٭ سيتساءل الناس بالطبع داخل المؤسسات الحكومية وخارجها عمَّا يجعل وزير المالية السيد علي محمود يمتنع عن رفع الأجور إلى الرقم الذي وافق عليه الثلاثة الكبار الرئيس البشير ونائبه الأول علي عثمان والدكتور نافع. ولا بد أن لوزير المالية حسابات يراها موضوعية، أو أسباباً يراها كذلك، إذ إنه ليس من المعقول أن يقف في اتجاه معاكس لأجور العاملين بالدولة دون وجود مبرر لذلك، فلا بد من وجود المبررات. فقد تكون شح السيولة أو تفادي مزيد من ارتفاع نسبة التضخم في هذا الوقت الحرج بالنسبة لاقتصاد البلاد، ثم إذا أراد وزير المالية أن يرفع الأجور قد يكون مضطراً لطباعة أوراق عملة جديدة، وطباعتها تعني أن زيادة الأجور لا قيمة لها من ناحية الظرف المعيشي، وربما تكون القيمة سياسية فقط.. مثل تفويت الفرصة على المعارضة حتى لا تتخذ تأخير رفع الأجور شرارة لإشعال التظاهرات في الشارع. فهي الماء العكر الذي يسهل فيها اصطياد استقرار الحكومات. لكن ربما عجز المعارضة الذي تحدَّثت عنه مريم الصادق المهدي في لندن أمام بعض المسؤولين البريطانيين هو الذي جعل وزير المالية لا يختار طباعة أوراق عملة جديدة لرفع الحد الأدنى للأجور المحدد ب «425» جنيهاً. وهذان هما الخياران أمام وزير المالية، إما طوفان التضخم وإما انتظار إنعاش الاقتصاد بعوائد بعض الصادرات مثل الذهب والنفط. وبالنظر إلى ما قاله رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان البروفيسور إبراهيم غندور في مؤتمره الصحفي الذي عقده أمس الأول، فإننا نرى أن الدولة تجعل المواطن في حالة عدم وعي بما يدور من حوله. يقول بروفيسور غندور إن الرئيس ونائبه الأول علي عثمان ومساعده الأول دكتور نافع قد وافقوا على زيادة الأجور، لكن وزير المالية امتنع. ويقول إنهم بوصفهم اتحاد عمال قدموا مقترحاً بشأن زيادة الأجور يتضمن إمكانية رفع حدها الأدنى، لكن المالية اتجهت إلى تكوين لجنة لدراسة الأمر، إلا أن غندور تشاءم من هذه الخطوة، وعبر عن تشاؤمه بقوله: (إذا أردت تعطيل قضية أو تسويفها فكون لها لجنة). ويبدو أن غندور يرى أن إبداء أية أسباب من قبل وزارة المالية لتأخير رفع الحد الأدنى للأجور غير مُقنعة، فهو يتساءل: (لماذا ظل الاقتصاد متراجعاً بعد دخول موارد كثيرة إلى خزينة الدولة من بينها الذهب؟!). لكن إذا اختلف موقف وزير المالية مع موافقة الثلاثة الكبار البشير وعلي ونافع على زيادة الأجور، فإن السؤال هنا هو: هل نعتبر موافقة الثلاثة الكبار غير مقيدة بسقف زمني، وبالتالي تبقى تحصيل حاصل، لأن الزيادة ولو بعد حين ستكون؟! هل هي موافقة «سياسية» لجبر خواطر المواطنين؟! إن المطلوب من الثلاثة الكبار توجيه المالية بدراسة مقترح غندور بصورة فورية ثم تحديد جدول زمني لزيادة الحد الأدنى للأجور، ليقتنع المواطن بأن الزيادة التي وافق عليها أكبر المسؤولين في الدولة يمكن أن تكون قريباً جداً، دون أن تسبب مضاعفات للاقتصاد السوداني الذي لا تنقصه هذه المضاعفات. والمطلوب من وزير المالية السيد علي محمود أن يرد على تشاؤم غندور عملياً بعد أن قال: «إذا أردت تعطيل قضية كون لها لجنة»، فليت هذه اللجنة تكون اليوم أو غداً ليشرح السيد وزير المالية السبب الموضوعي الذي وقف وراء تأخير زيادة الحد الأدنى للأجور، فهذا الشرح سيسد باباً يمكن أن تأتي منه ريح المعارضة التي تسعى لتقويض النظام الديمقراطي الحالي لاستبداله بآخر ترى أنه سيكون أكثر ديمقراطية، و«الباب البجيب الريح سدو واستريح». وهذا الباب يقف الآن بجانبه وزير المالية وعليه سدّه مبكراً. ولا نستطيع أن نطالب وزير المالية بأن يحرك إجراءات زيادة الأجور على وجه السرعة، فهناك ظروف قاهرة تمنعه، ومعلومة حالة بلادنا الاقتصادية، لكن نطلب منه ألا تعطل القضية بتكوين «اللجنة» ونطلب منه أن يشرح السبب للمواطنين.