أركو مناوي. لم يعد عبد الواحد باللحاق بركب السلام حتى الآن، بل جعل المسافة بينه وركب السلام أبعد حينما ذهب إلى إسرائيل المفترض أن تحرص على الوقوف ضد أي استقرار في السودان الذي انطلقت منه اللاءات الثلاث الشهيرة عام 1967م. إن عبد الواحد يتمسك بالنَّعَمَات الثلاث، أما مناوي فقد وقّعت حركته مع حركات أخرى على اتفاقية أبوجا عام 2006م لكنه لم يستوعب مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاقية، وراح يتحدث عن نقاط خلاف مع الحكومة الذي شغل فيها منصب كبير مساعدي الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور.. تحدث عن خلافات عادية ولم يتحرك هو لمعالجتها بالذكاء السياسي باعتباره أصبح مسؤولاً رفيعاً في الحكومة، كان يتعامل مع بعض الخلافات الطبيعية وكأنه مبعوث إلى السودان من دولة أخرى، كان وكأنه مثل المبعثين الغربيين إلى السودان من قبل رؤساء دولهم. لقد فشل مناوي في امتحان السلطة وعاد ليفشل في قيادة التمرد. ويقول الضباط العائدون وهم يسلمون أسلحتهم للسلطات في أبيي إن التمرد قد انحسر وانكسرت شوكة الحركات المسلحة. إن القوات الأجنبية يمكن أن تدعم وتمول أي مشروع تمرد في بدايته، لكن إذا فهمت أنها لن تجني منه الثمار التي ترجوها مقابل ما تقدمه فلن تواصل معه مشوار الدعم إلا بقدر حتى لا يكسب الطرف الحكومي وضعاً أمنياً جيداً. ففتات الدعم يكون ضد الحكومة وليس لصالح مشروع التمرد الذي لم ينجح في نظر الجهة الأجنبية الداعمة. عودة «22» ضابطاً من الجبهة الثورية تعني الكثير الذي سنتناوله لاحقاً بإذن الله..