كنا قد طلبنا بالأمس من السيد وزير المالية الأستاذ علي محمود عبد الرسول، أن يشرح للعاملين بالمؤسسات الحكومية تأخير زيادة الأجور إلى هذا الوقت، بعد أن انتفض الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في المؤتمر الصحفي لرئيس الاتحاد البروفيسور إبراهيم غندور. وكان غندور يتحدث في المؤتمر بلهجة نقابية حادة، ويقول إن الرئيس ونائبه الأول ومساعده الأول قد وافقوا على زيادة الأجور لكن وزير المالية يمتنع. وقلنا إن السؤال هو لماذا يمتنع؟! هل لكيد يُراد للعاملين؟! طبعاً كلا ثم كلا.. وإنما العكس، والعكس هو لكبح يراد لزيادة الأسعار، ولذلك حينما قال وزير المالية إنه ينتظر توصيات اللجنة الرئاسية التي كونت لزيادة الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور إلى »425« جنيهاً، فإنه إذن ينتظر وصول اللجنة إلى خطة جيدة تجعل زيادة الأجور مفيدة وليس سبباً لزيادة الأسعار. إن الأسعار تزيد قبل زيادة الأجور وتأتي بعد ذلك الأخيرة، لكن تبقى عادة زيادة الأسعار بعد زيادة الأجور سيئة جداً، إنها من العادات الضّارة في معيشة المواطنين. فهي سلوك انتهازي، ومازيدت الأجور إلا لزيادة الأسعار، وما زيدت الأسعار إلا بسبب اختلال الميزان التجاري أو فواتير الحرب أو مواجهة حرب اقتصادية من باب الكيد الذي يُراد للبلاد. وكل هذه الأسباب متوفرة في البلاد. ومن أجل توعية العاملين بحقوقهم وواجباتهم وكذلك بالظروف المحيطة بالمستوى المعيشي في هذه البلاد، نقول لا داعي لهذا الصوت والهتاف الذي ترفعه قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال السودان.. اللهم إلا إذا كانت هذه القيادة النقابية تريد أن تتجمّل أمام أعين العاملين بالدولة، أي أن الغرض من هذا الهتاف النقابي المضاد لامتناع وزير المالية عن زيادة الحد الأدنى للأجور، هو إرسال رسالة باستثمار فترة دراسة الزيادة في إطار لجنة رئاسية. نعم الرئيس ونائبه الأول علي عثمان ومساعده الأول نافع قد وافقوا على الزيادة، وهذا هو الطبيعي، لكنهم لم يقولوا أن تكون قبل نتائج اللجنة الرئاسية. أما موضوع تأخير انعقادها فهذا له أسبابه، فقيادة الدولة ليس همّها فقط زيادة الأجور، فهناك الحروب، وهناك قصص المفاوضات والاتفاقيات مع دولة سخيفة لا تراعي شعبها، دعك من أن تحترم علاقات دبلوماسية أو علاقات جوار. إن الاتحاد العام للنقابات العمالية ينبغي أن يكون مقترحه لوزارة المالية هو حصار رفع الأسعار بانتهاج أساليب ووضع خطط ذكية، لكن أن يكون هو تجاوز اللجنة الرئاسية واتخاذ قرار برفع الحد الأدنى للأجور لترتفع بعده الأسعار في مشهد انتهازي، فهذه »طبطبة على رؤوس الأبرياء«.. ولا يصدق عاقل أن تكون قيادة النقابات أكثر رأفةً ورحمةً بالعاملين من قادة الدولة الذين يرعون هذه مثل النقابات ويغدقون عليها المال العام، سواء الذين تحت ولاية وزير المالية أو المجنّب. إن الدولة يسوؤها جداً وهي تواجه المعارضة المسلحة والمعارضة »الشغبية«، أن تحدث زيادة في الأسعار، وتخشى من مضاعفتها حينما تلجأ لزيادة الحد الأدنى للأجور. فالمسألة حسابات، وغندور يفهمها تماماً، لكن إذا أراد أن يقوم باستثمار نقابي فهذا أمر آخر. لكن جميعهم الرئيس ونائبه الأول ومساعده الأول ووزير المالية ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان وقادة التمرد وقادة المعارضة، جميعهم هؤلاء يفهمون لماذا تأخير زيادة الأجور الآن، ولا يختلفون في ذلك. لكن يبقى الاختلاف في الخطاب للجماهير، لأن الجماهير في أغلبها تتمتع بالبراءة السياسية، فهي فقط لا تريد معيشة ضنكة.. وغداً نلتقي بإذن الله.